تغيرت الفضائيات التونسية تماما مع ما شهدته البلاد من تغييرات جذرية.. فمع رحيل الرئيس زين العابدين, نزعت الكمامة من علي أفواه الإعلاميين. كما تمزقت الغمامة من علي وجه التليفزيون والفضائيات. حرية مباغتة لم يعاهدوها من قبل, فقد كانت تلك الفضائيات منذ نشأتها في التسعينيات, طاردة للمشاهدين لأنها لم تقدم تقريرا واحدا عن هموم الشارع التونسي, ولم تكن يوما مشاركة في آلام المواطنين, ولم تقترب لحظة من أي فساد, واقتصرت مهامها علي كل ما يلمع في الشارع التونسي حتي ولو كان باهتا, كانت تضفي عليها لمعانا مصطنعا. لذا يعتبر يوم14 يناير2011 يوما فاصلا في تاريخ الإعلام التونسي, دبت فيه الحياة لتقدم صورة حقيقية لما يجري في الشارع من أحداث, رغم أنها لم تكن تمتلك مادة فيلمية لأنه لم يكن مسموحا لكاميراتها وكاميرات غيرها من الفضائيات بالتصوير مهما كان حجم الحدث, لذا اعتمدت علي ما قام المواطن التونسي بتصويره علي الموبايلات وتناقلها الفيس بوك.. وهنا يجب الإشارة إلي شئ مهم.. أن فرض الحصار علي وسائل الإعلام, المقروءة والمسموعة والمرئية, أوجد10 ملايين صحفي في الشارع التونسي الذي كان مستفزا مما يجري حوله.. وانطلقت الشرارة الأولي لثورة الشارع من الشبكة العنكبوتية, كما يطلق عليها التونسيون, وكان المحرك الرئيسي شبكة العلاقات الاجتماعية المسماة بالفيس بوك, التي كان يغذيها كل مواطن في تونس يملك أبسط أنوع التكنولوجيات, فتلقف الفيس بوك مأساة محمد بوعزيزية المنتحر حرقا وقهرا, ليس بالصور والتفاصيل الدقيقة فقط, وإنما صاحب النشر تعليقات من كافة الاتجاهات والفئات التي عبأت الشارع التونسي, ليخرج من هذا العالم العنكبوتي الإلكتروني, إلي المواجهة الفعلية التي كانت سببا في التغيير والتخلص مما كان جاثما علي صدورهم, فكانت ثورة الخبز والفيس بوك, رغم أن تونس تعد أسوأ دولة عربية في مراقبة النت.. ثم جاء دور الفضائيات التونسية التي تحولت إلي وسيلة إنقاذ, تتلقي اتصالات المستنجدين بها من المواطنين لحمايتهم من الهمجيين واللصوص الذين يستغلون مثل هذه الظروف, وحركت الفضائيات تلك الاتصالات إلي نداءات للربط بين المواطنين وبعضهم, وهو ما كانت تقوم به الشبكة العنكبوتية. وفي إطلالة علي بعض ما حدث توقفنا أمام سقوط بعض الفنانين التوانسة في بئر الإحراج والاتهام بالخيانة, والذين كانوا وقعوا في وقت سابق علي وثيقة تأييد لزين الدين بن علي ليحكم فترة جديدة بعد2014, من بين هؤلاء الفنانين هند صبري ولطفي بوشناق, الذين أصابهما فزع الشارع التونسي عندما أدانهما بسبب تلك المساندة, واعتبرها البعض نوعا من الخيانة, كما جاء في مكالمة الصحفية التونسية صوفيا الهمامي لبرنامج الحياة اليوم الذي كان مستضيفا النجمة التونسية درة, وأدانت صوفيا الفنانة هند صبري بسبب توقيعها علي تلك الوثيقة, بينما أشادت بالفنانة درة التي لم تتنازل ولم توقع مثلما وقع غيرها, وتعرض فنانو تونس, أصحاب التوقيعات, لبعض التهديدات, وكان طوق النجاة لهم هو الدعوة إلي فتح صفحة جديدة, باعتبار أن الفنان كان مثله مثل أي مواطن تونسي آخر, لا يملك شجاعة أن يقول لا.. فقد طال القهر الجميع. وبما أن الشبكة العنكبوتية أصبحت هي الوسيلة المثلي لمخاطبة الناس أينما وجدوا, حاولت هند صبري إصلاح الصورة, وتوضيح الحقيقة, وكتبت عبر صفحتها الشخصية علي موقع تويترGameOver أو انتهت اللعبة ما يعبر عن سعادتها لرحيل الرئيس المخلوع عن تونس, وعن حقيقة توقيعها علي الوثيقة, أشارت إلي انه تم ضم اسمها إلي القائمة دونما رغبتها في ذلك, من قبل أحد المسئولين في نظام الرئيس المخلوع, وقالت أن كل مطالب الشعب التونسي هي أن يحصل علي قليل من المساواة وتوزيع الثروة كما يرغب في احترامه والاستماع إليه, وقالت إنها سعيدة بولادة ابنتها في بلد حر. وجاء رد فعل الفنان لطفي بوشناق مماثلا, قائلا في اتصال هاتفي مع قناة الجزيرة إنه فوجئ باسمه علي بيان ترشيح بن علي لرئاسة2014, مؤكدا أنه لم يوقع بنفسه علي الوثيقة, وقال لا تحاسبوني إلا علي ما وقعت بيدي, موضحا أنه تم الزج باسمه- دون أن يدري- جنبا إلي جنب مع الأمين العام السابق للجامعة العربية الشاذلي القليبي والوزير الأسبق الطاهر بلخوشة, موضحا أيضا أن كل من وقع علي ذلك البيان كانوا مجبرين علي التوقيع, وأضاف أن بلاده دخلت التاريخ من أوسع أبوابه, وسجلت اسمها بالذهب في تاريخ الإنسانية والأمة العربية والعالم بأسره, بخلع الرئيس, داعيا الشباب التونسي المثقف بالحفاظ علي الصورة الحضارية التي دفع الشعب التونسي في سبيلها الدماء والشهداء الأبرار. وقالت درة في برنامج الحياة اليوم: نحن مللنا من كلمة الله ينصر سيدنا.. توجد حرقة في قلوبنا.. وتلقت اتصالا تليفونيا من سيدة بالمنصورية في تونس, تحكي لها معاناة الساعات الأخيرة, ليس لدينا خبز منذ يومين, وترد درة: نحن فخورون بهذه الثورة, لأن شبابنا هم اللي جابوا الثورة ديه وليس من الخارج, نحن في محنة, نحن معكم, كلنا فخورون باللي صار, نواسي كل الضحايا والناس اللي ماتوا, وأن تنتهي سلسلة العنف والموت والفوضي ونرجع لتونس ونرجع أقوي, نحتاج استقرار أكثر, لان العنف يولد عنفا, وعلينا أن نبدأ من جديد ونكون يدا واحدة, ولا تنازل عن حقوق الشعب التونسي كله. وتواصلت الفنانة درة مع جمهورها عبر الفيس بوك, حيث تصادف يوم عيد ميلادها, اليوم الأخير من حكم بن علي,13 يناير, كتبت عبر صفحتها:13 يناير يوم لا ينسي في تاريخ بلادنا, ومن أجل غد أفضل فلنهتف سويا: لا للعنف نعم للثورة, لا للفوضي, نعم لحقوق المواطنين التونسيين الشرعية, لا للتدمير, نعم لشعب تونسي حر ومسئول, لا للقمع, نعم لتونس. وعلي الموقع لإلكتروني للمطربة التونسية لطيفة, كتبت جملة مقتضبة نصها: تونس في القلب.. ربي يحمي تونس وأهلها, وقالت الفنانة التونسية هالة نور في اتصال تليفوني من تونس لقناة أون تي في: لم يعد الشعب التونسي يصدق الخطابات, لم يعد يثق في الإدارة, ولم يعد الشعب يصدق اللغة الخشبية.