مالا يعلمه الكثيرون أن كل أستاذ جامعي مصري يعمل بالخارج, يحلم بيوم عودته إلي جامعته الأم بمصر, لاعتبار مهم هو إيمانه الكامل بأن الدور الحقيقي لأستاذيته ولعلمه إنما يكون داخل قاعات جامعته, ولأبناء وطنه وبلده, وبين أهله وناسه ومحبيه. خاصة أن دوره في مصر لا يتوقف عند حد إلقاء المحاضرات بقاعات الدرس, والمشاركة العلمية المتمثلة في الإشراف علي الرسائل العلمية والمناقشات البحثية الهادفة, وإنما يتجاوز ذلك إلي المشاركة الفعالة في خدمة المجتمع, وتنمية البيئة من كل الوجهات العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية في جميع مراكز العمل العام ومواقعه. ومن ثم فإننا كأعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية ننظر إلي كل أستاذ جامعي ترك جامعته بمصر, من أجل حفنة من الدولارات كما يقولون وذهب للعمل بجامعات الخليج العربي أو أي دولة عربية, علي أنه يمثل خسارة حقيقية لوطنه ولجامعته ولتلاميذه, مهما يكن المكسب المادي لشخصه, وإذا نظرنا إلي هذا المكسب فسنجد أن له عدة وجوه من الخسائر, أبرزها أن معظم الأساتذة المصريين في الخارج وفي البلدان العربية علي وجه الخصوص يعملون في غير تخصصهم العلمي, وفي غير درجاتهم العلمية, وفي ظروف وظيفية غير علمية, والأكثر من هذا أن جمعا كبيرا منهم يعمل في مناطق نائية بها بعض الفروع من الكليات الأم بالمدن الكبري والرئيسية, والتي يستحوذ عليها أبناء البلد بطبيعة الحال في حين يعمل معظم المغتربين ومعظم المصريين في المناطق المتطرفة ذات الطبيعة الجبلية والمناخية الصعبة بعيدين كل البعد عن كل عوامل التألق والتميز العلمي, وعن المعيشة الطبيعية, وبعيدين في الوقت نفسه عن المكتبات والمناخ البحثي العلمي السليم, إضافة إلي أن كثيرين من الأساتذة المصريين العاملين بتلك الدول هم من الحاصلين علي أعلي الشهادات العلمية من أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول الكبري, وبلادهم أولي بهم, وجامعاتهم في مصر أحق بهم من جامعات الغير, وما خرجوا منها إلا لتحسين أوضاعهم المعيشية والحياتية, وتأمين مستقبلهم, ومستقبل ذويهم في ظلال الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها بلادنا والمنطقة بأشملها, ولذلك فهم يرقبون الأوضاع في مصر عن كثب, ويحلمون بيوم العودة إلي جامعاتهم وقاعات دروسهم وتلاميذهم من جديد, ويأملون أن تنظر الدولة إلي دورهم العلمي والبحثي الكبير نظرة تليق بهم وبرسالتهم السامية, فمصر في حاجة حقيقية لهم, وهي الأحق والأجدر بخبراتهم عن البلدان الأخري, باعتبارهم ثروة لا تعوض, وكنزا معرفيا لا يفني ولا يذوب. د. بهاء حسب الله آداب حلوان ومعار إلي الخارج