منذ أكثر من عام تم تخصيص مسرح الغد للاعمال التراثية, وربما هو المسرح الوحيد أو الفرقة الوحيدة التي تم الاهتمام بأن تكون لها صفة مميزة, وهي تقديم الأعمال المأخوذة من التراث. عموما هذا شيء جيد أن يتحول التراث أو الحكايات التراثيه إلي مسرحيات. هذا الاسبوع كانت هذه المسرحية التي شاهدتها لك في بداية العام الجديد باسم صيد الأحلام. المسرحية مأخوذة من حكاية شعبية أو حدوتة قديمة استوحت منها المؤلفة كاتبة هذا العرض, وهي رشا عبد المنعم هذه المسرحية. رشا عبد المنعم من الكاتبات الشابات في مجال المسرح ولها أكثر من تجربة بعضها نجح واجتذب جماهير عديدة. فماذا قدمت في هذا العرض هذه الكاتبة الشابة؟ قدمت لنا حدوتة علي الصياد الفقير الذي يحلم بأنه يقع في حب فتاة هي نور التي يراها في الحلم جميلة للغاية. يرغب في إخراجها من الحلم لتعيش معه في الواقع بعد أن وقع في حبها, وبعد أن أصبحت أجمل أوقات حياته هي في الحلم أي في المنام, كما يقال في الحواديت. يلجأ للخليفة ربما يساعده علي تحقيق هذه الأمنية, ولكنه يحيله إلي الساحر فاروق بعد أن حصل منه في الحلم طبعا علي مقابل هذه المساعدة. لقد أصبحت الحياة السعيدة لعلي الصياد فقط في الحلم عندما يقابل نور فتاته الجميلة التي وقع في حبها, ولكن هل يمكن لهذا الحلم أن يتحقق؟ ربما هذا هو التساؤل الذي يريد النص أو الحدوتة أو المسرحية أن تقوله للمتلقي المتفرج.. هل ينجح في إخراج نور من الحلم لينعم بحبه لها في الواقع بعيدا عن الحلم... تري هل يتغذي الإنسان علي الحلم, ويحيا علي الحلم أم يتغذي الحلم عليه؟ المفروض أن يقاوم الإنسان الحلم, ولا يجعله يسيطر عليه, ولكن علي الإنسان أن يسيطر هو شخصيا علي واقعه. ولكن هل ينجح في أن يسيطر علي الواقع منتصرا علي الحلم؟ جانب من الفلسفة وجانب من الواقع وجانب آخر من مقاومة الإنسان لظروفه... هي مجموعة ما يخرج به المتلقي المتفرج من هذا النص. فماذا عن الإخراج؟ تولي هذه المهمة شاب أيضا هو محمد فوزي ليجسد هذا العمل من خلال فن العرائس, وفن خيال الظل ثم في النهاية من خلال الابطال انفسهم أمام المتفرج بعد أن خرجوا من هذا الحلم. استطاع المخرج أن يجعلنا نعيش بالفعل داخل حلم أو عالم الأحلام...! ظلام شبه تام إلا من خيال الظل يطل علينا من خلال ليس شاشات ولكن مجرد أسطح بيضاء من الزجاج بينما العرائس تطل علينا من خلال ما يشبه الشاشات المضيئة, والتي تحمل داخلها العرائس التي تتحرك يمينا ويسارا, حيث تكون عالم الصياد علي وأحلامه والفتاة الجميلة نور التي يراها في هذه الأحلام. المهم استطاع المخرج أن يجعلنا بالفعل نعيش الحلم الذي بدأ من خلال الراوية أو الحكاية. الإضاءة بالطبع ساعدت علي إحساسنا بأننا نعيش في الحلم واعتمد المخرج في الإضاءة علي محمد حسني, بينما كان الديكور والملابس لمحمود حنفي, وكان موفقا فيها أما الموسيقي, فكانت جيدة بصفة عامة إلا في بعض مقاطع من حركة العرائس, حيث كانت الموسيقي تشبه إلي حد كبير موسيقي شارلي شابلن التي كانت تحكي إلي جانب حركاته في الأفلام القديمة الصامتة.. تقييم العرائيس وتنفيذها كان لعزت حسن, وكانت تقوم بدورها بصورة جديدة. أما الأبطال فكان دورهم محدودا إلي حد ما إلا من خلال بعض حركات خيال الظل ليظهروا أمامنا في أجزاء بسيطة من العرض. الحكاية أو الراوية كانت رائعة وهي نهاد أبوالعينين في أن تقدم لنا الحدوتة, كما تحكي الجدة الحدوتة أو الحواديت للاحفاد... كانت مقنعة, وتحمل الحضور والصوت والإلقاء المتميز. عموما عرض يختلف إلي حد كبير عن الكثير من العروض التي نشاهدها, وهذا جيد في حد ذاته فقط كان دخولنا في الحلم مع هذا الإظلام الذي خدم العرض بالفعل لكن أوحي إلينا بالنوم!! هذا المسرح.. مسرح الغد يديره المخرج ناصر عبد المنعم الذي أراه نشيطا لا يتوقف علي تقديم العروض, بحيث تظل خشبته مضاءه. ولعل هذا العرض أيضا هو من العروض التي تقدم خلال الفترة التي تولي فيها الفنان رياض الخولي مسئولية إدارة البيت الفني للمسرح أي رئاسة مسرح الدولة.