3- علينا أن نعترف بأن الدول العربية لم تواجه حالة من العجز الاقتصادي والاجتماعي بمثل ما هي عليه الآن حيث الكل يقفون موقف المتفرج دون أن يحركوا ساكنا تجاه مجمل التحديات التي تشكل تهديدا صريحا لمنظومة الأمن الاقتصادي والاجتماعي, وأيضا فإن علينا أن نعترف أنه إذا كانت هناك بعض المبررات في هذه الدولة أو تلك حول أسباب عجزها عن إنجاز التنمية المستقلة حتي الآن, أو تقاعسها عن ترسيخ قواعد العدالة الاجتماعية وملاحقة الفساد أو عدم قدرة بعض هذه الدول علي مواكبة المد الديمقراطي الذي ينتشر بسرعة في كل دول العالم مصحوبا أيضا بعدم القدرة علي تجديد وتطوير الفكر فإن الذي لا يمكن أن تكون له مبررات أن تشعر بعض أقطار الأمة العربية بالعجز عن حماية استقلالها الوطني ووحدة ترابها! إن واقع العجز الذي تعيشه الأمة العربية الآن وأدي إلي إفرازات وتداعيات مخيفة تقترب به من مرحلة الغيبوبة السياسية والفكرية الكاملة ليس سوي نتاج لاستمرار غياب صوت العقل في قراءة الواقع وعدم الاجتهاد بصدق نحو محاولة تغييره للأفضل, ولعل في مقدمة أسباب هذا العجز أن الكل مهموم بنفسه ولا يري أبعد من قدميه. بوضوح شديد أقول إن العجز الراهن وإن كان في مظهره الخارجي يبدو عجزا سياسيا فإنه في جوهره عجز اقتصادي يتمثل في استمرار القبول بأن تظل الأسواق العربية ساحة مفتوحة علي مصاريعها للسلع الوافدة من مختلف دول العالم في غيبة من استراتيجية عربية تكاملية ينبغي أن تعطي أفضلية للسلع والمنتجات العربية حتي لو كانت أقل جودة وأكثر تكلفة. والحقيقة أن أزمة الغذاء في العالم العربي تكشف بوضوح واقع العجز العربي وتمثل دليلا مضافا علي تغييب متعمد للقراءة الصحيحة للواقع نتيجة سيطرة فكرة ومبدأ الانكفاء القطري الذي يهدر الإمكانات الضخمة لسياسة المنافع المتبادلة ويكرس حالة الاحتياج الدائم للدول الأجنبية التي ترهن قروضها ومعوناتها ومنحها بشروط سياسية واقتصادية تخدم مصالحها في المقام الأول. ولست أبالغ إذا قلت أن كل الإمكانات المتاحة تهييء للعالم العربي إذا توحدت مقاصده السياسية- أن يصبح أحد أهم المراكز الإنتاجية في العالم قياسا علي خريطة الثروات الطبيعية المتوافرة لديه ولكن هذه الإمكانات مشتتة ومبعثرة, فالذين لديهم الوفرة المالية ليس عندهم أرض ولا مياه والذين لديهم كوادر وخبرات بشرية يفتقرون إلي رءوس الأموال اللازمة لدفع عجلة التنمية التي ليست احتياجا ضروريا في هذه المرحلة للدول الفقيرة وحدها وإنما هي أيضا ضرورة حتمية للدول الغنية قبل أن ينفد مخزون ثرواتها الطبيعية في منظور ليس ببعيد! إن العالم العربي يحتاج إلي مفهوم سياسي جديد يرتكز إلي قوة العقل وسعة الأفق, استنادا إلي رصيد المعرفة الصحيحة لأساليب التعامل مع معطيات عصر جديد لم يعد بمقدور أي أمة أن تتجاهلها وإنما يتحتم عليها أن تبحث عن أفضل صيغة للتعامل معها كسبا لأفضل ما بها وتجنبا لأسوأ آثارها وتداعياتها السلبية. وفي اعتقادي أن الأمر يتطلب نشوء اتفاق عربي حول سبل التعامل مع هذه المعطيات الجديدة في العلاقات الدولية بروح إيجابية تحفظ العقد العربي من الانفراط وتمنع انتشار فيروس الانعزالية العربية الذي يروج للسلامة الذاتية لكل قطر علي حدة تحت وهم القدرة علي ضمان المصالح بسياسة الانكفاء والتقوقع! وغدا نواصل الحديث *** خير الكلام: ** تبلغ الحكمة عندما تقرأ الواقع قراءة صحيحة وتتحسب لكل الاحتمالات!