قبل خمسة عشر عاما لم تكن كوم أوشيم علي خريطة المناطق الصناعية المصرية, وبعد هذه السنوات لسنا متأكدين ما إذا كانت المنطقة الصناعية بالفيوم أصبحت موجودة فعلا أم أنها مازالت تصارع من أجل الوجود؟ تتغلب حينا بمقومات الموقع المتميز ووفرة المواد الخام ومستلزمات التصنيع وسهولة النقل والتسويق, وتدهور العمالة المحلية, وغزو العمالة الآسيوية. رحلة طولها ستون كيلو مترا فقط نقلتنا الي قلب المنطقة الواقعة علي يمين طريق القاهرةالفيوم الصحراوي, والمجاور لطريق أسيوط الغربي, والقريب للسادس من أكتوبر والقاهرة والجيزة, ذهبنا لجولة علي الطبيعة, تساعدنا علي أن نجد تفسيرا: لماذا برغم كل هذه المميزات لا يعمل بالمنطقة التي تتجاوز مساحتها الألف فدان سوي136 مصنعا فقط؟ ولماذا لم يتحقق لها حتي الآن ما كان مرجوا منها بأن تكون ملتقي لأهم الصناعات, وسوقا لأضخم الاستثمارات؟. شكاوي المستثمرين العلاقة بين المستثمرين وجهاز المنطقة الصناعية تبدو متوترة للغاية لدرجة أنهم يعتبرونه السبب الرئيسي وراء معظم مشكلاتهم ووفقا لما تضمنته مذكرة أعدتها جمعية المستثمرين بكوم أوشيم لعرضها علي محافظ الفيوم, تمثلت المعاناة في وقوف الجهاز عقبة أمام أي مستثمر يريد الحصول علي قرض من البنك لتمويل توسعاته ومشروعاته, لأن رد الجهاز علي استعلام البنك عن وضع المصنع الخاص بطالب القرض يكون كالآتي: المستثمر سداد الأرض كاملا, ولكن الأرض ملك للجهاز, مما يعد تناقضا غير مفهوم, يتسبب في رفض البنك التمويل, وهذا سر تعطل مصانع كثيرة استكملت مبانيها عن الإنتاج. ومما تضمنته المذكرة كذلك, الشكوي من إلغاء اتفاق تم إبرامه مع الجهاز لتقسيط باقي المستحقات بالنسبة للمستثمرين المتعثرين, الذين التزموا بهذا الاتفاق ولكنهم فوجئوا بإلغاء كل الاتفاقات وإلزامهم بالسداد الفوري بمجرد تغيير شخصية رئيس الجهاز, بل وبدأت الإنذارات, مما جعل البعض يوقف تشغيل مصنعه ويبيع الماكينات لسداد ما عليه من متأخرات, في حين تمسك البعض الآخر بالاتفاق السابق. وبرغم أن قرار الوزارة ينص علي أنه بمجرد بناء المصنع وبدء الانتاج, وإخطار هيئة التنمية الصناعية بذلك, يتحول قرار التخصيص الي عقد ملكية, فإنه علي خلاف ذلك يصر الجهاز علي أن يدفع المستثمر قيمة50% من قيمة الأرض عند أي تصرف بالبيع أو الشراء أو التشارك, وهذا ما يفسر سبب مماطلة الجهاز في تحرير أي عقد ابتدائي. العمالة الآسيوية الشكوي من العامل الفيومي واحدة علي ألسنة كل المستثمرين, فهو علي حد قولهم كسول وكثير الأعذار, ولا يقنع براتب شهري يبدأ بستمائة جنيه كحد أدني للعامل غير المدرب, يزيد بالتدريج مع زيادة الخبرة والمهارة, ولكن وقتها يختفي العامل هربا الي مصانع السادس من أكتوبر, متحملا مصاريف السفر اليومي ذهابا وإيابا من أجل زيادة مائة جنيه تضيع علي المواصلات, ويرجع المستثمرون ذلك لإحساس نفسي لدي الشباب بتفضيل العمل في القاهرة علي بلدته, ويعترف مستثمر بأنهم يجبرون العامل علي التوقيع علي إستمارة6 عند تسلم العمل, لأنه يترك العمل في أي وقت, ويجعلنا مضطرين لدفع خمس أشهر تأمين وابلاغ التأمينات, ولجنة فصل, ويقول: هذه الاستمارة إلا نستخدمها رلا عندما يبدأ العامل في التلاعب ورفض العمل, أما العامل الملتزم فالمستثمر يتمسك به. ويقول مستثمر رفض ذكر اسمه إنه يسعي حاليا لاستقطاب عمالة من الخارج من دول مثل الفلبين وبنجلاديش, برغم أن مرتب العامل يصل لمائتي دولار شهريا إلا أنه يحقق انتاجا أعلي في ساعات العمل من نظيره الفيومي, والأهم أنه لا يتهرب من العمل بكثرة الأعذار, خاصة أنه يأتي للاقامة الدائمة بالمنطقة, وهذا ما بدأ بعض أصحاب المصانع في تنفيذه بالفعل. علمنا أن أحد المصانع العاملة في مجال الزجاج بها هذا النوع من العمالة, فذهبنا إليها للوقوف عن قرب علي تجربة العمالة الآسيوية في مصانع الفيوم إلا أن المسئولة عن المصنع أصيبت بذعر شديد ورفضت السماح لنا بالدخول أو حتي خروج أحدهم للتحدث إلينا, وفسرت وجودهم لكونهم من نفس جنسيات أحد المساهمين في الشركة المنشئة للمصنع. المهندس عصام أبوالقاسم أحد مستثمري الفيوم الذي حمل لنا حفنة متنوعة من مشكلات الواقع, منها الاضطرار لتأجير سيارات لنقل مخلفات المصانع الي المدفن الصحي الذي يبعد كثيرا عن المنطقة, برغم أن هذه المخلفات بمختلف أنواعها من ورق وكرتون وبلاستيك ومخلفات عضوية وغذائية يمكن الاستفادة بها وإعادة تدويرها, ويقول: طالبنا بشركة متخصصة في مجال التدوير لحل هذه المشكلة, ومنع تراكم القمامة داخل المنطقة الصناعية. ويلتقط الحديث( خالد) صاحب مصنع أعلاف فينتقد بطء الإجراءات, بخلاف ما يتم إعلانه عن وجود تيسيرات وهمية, ويقول: إن الحصول علي أي موافقة أو ورقة من الجهاز يستلزم أسابيع طويلة, وأن مصنعه استغرق أكثر من شهر لإدخال الكهرباء انتظارا لمجرد توقيع المسئولين بالجهاز, وينتقد إنشاء سور حول المنطقة الصناعية بتكلفة عالية, موضحا أن هذا السور لا وجود له في أي منطقة أخري. الشوارع.. مجهولة لفت نظرنا في جولة بالسيارة ملاحظات عدة, منها أن الشوارع سواء في المنطقة الأولي أو المنطقة الثانية بلا أسماء أو حتي أرقام. الملاحظة الثانية كانت عدم كتابة اسماء المصانع وأنشطتها علي الواجهة الخارجية, وهو ما فسره لنا أحد المستثمرين بأنه محاولة للتهرب من المخالفات التي يتم تحريرها علي سبيل التعنت من بعض الأجهزة, أما الملاحظة الثالثة فكانت أهمها علي الاطلاق, جعلتنا نتوقف طويلا أما مبني متواضع مهجور مكلل بابه بقفل صديء يبدو أنه لم يفتح منذ زمان. هذا المبني هو مقر مستشفي كوم أوشيم, الذي كتب أحدهم علي الحائط المجاور له( مغلقة للترميمات) مع التنويه بأنه تم نقل الخدمة لمستشفي آخر بالمنطقة الصناعية الثانية, أحد العاملين بالمنطقة أكد أن المستشفي لا يعمل إلا في الزيارات الرسمية للمسئولين. المهندسة عفاف محمد علي مديرة المنطقة الصناعية وضعت أمامنا مجموعة من الأرقام كالآتي: عدد المشروعات225 مشروعا, منهم136 مشروعا منتجا, و76 تحت الإنشاء و13 أنهوا إجراءاتهم, وبمواجهتها بحصاد جولتنا بالمنطقة, نفت وجود أي مشكلات, مؤكدة أن الخدمات متكاملة, وأن المنطقة تحظي بإقبال شديد من مستثمري أكتوبر وأبو رواش وبني سويف.