نشر لي بريد الأهرام كلمة بعنوان حلم العودة تناولت فيها الازمات التي يواجهها أساتذة الجامعات المصرية الذين يعارون إلي البلدان العربية والخليجية بعد ان تقدموا بأنفسهم إلي الملحقيات الثقافية العربية بالقاهرة بطلبات عمل بهذه البلدان الشقيقة, وأجريت لهم اختبارات ومقابلات لاختيار المناسب وقد توسم كل أستاذ منهم بعد هذه السلسلة الطويلة من المقابلات لاختيار المناسب, وقد توسم كل استاذ منهم بعد هذه السلسلة الطويلة من المقابلات الخير كله في ان يجد مكانا مناسبا لعمله بهذه الجامعات العربية يليق بمكانته وبرحلته العلمية الطويلة, وبنظرة المجتمع إليه, ولكن للأسف يجد اساتذة انفسهم في النهاية موزعين في اماكن نائية, بعيدين عن المدن الكبري المعروفة بمئات الاميال, وبعضهم يجد نفسه موزعا في قري جبلية مقطوعة عن الحياة الانسانية الطبيعية, ومتطرفة بها كليات محلية نائية تدرس القشور العلمية التي لاتمت لتخصصاتهم العلمية بشيء في ظروف مناخية غاية في القسوة والصعوبة, وبعيدين عن المكتبات العلمية والحياة التكنولوجية التي تحقق وجودهم الحقيقي, ولكن للاسف يرضخ كثيرون من أساتذة الجامعات المصرية لهذه الظروف المعيشية الصعبة من أجل تحسين اوضاعهم المعيشية ودخولهم المحدودة في بلادهم, علي الرغم من ان بعضهم حاصل علي أعلي الدرجات العلمية من الجامعات الأمريكية والأوروبية, وبعضهم كان يعمل بأعلي الوظائف الجامعية في مصر.. كالعمداء ونواب رؤساء الجامعات وغيرهم, ويعيش هؤلاء الاساتذة المغتربون علي حلم يتمناه كل منهم, ويعيش من أجله ألا وهو حلم العودة إلي وطنهم الام مصر الغالية, بعد ان تكون اوضاعهم قد تحسنت ونظرت إليهم الدولة نظرة تليق برحلتهم العلمية المتميزة, وانا كواحد من هؤلاء الاساتذة المغتربين مررت بتجربة غربة مريرة دفعتني بنفس راضية إلي اختيار وطني الغالي للعودة إليه من جديد, وقررت ان اكون واحدا من عشرات الاساتذة المصريين الذين قرروا العودة النهائية إلي مصرنا الحبيبة, بعدما وجدت نفسي موزعا إلي كلية بقرية جبلية نائية عن الجامعة الام التي وزعت عليها من القاهرة بمسافة تفوق ال200 كيلو متر وفوجئت بأن هذه القرية مرتفعة عن سطح الارض بنحو3000 متر, اي ببساطة ثلاثة كيلو مترات في جو غاية في البرودة والقسوة وبه نقص شديد في الاكسجين ولايصلح لحياة اسرية مستقرة, وفي مناخ ضبابي لاينقطع طوال العام, وتستشعر وكأنك تعيش في قلب السماء, هذا بالاضافة إلي عدم توافر مقومات الحياة الانسانية الطبيعية, مما اضطرني إلي طلب نقلي إلي مكان يصلح للمعيشة الطبيعية, وحينما قوبل طلبي بالرفض, اخذت قراري علي الفور وعن رضا تام بتقديم استقالتي والعودة إلي اغلي وطن في الوجود والذي بانقطاعنا عنه عرفنا قيمته الحقيقية, وقيمة الاستاذ الجامعي فيه.. بين ناسه ومحبيه, ودوره الكبير الذي يتجاوز حدود إلقاء المحاضرات والعمل داخل الجامعة, إلي خدمة المجتمع من كل الزوايا العلمية الثقافية والاجتماعية والانسانية في جميع مراكز العمل العام ومواقعه. انني ومثلي العشرات من أساتذة الجامعات المصرية العائدين من الخارج لدينا رضا تام وقناعة كاملة بأن مكانة الاستاذ الجامعي المصري لا يمكن ان تكون في قمم الجبال, ولا في قاع الوديان, وانما مكانه الحقيقي في جامعته الأم بمصر الغالية مهما كان الثمن, ولكن تبقي كلمة اخيرة إلي وزارة التعليم العالي في بلادنا ان يكون لها دور في هذه المأساة التي يتعرض لها عشرات الاساتذة الذين يلقون في غيابات الجب بعيدين عن الحياة الانسانية الشريفة والمحتملة, عن طريق الاتفاقيات بين مصر والبلدان العربية والتي بمقتضاها تضمن الوزارة للاستاذ الجامعي المكان المناسب لمكانته المتميزة. د. بهاء حسب الله كلية الآداب جامعة حلوان