الكاتب الكبير كرم النجار يخص الاهرام بمقال يكشف فيه كيف وهو المصرى المسيحى أسند له كتابة مسلسل " محمد رسول الله " وبرع فى كتابنة وحقق نجاحا مدوياً قبل 42 عاماً. كيف؟وأنا مواطن مصري مسيحي .. إنه محمد رسول الله المكان: مبني التليفزيون المصري.. مكتب الأستاذ سعد لبيب.. في حضور المخرج أحمد طنطاوي. الزمان: سنة..1968 العام التالي للنكسة. المشهد(1): أستاذ سعد لبيب: أستاذ كرم.. احنا بنكلفك بكتابة سيناريو وحوار لمسلسل محمد رسول الله.. عن كتاب الأستاذ توفيق الحكيم. كرم:( في ذهول من فرط الدهشة) أنا؟ أنا مسيحي يا أستاذ سعد. أ. سعد: العقاد كتب عبقرية المسيح. كرم: وأين أنا من العملاق عباس محمود العقاد؟ أ. سعد: كلما أمعنت في العلم.. وكلما بحثت في ديانات وفلسفات من حولك.. اقتربت من أن تكون كاتبا مميزا. كرم:( في ضحك وحيرة) ولماذا أنا يا أستاذ سعد؟. أ. سعد: قال لي الأستاذ أحمد طنطاوي المخرج( التليفزيوني الشهير) إنك درست الشريعة الإسلامية لمدة أربع سنوات في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية, وإنك حصلت علي تقدير عال في مادة( أصول الفقه الإسلامي), هذا فضلا عن أنك ساعدته في إعادة كتابة سيناريو مسلسل( دعوة الحق) وإنه أعجب بأسلوب فهمك للإسلام. (بعد لحظات صمت) هه.. ماذا قلت يا عم كرم؟ كرم: أسافر للمحلة الكبري لأستشير والدي. أ. سعد: أمامك مهلة أسبوع. قطع المكان: المحلة الكبري.. منزل المرحوم وديع بولس النجار( والدي). الزمان: اليوم التالي للقاء الأستاذ سعد لبيب. المشهد(2): أ. وديع بولس النجار( والدي): إذا كنت تثق بنسبة ألف في المائة أنك لن تخطئ وأنك ستكون حريصا وفاهما تماما لما تكتب وأنك لن تتسرع فتقدم وعلي بركة الله. كرم: سأبذل كل جهدي. والدي: لا يكفي حسن النية أو بذل الجهد.. فيما يخص العقائد ينبغي أن يكون هناك العلم.. فهل أنت واثق من أنك قادر علي البحث في موضوعك؟. كرم: أعدك بهذا بإذن الله. والدي: أتمني لك النجاح.. لأكون فخورا بابني المؤلف المصري. قطع المكان: استوديو(2) مبني التليفزيون المصري. الزمان: آخر يوم في شهر رمضان المعظم سنة1968 موعد تسجيل ثم إذاعة الحلقة الأخيرة من مسلسل محمد رسول الله. المشهد(3): الممثلون وقد انتهوا من ارتداء ملابسهم التاريخية.. الأساتذة عبدالله غيث, و نجيب سرور, وغيرهم من عمالقة التمثيل في هذا الوقت والأستاذ أحمد طنطاوي المخرج يعطي تعليماته لمساعده الأول الأستاذ سالم سالم بخصوص الميزانسين( أي الحركة), وكذا تعليمات الإضاءة وإضافة لمساته الأخيرة علي الديكور.. أنا أقف في وسط الجميع في منتهي التوتر.. وكذا المخرج والجميع في انتظار وصول عم عوض( الشخص المكلف بأخذ الحلقة المكتوبة منها والذهاب بها إلي الأزهر الشريف لمراجعتها أو لرفضها.. ولأنها الحلقة الأخيرة.. كان الجميع في قمة التوتر). .. نسمع أذان العصر.. تزيد الأعصاب توترا, ولا إراديا.. يتلفت الجميع للباب.. في انتظار طلة عم عوض. وفجأة تنطلق من خارج الاستوديو زغرودة رجالي, وبعد لحظة يطل علينا عم عوض. عوض:( صائحا) مبروك.. مبروك.. الحلقة الأخيرة موافقة برضه ومن غير ملاحظات. يدب الحماس في الجميع يسرع المخرج إلي غرفة المراقبة وتضاء الأنوار ويدخل كل ممثل في الشخصية التي يمثلها, وبعد نصف ساعة بالتمام. أحمد طنطاوي( المخرج):( يصيح من غرفة المراقبة) فيد( أي اختفاء) نهاية الحلقة تمت بحمد الله وعونه وتوفيقه. الجميع يعانق الجميع فرحا احتفاء بانتهاء آخر حلقة.. واحتفاء بالمؤلف المسيحي الذي أعانه الله علي عمل مهم وغير مسبوق, إلا في زمن المرحوم مكرم باشا عبيد.. الذي كان يحفظ القرآن الكريم ويستشهد به شفاهة في مرافعاته في المحاكم. اختفاء تدريجي المكان: منزل كرم بمصر الجديدة.. غرفة الاستقبال.. أمام التليفزيون. الزمان: اليوم الأول في عام.2011 صيحات ألم وغضب وحزن مما أراه علي شاشة التليفزيون.. والسؤال الذي فرض نفسه: من الذي اغتال أناسا في بيت من بيوت الله.. ذهبوا ليصلوا إلي الله.. ويتضرعون إليه أن يجعله عاما مباركا.. كيف حدث هذا. فكرت في بداية قصة كتابة المسلسل محمد رسول الله التي مر عليها اثنين وأربعون عاما, وتحيرت.. كيف كنا؟ وإلام أصبحنا؟ وكيف عاد الإرهاب ليطل بوجهه القبيح.. نازعا عنا روعة وعظمة تلك الأيام التي لا يجد فيها مسئول تليفزيوني كبيرا أي حرج في أن يسند عملا دينيا مهما, وهو بالمناسبة كان الجزء الأول من مسلسل محمد رسول الله الذي تبعه بعد سنوات أجزاء أخري كتبتها السيدة أمينة الصاوي( رحمها الله). منذ42 سنة لم يكن هناك أي تفكير في فروق بين الديانات.. المسلم والمسيحي كلهم مواطنون مصريون.. فماذا حدث؟ ولماذا؟ قد حدث أن تغيرت مناهج التعليم في المرحلة الابتدائية وأصبحت تتضمن فقرات تحض علي كراهية الآخر وعدم الاعتراف به, وفي أفضل الأحوال, تجاهله. حدث أن ظهرت فضائيات كثيرة من الجانبين, يخوضون في تفسيرات مجحفة للأديان ويفتون بغير علم. حدث أن تجاهل الجميع التعديل الدستوري الذي يقضي بتكريس فكرة المواطنة وأن الجميع متساوون في الحقوق والواجبات.. ولم يصدر أي قانون ينظم هذه العلاقة. حدث أن اتسعت الهوة بين أغنياء يملكون مليارات الجنيهات والدولارات وفقراء لا يملكون حتي الستر. حدث أن دأبت بعض القنوات الفضائية علي التحقير من شأن المرأة وبالتالي تهميشها. وحتي نتجاوز هذه المحنة( جميعا.. مسلمين ومسيحيين) لابد من سعي الحكومة الدائب لتحقيق فكرة العدل والمساواة.. الجميع مواطنون فعلا لا قولا.. أصحاب حق.. فعلا لا قولا.. ولا فضل لهذا علي ذاك إلا بالعمل لخير مصر.. الوطن.. الميلاد.. والمصير.