إنها كارثة بكل المقاييس.. لم نكن نتصور أو نتخيل انها يمكن ان تقع بالطريقة التي تمت بها.. واذا سألني سائل: هل كنت تتوقع ما حدث؟! فسوف أرد علي الفور: إنني لم اكن مستريحا علي الإطلاق للأسلوب الذي جرت به انتخابات مجلس الشعب2010, ولست في حاجة إلي سرد التجربة المريرة التي تعرضت لها يوم الانتخابات, وكانت النتيجة79% من المقاعد للحزب الحاكم و3% للمعارضة.. وتساءلت: كيف يمكن لبرلمان أن ينهض بمسئولياته في التشريع ومحاسبة الحكومة وكل أعضائه من الحزب الحاكم؟. ولم أستطع أن أمنع نفسي من استحضار واقعة تاريخية عندما كان الحزب العربي الاشتراكي في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هو المهيمن علي الحياة السياسية في مصر, وكان كل المخلصين في مصر, وكل الاجانب الذين يقابلون الرئيس يبدون رأيهم بأنه لايمكن حكم دولة بحزب واحد, فاتخذ الرئيس قرارا بأن يتولي عدد من رموز الحزب بالقيام بدور المعارضة وطبعا لم تنجح التجربة! أنتقل بعد ذلك إلي يوم5 سبتمبر عام1891 عندما اقنع الراحل نبوي اسماعيل وزير الداخلية الرئيس السادات باعتقال0051 من رموز المعارضة رهن الاعتقال حتي يتم انسحاب اسرائيل من سيناء تنفيذا لاتفاقية السلام, وكلنا يعلم ماحدث بعد شهر واحد من اتخاذ هذا القرار الذي وضع النظام بأكمله في مأزق. حكم الدول يتم بمراعاة الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والدكتور أحمد نظيف وهو اسم علي مسمي لا نستطيع ان نقول انه لم يخدم مصر ومشكلة حكومته انها ركزت بشدة علي البعد الاقتصادي علي اساس الوصول بمصر إلي وضع مالي يتيح لها حل كل مشاكلها دفعة واحدة فأهمل بذلك البعد الاجتماعي علي مدي زمني طويل تراكم فيه الاحتقان الذي أدي إلي الانفجار وليس هناك عذر للحكومة في أن احدا لم ينهها إلي مخاطر تجاهل البعد الاجتماعي فقد قام العديد من حملة الاقلام الشرفاء في مصر بالتحذير من مخاطر هذا التجاهل, وكان من المتصور ان الأمن قادر بإمكاناته البشرية والتسليحية علي تحقيق الانضباط في الشارع المصري وحقق نجاحات ملموسة خلال السنوات الماضية في التصدي للمظاهرات والاحتجاجات في حدود بضع مئات من المتظاهرين, وقام بواجبه علي الوجه الاكمل في حراسة المظاهرة الحضارية التي قام بها شباب مصر الواعد يوم52 يناير1102 إلي ان فوجئ ان المتظاهرين اعتبارا من يوم62 يناير أضحوا بالآلاف مع تزامن مدروس بقيام مظاهرات في معظم محافظات مصر حتي لاتتاح المناورة بالقوات والاسلحة والمعدات بين محافظة وأخري فوقع عبء رهيب علي قوات الأمن المركزي علي مدي أربعة أيام كاملة أدوا خلالها واجبهم علي الوجه الاكمل قبل أن يصابوا بالانهاك. وتأخرت الحكومة في اتخاذ القرار السليم في التوقيت الصحيح وكان يجب فرض حظر التجول من عصر يوم62 يناير ونزول قوات الجيش إلي الشارع وتسبب هذا التأخير في تداعيات ماحدث بعد جمعة الغضب يوم82 يناير1102, والتي كان من أخطرها اختفاء عناصر الأمن علي جميع المستويات, وتحليل هذا الأمر ينحصر في عاملين لا ثالث لها فإما أن تكون هذه العناصر قد تلقت أوامر مباشرة بترك خدماتها والتوجه إلي منازلها بعد نزول الجيش وهو أمر يستوجب المساءلة القانونية, أو احساس هذه العناصر بأن الأمن قد تراخت قبضته بعد أن تم حرق العديد من أقسام الشرطة في كل محافظات الجمهورية والاستيلاء علي الاسلحة الموجودة بها فأصابها الذعر وآثرت السلامة وانسحبت بدون أوامر, وفي ظل الفراغ الأمني استغل الدهماء الفرصة ومارسوا هواياتهم في السلب والنهب وترويع المواطنين, وهنا استثمر المصريون كل طاقاتهم فكونوا لجانا شعبية للدفاع عن حياة بلدهم والحفاظ علي أمنها القومي. انها ليست ساعة للحزن ولكنها ساعة تدعونا جميعا للتمسك بالمثل العليا والشعور بالانتماء ومن يعقد دراسة مقارنة بين ما واجهناه عقب هزيمة يونيو عام7691 التي كانت كفيلة بكسر ظهر أي دولة مهما بلغت قوتها الشاملة وبين ما نواجهه الآن يجد اننا نواجه ظرفا أخف بكثير من ظروف عام7691 ومن ثم فلا يخالجني أدني شك في أن شعب مصر الذي علم الدنيا أصول الحضارة سوف يخرج من هذه المحنة مرفوع الرأس موفور الكرامة. هناك لحظات ودقائق في تاريخ الامم يكون لها من الآثار القريبة والبعيدة ما يعتبر بحق نقطة تحول في صنع أحداث هذا التاريخ, ومصر تجتاز في الوقت الراهن لحظة فارقة في تاريخها الحديث والمعاصر, تستوجب أولا وقبل كل شيء استعادة الاستقرار والطمأنينة لجموع المواطنين حتي يمكن للحكومة الجديدة التخطيط بالتفصيل لتحقيق ألأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية في اطار خطة استراتيجية تنطلق بمصر نحو آفاق الديمقراطية والرخاء. لواء د. إبراهيم شكيب