ما أقصي المرض..وما أقسي تلك اللحظات التي يقف فيها المرء وحده أمام نفسه. يكاشفها.. وجها لوجه.. دون أقنعة.. دون زيف.. دون مناورات ومحاولات لتجميل الواقع.. أو ربما تبريره.. يتشابك مع أيامه في بعض الأحيان.. ويتصافح معها في أحيان أخري.. يفكر.. يتذكر.. يندم.. يفرح.. يبكي.. يتألم.. يعيد اكتشاف نفسه.. يكاد يقف عاريا أمام المرآة.. دون فواصل.. دون حواجز.. فقط وحده أمام نفسه.. لا يعيش المرء هذه اللحظات الخاصة جدا إلا حينما تداهمه أوجاع الحياة.. حينما تضرب الأقدار ضرباتها القاسية.. حينما يواجه لحظات مريرة عصيبة.. ولحظة المرض هي بلاشك واحدة من هذه اللحظات محمد ناجي.. هذا الروائي والقاص الجميل العذب يواجه المرض بشجاعة وبسالة نادرة حقا.. لا يستسلم له.. يقف شامخا.. يكتب.. يحلم.. يستدعي بشفافية أقرب هي إلي الصوفية أيام حياته.. يولي ظهره إلي أحزانه.. يكاد يصادق مرضه.. يقدم لقارئه هنا هذا النص البديع( تسابيح النسيان). ما إن يقرأ القارئ سطوره الأولي حتي يقع علي الفور في حبه.. وكيف لا؟ وقد كتبه ناجي بنبض قلبه ورحيق روحه.. وكيف لا؟ وهو يحدثه عن لحظات حميمة خاصة ويدعوه إلي مشاركته أحاسيسه ومشاعره.. لم أتوقف كثيرا عند هذا السؤال التقليدي الذي أثير في الندوات واللقاءات الصحفية: هل نحن أمام نثر مشعور أم شعر منثور؟ هل كتب ناجي قصيدة نثرية أم أنه طرق باب الشعر من عالم النثر؟ لم يشغلني طويلا هذا السؤال في الحقيقة.. فهذه كلمات تقطر بالصدق كتبها رجل يواجه المرض ويقاوم الموت.. كلمات تعكس معها كل خبرات حياته.. خط حروفها في لحظة صفاء ومكاشفة.. فإذا به وهو يتأملها يعيد اكتشافها وصياغتها من جديد.. وربما لأن ناجي يتمتع بروح سمحة ونبيلة تسمو فوق الألم.. استطاع وهو يرقد فوق فراش المرض أن يقتنص لحظات من الفرح والسعادة وهو يتجرع الألم.. أمسك بالقلم والورقة وراح يخط أحاسيسه ومشاعره ورحيق تجاربه.. يقدم لنا عملا جميلا آخاذا ونصا فريدا يتمتع بالشفافية والخصوصية في آن.. نعرض هنا تأملات ناجي للقاريء كي يشاركه أشجانه.. يتواصل معه.. ويقترب من تلك( المناطق المنسية في ذاته) علي حد تعبيره.. فهي أبلغ من أي تعليق نكتبه في هذه السطور.. ونقول لصاحب( خافية قمر) و(العايقة بنت الزين) و( مقامات عربية) و( لحن الصباح) و(الأفندي), وهو يستعد لإجراء جراحة زرع كبد( ألف سلامة).. تسابيح النسيان صادرة عن دار العين..