إلي أين يأخذنا هذا الإخطبوط المسمي بالإنترنت والذي يربط الدنيا من أقصاها إلي أقصاها ويجعلنا خصوصا الجيل الذي أنتمي إليه نتساءل في استغراب عن معظم عمرنا الذي عشناه قبل ظهور هذا الاختراع المدهش. والحقيقة أن انبهار الجيل الذي أنتمي إليه بالإنترنت ليس فيه أي قدر من المبالغة لأنه لم يكن في أكثر أحلام البشرية جنونا من يتصور أنك تستطيع وأنت جالس علي الأريكة في غرفة المعيشة بمنزلك أن تقوم باستحضار العالم كله علي الشاشة التي أمامك, لكي تحصل علي أدق المعلومات وتتعرف علي آخر الأنباء, وتستمتع بقراءة كل التعليقات. ومن هنا فإنه ليس من المبالغة أن يقال عن العصر الذي نعيشه أنه عصر الإنترنت وأنه عنوان بارز وصحيح لثورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا.. وكما أن للثورات فوائدها فإن لها أيضا مخاطرها ومحظوراتها التي تعتبر في ثورة الإنترنت مخاطر مميتة ومحظورات تتجاوز كل الحدود المرعية بالنسبة للقيم والتقاليد والأخلاق والأمن القومي. وإذا أخذنا الجانب الإيجابي من ثورة الإنترنت فليس من شك أنه يتوافق تماما مع متطلبات عصر المعرفة, حيث يستطيع رجال الاقتصاد والمصارف أن يتعرفوا علي أسعار العملات وحركة البيع والشراء في البورصات, مثلما يستطيع الصحفي أن يتحصل علي ما يريده من معلومات, ويتمكن التجار من التعرف علي أفضل وأحدث السلع والبضائع التي يريدون تسويقها.. ولكن علي الجانب السلبي اتضح أن فصائل الإرهاب, تستطيع أن تحصل علي ما تريده من بيانات ومعلومات تخدم بها أهدافها الشريرة بدءا من التفاصيل الدقيقة لإجراءات الأمن والسيطرة علي منافذ الدخول والخروج لأي بلد, ووصولا إلي كيفية تحضير وصنع القنابل بمختلف أنواعها والترويج للأفكار الإلحادية أو السلوكيات الخليعة. ولست أظن أن هذه المخاوف والمحظورات تصلح كمبرر للتوجس المطلق من ثورة الإنترنت لأن ذلك يعني التخلف عن امتلاك أدوات الحداثة كما أن طبيعة العصر لم تعد تتلاءم مع فكر الحظر والتقييد والمنع ومن ثم فإن التحدي الكبير أمامنا هو كيف نأخذ أسلحة الحرب الوقائية من الأضرار والجوانب السلبية لثورة الانترنت.. وذلك أمر ينبغي أن يكون جزءا أساسيا من هدف وفلسفة عملنا الوطني في المرحلة المقبلة, بحيث يوفر لنا القدرة علي مجاراة الآخرين ودخول دائرة الحلم بإمكان منافستهم. وفي اعتقادي أن إذكاء القيم الروحية, واستعادة وترسيخ التقاليد الحميدة النابعة من ديننا الحنيف, هي أقوي وأنصع أسلحة الحرب الوقائية التي يتحتم توفيرها, بدلا من أن نضطر فيما بعد إلي خوض حرب علاجية دفاعية, ربما لا تحقق النتائج المرجوة كاملة فضلا عن أن تكاليفها سوف تكون باهظة ماديا وروحيا واجتماعيا وثقافيا وفكريا.. وربما أيضا سياسيا وأمنيا! ولنا في قصة تجنيد إسرائيل لأحد الجواسيس من شباب مصر عن طريق الإنترنت أكثر من درس وأكثر من عبرة مثلما لنا أيضا في أحداث تونس الأخيرة أكثر من درس وأكثر من عبرة حيث لعبت مدونات الانترنت دورا بارزا في كسر كل قيود الحظر والمنع والرقابة التي فرضتها السلطات التونسية علي كافة وسائل الاعلام المحلية وضمنها بعض مواقع الانترنت. والخلاصة أن السبيل الوحيد للاستفادة من ذلك الإخطبوط المسمي بالانترنت يجئ عن طريق الشفافية والمصداقية وحق المعرفة بعيدا عن الظلامية والإباحية والأفكار الدخيلة علي ثقافة هذه الأمة وقيمها المتوارثة!***
خير الكلام: ** الحشرة قد تلسع جوادا أصيلا ولكنها تبقي مجرد حشرة ويظل الجواد أصيلا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله