اذا كان ما حدث لكنيسة القديسيين والارواح التى أزهقت يحتاج الى نظرة ارحب وقراءة اعمق من مجرد متابعة دوائر الحزن والالم التى تبدو على سطح الاحداث فمن هو اقدر من الدكتور يوسف زيدان استاذ الفلسفة الاسلامية والمتخصص فى تاريخ الاديان وصاحب رواية عزازيل على ان يقوم بهذه المهمة . يقول الدكتور زيدان أنه لا يمكن فهم ما حدث أو تفسير هذه الجريمة البشعة من دون فهم السياق الذى حدثت فيه والظروف التى ساهمت فى تهيئة الاجواء لهذا الحدث ، وأنه لا يمكن ان يكون هذا الحدث جملة اعتراضية غير مربوطة بأحداث سبقته وبأحداث شبيهة ربما ان نحاذر من وقوعها . وقال ان هناك دلالات تؤكد ان السياق الذى وقعت فيه الواقعة له دلالات منها صدور بيان الفاتيكان الذى عكس رغبة غريبة من البابا فى التدخل فى شئوننا ، اذ تضمن دعوة لحماية الاقباط ( يقصد اليعاقبة ) فى مصر وتحريضهم على الدفاع عن حقوقهم وكأن هؤلاء ليسوا مواطنين مصريين حتى يدعوا أى شخص لحمايتهم فى بلدهم . وأشار الى أن هذا البيان كان قد سبقه بيان أخر يدعو فيه الكنيسة " الارذوكسية " للعودة الى مجمع كنائس الشرق الاوسط بعد انسحابها منه ، بمعنى انه يريد ان يبسط " رعايته " على رعايا الكنيسة المصرية من دون الاشارة الى أن هناك كنائس اخرى لم تنسحب من هذا المجمع منها كنيسة "الروم الارذوكس" ، فهذا لعب سياسى بمعنى انه يريد ان يستغل الفرصة لبسط " رعايته" على "شعب" هذه الكنيسة بالمصطلح الكنسى . ولفت نظر الدكتور زيدان محاولة البعض استغلال الحدث بطريقة تضر بمعالجة الموضوع منها تصريحات الدكتور محمد البرادعى الذى دعا الى " تدويل " قضية النوبة وقبلها بأيام دعا الى " العصيان المدنى " ، واشار الى انه ليس ضد البرادعى أو معه ولكنه يطرح نفسه باعتباره " المخلص " ثم يقوم بتقديم مثل هذه الحلول عن طريق تحريك الاحداث من وراء ستار على خلفية اقامته شبه الدائمة فى الغرب . ورأى الدكتور زيدان أنه فى نفس الوقت لا يمكن اغفال التهاون فى معالجة ما يسمى بالاحتقان الطائفى ، واستسهال معالجة الامور بطريقة استرضاء هذا الطرف أو ذاك ، دون البحث العميق فى أسباب هذا الاحتقان .. مشيرا الى أنه عرض فى كتابه " اللاهوت العربى لطبيعة العنف فى الصراعات المذهبية ذات الطابع الدينى ..وقال ان هذا الكتاب احتل صدارة الكتب الاكثر مبيعا فى العالم العربى ومع ذلك لم يحظ حتى بفرصة المناقشة الجادة للاستفادة منه ! وأشار الى أن المذاهب الدينية كانت تعيش فى مصر فى سلام حتى قيام ثورة يوليو حيث بدأت الخلافات والتناقضات تبرز على السطح نتيجة لفترات من القهر السياسى والاجتماعى الذى ادى بالتدريج الى تفاقم الظاهرة التى اصبحت تسمى الطائفية .. فضلا عن بروز جماعات التأسلم السياسى وفكر البعض من "المتأقبطين" . وقال أنه بعد رواية عزازيل اتهم بأنه من المحرضين على الفتن الطائفية وان البعض احتاج الى فترة من الوقت لكى يدرك أن ما أطرحه لا يراد به الا وجه العلم والبحث عن الحقائق التاريخية والحرص على توعية العقل الجمعى ..مؤكدا انه ليس منحازا لطرف ضد طرف او متعصب لجماعة ضد جماعة . وحول ماذا كانت مصر مستهدفة من الخارج قال الدكتور زيدان أنه له رأى سبق أن أشار اليه فى مقالاته وهو أنه لا يمكن أن يقال عن بلاد أنها " محروسة أو مستهدفة " الا بجهد أبنائها فالذى يحرس أو يستهدف أى بلد ليس شيئا غيبيا أو سحريا . ورأى أن ما حدث يستحق الالم والحزن ولكن لا يستحق مثل هذه المظاهرات الغاضبة التى تجرح أكثر مما تضمد الجراح ، وان على العقلاء من الجانبين أن يتفهم طبيعة الحدث وان السيارة الملغومة وقفت فى الطريق الضيق بين الكنيسة والمسجد التى يقابلها وان اول القتلى كان بائع المصاحف على رصيف الجامع ! وقال ان مكان الانفجار بدا وانه كان مرشحا أكثر من غيره ليكون مسرحا للاحداث ، فمنطقة "سيدى بشر " يقع الجزء الامامى منها على البحر وهذا الجزء يقع فيه الجامع الذى سميت المنطقة باسمه وهو أنيق وقديم وقام احد رجال الاعمال الاقباط بترميمه وتجديده .. لاحظ هذه اللفتة الكريمة التى لم يهتم بها احد .. ثم تترامى خلف هذه المنطقة منطقة اخرى عشوائية يطلق عليها الصين الشعبية ، وهذه المنطقة حافلة بكل أنواع التطرف الدينى والاجتماعى . وكرر تحذيره من محاولة البعض ركوب موجة الاحداث والمتاجرة باحزان الناس ، ونشر الاتهامات المجانية التى من شأنها صب الزيت على البنزين واخراج الاحداث عن سياقها ، وقال ان الفعل كان بشعا للغاية ولكن قد يصبح رد الفعل اخطر من الفعل نفسه ! .