«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب المعلومات .. وتشفير المحمول !
نشر في الجمهورية يوم 23 - 12 - 2010

التجسس لم يعد مقصوراً علي جمع المعلومات العسكرية عن القدرات الدفاعية أو الأسلحة الحديثة التي يحصل عليها الأعداء أو الخصوم. لكن السلاح الخطير في الوقت الراهن هو المعلومات.. هي أخطر شيء تسعي وراءه الدول.. الحرب القادمة ليست حرب أسلحة وصواريخ وطائرات.. لكنها حرب معلومات.. مَن يملك المعلومات يتفوق.. الحرب الآن هي معرفة كيف يفكر الآخر؟! ماذا سيشتري ؟! ما الذي يملكه ليبيعه؟!.. الشراء معناه نقص في سلعة ربما تكون استراتيجية. والبيع معناه فائض في محصول أو سلعة..
حرب المعلومات يمكن أن تدمر الاقتصاد.. لو عرفت إسرائيل مثلاً أننا سنبيع أو نصدر بطاطس إلي أوروبا فببساطة يمكنها شن حرب شعارات ضد السلع المصرية.. خصوصاً أن اللوبي الصهيوني يمتلك وسائل إعلام وصحفاً ومواقع إليكترونية يمكنها التشهير بأي سلعة ومحاربتها..
حرب المعلومات الآن يمكنها اختراق أنظمة وقطاع الاتصالات بسهولة شديدة.. إسرائيل بارعة جداً في هذا المجال ولولا يقظة جهاز المخابرات المصرية ورئيسه الوزير عمر سليمان لتم تنفيذ أكثر من عملية ضد بلدنا.. ولعاني الاقتصاد المصري معاناة شديدة إذا انتصرت علينا تل أبيب في حرب المعلومات.. يقظة المخابرات والأمن المصري تُفشل مخططات كثيرة. وبلغ الاحتراف في جهاز المخابرات المصري أننا صرنا نحذر دولاً أخري من اختراقات قطاعات المعلومات عندها.. ليس سراً أن مخابراتنا "قُدوة" يحج إليها الكثيرون..
علي أي حال أخطر ما في حرب المعلومات هو "التليفون المحمول" الذي أصبح مخزنًا هائلاً للأسرار. وأداة اتصال بالعالم الخارجي وتحول إليه شبكة الإنترنت كاملة. ناهيك عن التويتر والفيس بوك..
إسرائيل منذ فترة طويلة برعت في تحديد أماكن خصومها من خلال التليفون المحمول.. قتلت يحيي عياش القائد في حماس عندما رصدت وجوده في منزل عن طريق المحمول. وكان ذلك في ..1998 كانت أول عملية اغتيال بالمحمول.. أمريكا نفسها قتلت 50 قائداً من حركة طالبان باستخدام طائرة ال Drone التي تفك الشفرات وتقتل أي شخص يستخدم المحمول وتتعقبه من خلال الشريحة..
إن كبار رجال الأعمال في مصر يستخدمون المحمول في كل شيء.. ولكن خطورته تكمن في أنه يمكن أن يتحول إلي جهاز تفجير عن بعد. وهذا يحدث في مصر الآن.. لكن من السهولة جداً أن يتم التنصت علي المكالمات ومعرفة الأرقام والأسرار.. الأخطر أن رسائل ال sms ستدخل أيضاً ضمن هذه الحرب. ويمكن للأجهزة الحديثة في إسرائيل أن تقرأ كل رسالة من وإلي أي جهاز محمول ترصده أو تضعه في الحسبان.. منتهي الخطورة أن تكون أسرار المصريين علي المشاع عند الإسرائيليين..
إنني أطالب د.طارق كامل وزير الاتصالات بالعمل علي اختراع "كود" لشركات المحمول الثلاث في مصر يمنع اختراقها. ولابد من تشفير التليفونات المحمولة في مصر خصوصاً بعد سقوط شبكة الجاسوس طارق عبدالرازق وقبلها سقوط شبكة أخري للتجسس علي حزب الله في لبنان..
.. إسرائيل تنشط جداً في المرحلة القادمة.. وليس سراً أن الإمارات العربية المتحدة فرضت تغيير هواتف البلاك بيري خوفاً من الاختراقات.. وليس سراً أن عملية اغتيال محمود المبحوح في دبي في يناير هذا العام تم جزء منها بتعقب هاتفه المحمول. حيث تم معرفة موعد مغادرته دمشق ورقم رحلته علي طيران الإمارات وموعد وصوله دبي من خلال اختراق "موبايله"..
القضية خطيرة.. وأعتقد أن الرأي العام المصري يطالب بحماية لخصوصية الاتصالات من انتهاكات إسرائيل المتكررة للدول العربية.. السلام لن يعوق الدولة العبرية عن الإضرار بمصالح مصر الاقتصادية والاستمرار في حرب إعلامية شرسة ضدها باستخدام الصحافة والإعلام وغير ذلك من أدوات النفوذ الإسرائيلي الخارجي.. أتصور أن يوجه الجهاز القومي للاتصالات عدة نصائح لحائزي أجهزة المحمول في مصر "حوالي 64 مليون مواطن" ليحموا السرية. ويحافظوا علي أهم أسلحتهم في المستقبل.. المعلومات.. وليحمي الله عيون مصر الساهرة في جهاز المخابرات المصري الرفيع..

الجاسوسية.. والجيل الأخرس

قبل أيام كنت أفكر في إطلاق تسمية علي جيل الشباب الذي يعيش معنا حالياً.. سبب بحثي عن التسمية هو فزعي مما أحدثته التكنولوجيا من تغيير في حياة المصريين.. الإنترنت والموبايل ألغيا تماماً عادات جميلة كانت متأصلة فينا.. لعل أهمها أننا كنا نقرأ ولنا حياة اجتماعية غنية ونتناقش ونحضر ندوات ونجلس علي مقهي ريش نسمع شعراء معروفين أو مجهولين أو نرتاد القهوة الثقافية في باب اللوق. وغير ذلك من مظاهر حياة اجتماعية وثقافية ترسخت ملامحها فينا.. كنا نذهب للسينما كل خميس والمسرح يوم السبت.. الحياة كان فيها استمتاع بالمشي في وسط المدينة ومناقشة الفيلم- أي فيلم- بعد الخروج من دار العرض.. المناقشات جعلتنا نقاداً فنيين ومحللين سياسيين.. النقاش أثري العقول وفتح الأذهان وحقنا ضد الرأي الواحد.. القراءة خلقت فينا تعدد الآراء والقبول بالآخر.. لم يكن هناك تطرف.. كنا نصاحب الأرمن والأقباط واليونانيين.. نذهب إلي الكنائس لمشاركتهم الأفراح ويأتون إلي أفراحنا.. لم يكن التعصب ولا العنف ولا المظاهرات دخلت قاموس الحياة اليومية في مصر.
كان الإعلام والصحافة يطلقان علينا جيل الثورة لأننا ولدنا معها أو قبلها أو بعدها.. تسمية الجيل كانت ترتبط بحدث هام.. مثلاً عندما اكتشف أينشتاين نظرية النسبية قالوا عن الأمريكيين الذين ولدوا في الخمسينيات إنهم "جيل النسبية" نسبة إلي النظرية التي غيرت قوانين الفيزياء رأساً علي عقب.
في عام 1968 اندلعت ثورة الطلاب في باريس ضد ديجول ومنها انتشرت لأوروبا. وظهر المد اليساري الشبابي قوياً وأطلقوا علي هذه الفترة جيل التمرد أو الرفض.
وحكي لي والدي- رحمة الله عليه- أن المصريين قبل الثورة كانوا معجبين بهتلر وأطلقوا عليه لقب الحاج محمد هتلر مشيعين إسلامه وطبعاً لم يحدث هذا.. لكن عندما تمت هزيمة هتلر لأول مرة في ستالينجراد في روسيا الشيوعية. ظهر مصطلح "عصر رجل الشارع" لأن الناس تصورت أن الأغنياء سينتهون من العالم كله وسيسيطر الفقراء وهكذا ظهر عصر الرجل العادي.. وفي أوروبا ظهرت تسميات جديدة للأجيال المختلفة فكان هناك الوجوديون نسبة إلي سارتر وفلسفته الوجودية.. في أوروبا ترجموا الوجودية إلي مصطلح آخر فقالوا هذا جيل الغضب وتبني المصطلح في مصر الراحل د. عبدالرحمن بدوي أستاذ أنيس منصور الذي رحل في مطلع الألفية الثالثة.
منذ قديم الأزل كانت الظواهر والاكتشافات العلمية والنظريات السياسية هي التي يرتبط بها تسمية الأجيال.
لذلك فالجيل الحالي هو جيل الإنترنت والتكنولوجيا والموبايل أو التليفون المحمول.
والحقيقة أنني لست مؤيداً لفكرة هذا الانغماس الجنوني في التكنولوجيا.. لقد خلقت الإنترنت حالة من "الخرس" والصمم والطاعة العمياء لهذا المارد الذي اجتاح العالم.. الإنترنت سيطر علي الشباب فصاروا عبيداً لها.. عليها يتسامرون ويغازلون ويدرسون ويتراسلون ويتبادلون المحاضرات.. الخطورة العظمي أن الإنترنت سلب من الشباب عقولهم وجعلهم يصدقون كل ما يخرج من الكمبيوتر إليهم.. لا أحد يدقق وراء معلومات أو يناقش فيها.. أصبحت مثل الكتب السماوية.. جيل الموبايل والنت لم يعد له حياة اجتماعية.. انفصل عن أسرته.. لا يتكلم معهم.. أصبح ملتصقاً بغراء أمام الشاشات.. لا يستطيع الأهل محاسبة الأبناء لأنهم يزعمون أنهم يذاكرون علي الإنترنت.. تخاطبهم فلا يردون.. تحاورهم فلا يسمعون.. فهم في حضرة الإنترنت سيدة التكنولوجيا الخطيرة.
الإنترنت سلبت من الشباب حق الاختيار.. أو الرفض والقبول.. وهي تبدد وقت الطلاب.. فلا يلتفتون للمذاكرة أو التحصيل.. أشد ما يقلقني علي جيل الشباب حالياً هو تكرار قضية الجاسوسية التي تم فيها تجنيد مصريين عبر الإنترنت.. الشبكة العنكبوتية تدخل إلي كل بيت.. لا تنفع معها رقابة الأبوين ولا الأسرة.. إنها ساحر العصر.. كثير من أبنائنا يتخاطب عبر الإنترنت مع شركات بحثاً عن وظائف أو حتي عن عروس.. وما أسهل أن يقعوا فرائس لحيل وألاعيب لإسرائيل أو غيرها.. حبائل الجاسوسية لا تقتصر علي المعلومات العسكرية بل أصبحت تطوق أي مصدر معلومات.. وأهم مصدر لهذه المعلومات هو التليفون المحمول.. يقتحمون الخصوصية ويملكون الأسرار.. لن يستطيع أحد أن يتحدث في "محموله" عن صفقة أو أي شيء آخر.. سيتدخلون لإفسادها.. من التليفون المحمول يمكن محاصرة الاقتصاد المصري وضربه في مقتل.. وسيساهم أبناؤنا في ذلك دون أن يعلموا.
في الشهر الماضي أقيم امتحان بين 65 دولة في علوم كثيرة من بينها القراءة. فوجدوا أن معظم الطلبة في الدول الأوروبية والأمريكية لا يحسنون القراءة.. أتدرون لماذا؟ لأنهم لا يتكلمون! يقرأون في صمت علي الإنترنت.
تدريجياً سيصاب هذا الجيل بالخرس.. سيصبح متلقياً للأوامر من الشبكة العنكبوتية.. سيتم تنويمه مغناطيسياً وسينفذ كل ما يطلب منه.. لأنه سيتعامل مع أهله علي أنه أكثر منهم علماً بالتكنولوجيا وبالتالي فلا يصح أن يضيع وقته معهم.. وسيلتزم بالكتمان لأن التنافس للحصول علي شيء يتطلب قدراً من السرية.. وعندما يقع المحظور لن يجد أحداً إلي جواره ليمد له يد المساعدة أو النصيحة لأنه من البداية رفض أن يتلقاها!

التأليف والتلحين.. في الشائعات الصحفية أيضا!
أبدع الرئيس حسني مبارك عندما وصف في خطابه بمجلس الشعب الأحد الماضي مروجي الشائعات بأنهم يؤلفون ويلحنون.. في إشارة إلي عدم صحة ما يتردد.
وكان للرئيس الراحل السادات وصف آخر يطلقه علي مروجي الشائعات وهو أنهم يستقون معلوماتهم من "باعة البطاطا".
والحقيقة أن الشائعات مرض قديم عند المصريين لم يستطيعوا التخلص منه. ويعزو علماء الاجتماع تزايدها مؤخراً إلي سلبية المصريين ورغبتهم في التنصل من أي مسئولية وإلقاء كل شيء علي عاتق الحكومة.. أو لسعيهم لتحقيق أمنية أو حلم ومن ثم يروجون له بشائعة ويرددونها حتي يصدقوها ثم "يصحوا من النوم"!
الشائعات الصحفية من أظرف الشائعات.. لأنها لا تتحقق.. لكن فائدتها الوحيدة أنها تكشف لك عن أن مناخ الخصومة بين زملاء المهنة زاد عن الحد وأصبحوا يتطوعون بقتل بعضهم بعضاً.
مؤخراً بلغ عدد من القيادات الصحفية سن المعاش وكالعادة يتولي التجديد لهم مجلس الشوري كنص القانون.. من ثم بدأ زملاؤنا الأفاضل في شائعة كل عام رئيس تحرير الأهرام يستبدل بوافد جديد رغم أنه لم يبلغ السن.. ورئيس تحرير الجمهورية "كفاية عليه كده".. وكتب أحدهم خطاباً إلي مسئول بالحزب الوطني ينصحه بفصلي! وكتب آخر علي موقع بالانترنت قائمة طويلة باسماء رؤساء مجالس إدارات وتحرير صحف جدد أكد أنهم قادمون لأن الحاليين انتهت مهمتهم بانتهاء الانتخابات!! ولابد أن يتولي آخرون للاستعداد للمرحلة المقبلة.
المهم أن اسماء بعينها ذهبت للأخبار وأخري للأهرام وثالثة للجمهورية.. واسماء أخري انتقلت من مناصبها لمناصب أخري.. ترقي البعض وجلس البعض الآخر في الشارع.. وما أن أعلن عن اجتماع اللجنة العامة لمجلس الشوري قبل يومين حتي زادت التليفونات تسألني عن الأخبار باعتباري عضوا بالشوري. لكني أجبتهم أن اجتماع اللجنة ليس له علاقة بالتغييرات الصحفية لأنه الاجتماع التمهيدي "العادي" الذي يسبق الجلسات.. لكنهم لم يقتنعوا فذهبوا للسؤال في المجلس الأعلي للصحافة والحزب الوطني.
وعادة تضحكني الشائعات الصحفية.. وأكثر ما يضحكني فيها أن الصحفيين يفترض أنهم علي علم بالحقيقة.. وبالطريقة التي يتم بها التغيير وبموعده كل 3 سنوات لرئيس التحرير وكل أربع لرئيس مجلس الإدارة. اللهم الا إذا حدث ما يغير ذلك.. وسأضرب مثالاً من الواقع وهو ما حدث عام 1998 عندما تطلبت الأمور تغيير الزميل الكبير محمود التهامي رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير روز اليوسف فلم يتم تغييره منفرداً وإنما في حركة شاملة انتقل فيها الأستاذ محمد عبدالمنعم لروزا والأستاذ محفوظ الأنصاري لوكالة أنباء الشرق الأوسط والأستاذ سمير رجب للجمهورية وتم التجديد لآخرين.
ما أقصده أن الصحفيين الذين تقتضي مهمتهم معرفة الحقيقة. لا يعرفونها أبداً إذا تعلق الأمر بهم شخصيا.. من ثم فعلي كل مشتاق وكاره لرئيسه أو مختلف معه أن ينتظر الاعلان عن حركة التغييرات والتجديدات فربما يجد فيها ما يسعده. وإن كنت اعتقد بحكم الخبرة أن المناصب لاتطلب ولكن تمنح وأن "النصيب" و"الرزق" عند المولي عز وجل. ولن يرتبط رزق عبد بعبد آخر حتي لو كان من الأنبياء!

أفضل من ويكيليكس
النكتة التي أسقطت الاتحاد السوفيتي !
هذا الأسبوع كنت أقرأ فصولاً متعددة من حياة رؤساء تاريخيين - كما نقول في التعبير الدارج - منهم ترومان وخروشوف وعبدالناصر والسادات وريجان وتشيرينيكو..
ميزة جهاز الآي باد الجديد انه يجعلك تقرأ عشرين كتاباً في يوم.. أي اسم يخطر علي بالك اكتبه علي محرك البحث ثم أضف إليه سيرة حياة.. فوراً تخرج لك آلاف الكتب والمراجع التي تبحث فيها.. ثم إذا أردت المزيد أضف كلمة "أخطاء" إلي اسم الرئيس أو القائد أو الزعيم فستجد مئات الآراء وتبلغ المتعة الصحفية أقصاها عندما تجد أن الأخطاء التي يرددها البعض يراها آخرون مزايا وإيجابيات.. والعكس صحيح.
وتظل بين هذا الرأي وذاك تائها بين الحقيقة والاتهام.. وأهم ما تخرج به من السباحة في بحر المعلومات والمذكرات انه لا شيء مطلق أو نهائي..
لا يوجد رأي قاطع لأنه ببساطة ليس هناك مؤرخ منصف.. الغرض مرض.. المؤرخ يكتب طبقا لايديولوجيته السياسية.. نادراً ماتجد مؤرخاً أو صحفياً منزهاً عن الهوي. ومن ثم فالعثور علي تقييم موضوعي للتاريخ صعب.
علي أية حال أقدم في هذه المساحة المحدودة عرضاً لبعض نماذج تقييم التاريخيين وأولهم الرئيس الأمريكي هاري ترومان..
ترومان دخل التاريخ باعتباره الرئيس الذي أمر بإلقاء القنبلة الذرية علي هيروشيما في الحرب العالمية الثانية وبالتالي مصنف علي انه مجرم حرب.. ويروي كتاب "ترومان.. الذي لا يعرفه أحد" أن أبرز عالمين في اختراع القنبلة الذرية كانا روبرت اوبنهايمر وادوارد تيللر.. الأول من أصل ألماني وفر من النازية والثاني مساعده الأمريكي.. اوبنهايمر أصيب باكتئاب حاد بعد إلقاء القنبلة علي هيروشيما وفكر هو ومساعده في ترك العمل.. لكن المصيبة كانت قد حدثت ولا يجدي شيئاً تركهما العمل.. وبدأ اوبنهايمر يفكر في الانتحار وأخبر أصدقاءه بذلك لكنه - وهو المتدين جداً - رأي ان الانتحار كفر فجبن أن يفعلها.. هداه تفكيره إلي أن يلقي بضميره المثقل علي الرئيس ترومان واحراجه بأن يقول له علي الملأ انهما - هو وترومان - مجرمان.. ذهب اوبنهايمر الذي يطلق عليه أبوالقنبلة إلي ترومان وقال له أمام نائب الرئيس ووزيري الدفاع والخارجية "سيدي.. أشعر أن يديّ ملوثتان بالدم".. تغير وجه ترومان وأنهي الاجتماع وصرف العالم الكبير ثم قال لمساعديه: هذا الرجل احمق.. هل سمعتم ما قاله.. منزعج من دماء علي يديه رغم أن هذا الملعون لا يعرف أن كل جسمه لو غطيناه بالدماء لن يبلغ نصف الدماء علي يدي..
من الأشياء المضحكة جداً أن القراءة في تاريخ الرؤساء الأمريكيين تكشف أسراراً أخري فاذا كان ترومان مجرم حرب استخدم القنبلة الذرية لكسب حرب كانت أمريكا منتصرة فيها عسكرياً. إلا أن ريجان يشار إليه علي أنه الرئيس "المتخلف" أو الطفل الذي كان يهوي الألعاب وأفلام توم وجيري و"لوني تيونز".. ريجان حلم أنه يستطيع انشاء درع جوي صاروخي يصد أي هجمات صاروخية ضد أمريكا.. ودون أن يستشير أيا من مساعديه أو علمائه ألقي خطاباً عن خطة أمريكا الجديدة المسماة "حرب النجوم" أو Star war.. فكرة ريجان مأخوذة من الفيلم الأمريكي الشهير.. ضحك مساعدو ريجان.. بيكر وميرفي ومكنمارا وغيرهم وقالوا الرئيس عايز يلعب.. لكن المصيبة أن الروس صدقوا.. وانفقوا المليارات علي تعديل أنظمة صواريخ وعندما فشلوا.. حضروا إلي واشنطن وأجريت مفاوضات سولت-1 وسولت-2 لخفض الأسلحة وكانت أول جولة في ريكيافيك بأيسلندا.. وضحك التاريخ علي الذين ذهبوا يفاوضون لأنهم خافوا من نكتة! وبعدها بعامين وبعد أن باع السوفييت كل شيء ووجدوا أنفسهم علي الحديدة سقط الاتحاد السوفيتي علي يد جورباتشوف!
ورغم اشتعال حرب الجواسيس بين واشنطن وموسكو فان الأمريكيين لم يعلموا أشياء هامة في روسيا.. عرفوا بوفاة الرئيس قسطنطين تشيرينكو عام 1985 من اذاعة موسكو.. مع انهم عرفوا بوفاة ستالين وبريجنيف واندرويوف في نفس الدقيقة.. الأمريكيون كانوا يراهنون علي أن الرئيس الجديد سيكون من الحرس القديم استنادا إلي أن آخر رئيسين "اندروبوف وتشيرينكو" كانا من الحرس القديم.. لذلك فوجئ الأمريكان بجورباتشوف وحدثت خناقات في الإدارة الأمريكية لأنه لم يكن وجها معروفاً وبالتالي كانت نسبة استعداده للتغيير ضئيلة.. المدرسة السوفيتية هي أن الحرس القديم أقوي.. لذلك لم يقتنع الأمريكان بجورباتشوف في البداية إلي أن عرفوا ان الرئيس اندروبوف - والذي كان رئيس المخابرات ال كي جي بي - هو الذي اختاره قبل وفاته.. ومن ثم بدأت واشنطن تثق فيه وتتعامل معه.. رغم أن هناك وثائق أخري تقول أن واشنطن هي التي زرعته وتعاونت معه علي اسقاط الاتحاد السوفيتي وانه كان عميلاً أمريكياً!!
الغرض من هذا العرض هو اظهار أن المؤلفين والمؤرخين لهم وجهات نظر مختلفة في كثير من الأحداث والمبادرات السياسية. وبالتالي فإن الاعتماد علي "ويكيليكس" في الحكم علي الأمور ليس صحيحاً علي الاطلاق. كما أن الاحتفاء به وتضخيمه لا يمت للحقيقة بصلة.. فالتاريخ يكتب بألف قلم. فلماذا نعتمد علي ويكيليكس فقط؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.