منذ وقوع هجمات11 سبتمبر2001 علي نيويورك وواشنطن وكنتيجة مباشرة للسياسات الأمريكية العسكرية والأمنية علي مستوي العالم وخصوصا غزو أفغانستان ثم العراق, عرفت أفكار وإستراتيجيات تنظيم القاعدة انتشارا واسعا في مختلف دول العالم. سواء المسلمة أو ذات الأغلبية المسلمة أو التي تقيم فيها أقليات أو جاليات مسلمة. فقد أكدت هذه السياسات الأمريكية الرعناء في عهد الرئيس السابق جورج دبليو بوش لأعداد كبيرة من الشباب المسلم المتحمس وغير المتفقه في أمور دينه صحة النظرية البسيطة التي قام عليها تنظيم القاعدة وفكرة الجهاد الدولي عموما, وهي أن مواجهة العدو البعيد الذي يعتدي علي ديار الإسلام وأبنائه هي الواجب الأول علي المسلمين وهو ما يبرر لهم بحسب هذه الرؤية القيام بكل الأعمال العنيفة التي تستوجبها هذه المواجهة. وتطورت هذه الرؤية المبسطة للقاعدة وللجهاد الدولي للمواجهة خلال شهور قليلة من الغزو الأمريكي للعراق عام2003 لكي تضيف إلي المواجهة ما يصطلح الإسلاميون الجهاديون علي تسميته العدو القريب, أي أنظمة الحكم في البلدان المسلمة التي يرون أنها قد خرجت عن صحيح الإسلام وباتت عدوة لها سواء بسياساتها ضده أو بتعاونها الوثيق مع العدو البعيد للإضرار به وبأبنائه. علي هذه الأرضية الفقهية السياسية المبسطة تحولت القاعدة خلال الأعوام التي تلت هجمات سبتمبر من تنظيم متوسط يتركز في أفغانستان وبعض دول جنوب وجنوب شرق آسيا وشبه الجزيرة العربية ويقف علي قمته تنظيميا وفكريا زعيمه أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري, إلي نموذج وفكرة راحا ينتشران إلي مناطق أبعد من العالم بعيدا عن مضمون التنظيم المركزي الواحد. فقد تحولت القاعدة إلي شبكة لا يربط بين فروعها المتباعدة سوي الأرضية الفقهية السياسية السابقة والممارسات العملية التي تركزت حول القيام بأعمال تفجير وهجمات معظمها انتحاري يستهدف مصالح سياسية واقتصادية وقتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص فيها بغض النظر عن دياناتهم. وساعد القاعدة علي اتخاذ شكلها الجديد المستمر حتي اليوم سهولة التواصل بين فروعها المتباعدة عبر شبكة الإنترنت سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة, وذلك بنقل الأفكار والفتاوي المتطرفة عبرها أو بتبادل الخبرات الفنية في مجالات التسليح والتفجير والتنظيم والإجراءات الأمنية, الأمر الذي أضاف إليها أيضا فروعا ومتحمسين جددا في مناطق أخري من العالم. إلا أن تحولات القاعدة لم تقف عند هذا الحد, فقد أضافت الظروف الخاصة بالعراق بعد احتلاله تحولا آخر خطيرا إلي فكرتها الأولي المبسطة, حيث قام زعيم تنظيمها ومؤسسه هناك أبو مصعب الزرقاوي بإضافة استهداف أبناء ومصالح ورموز الطوائف الدينية الأخري خارج أهل السنة من مسلمين وغير مسلمين إلي قائمة من يجب استهدافهم بعملياتها الإرهابية إلي جانب العدوين البعيد والقريب, بل ووضعهم في بعض الأحيان في مرتبة أكثر أولوية في مهاجمتهم من هذين الأخيرين. ولاشك أن الوضع المذهبي والطائفي والعرقي المعقد في العراق والتدخلات الإقليمية ذات الطابع الديني والمذهبي في شئونه الداخلية بالإضافة إلي بعض من التدخلات الأمنية والمخابراتية من دول أخري ذات مصلحة في تفكيكه وفصل أقاليمه عن بعضها البعض, كانت هي العوامل الرئيسية التي أدت إلي هذا التطرف الجديد في رؤية وحركة قاعدة العراق. وحتي بالنسبة للقيادة المركزية للقاعدة علي المستوي الفكري والرمزي في أفغانستان وعلي الرغم من تطرفها المعروف بشأن كثير من القضايا, فقد كان التحول المذهبي والطائفي الذي عرفته قاعدة العراق مزعجا بالنسبة لها إلي الحد الذي دفع نائب زعيمها أيمن الظواهري إلي مخاطبة علنية لزعيم قاعدة العراق الزرقاوي لحثه علي التراجع قليلا عن هذا التطرف عن التطرف الأصلي للقاعدة. وقد كان لهذا التطور الأسوأ والأكثر تطرفا في فكر القاعدة وحركتها النابع من فرعها بالعراق, بالإضافة بالطبع إلي سوئها وتطرفها الأصلي, آثاره في بعض دول المشرق العربي المحيطة بالعراق وفي باكستان, حيث عرفت هجمات من وحي فكرته الطائفية والمذهبية علي بعض الجاليات غير السنية ودور عبادتها ورموزها ومصالحها. وقد ظلت مصر طوال السنوات التي تلت هجمات سبتمبر2001 آمنة من نفاذ القاعدة إليها سواء كفرع مباشر لتنظيمها المركزي أو كجناح مصري مستقل ضمن شبكتها الواسعة بالرغم من محاولات وإلحاح نائب زعيمها المصري الأصل أيمن الظواهري لاختراقها, وإن لم يحل هذا دون تشكل بعض المجموعات الصغيرة من الشباب حول فكرتها الأصلية بمهاجمة العدوين البعيد والقريب عبر شبكة الإنترنت دون أن يصل ذلك إلي تأسيس تنظيم حقيقي فعال لها في أرض الكنانة. ولاشك أن هذا الفشل في اختراق القاعدة عموما لمصر يعود إلي عوامل عديدة, إلا أن أبرزها فيما يخص فشل تطرف التطرف في فكر وحركة قاعدة العراق في اختراق مصر كان تماسك نسيجها الديني والطائفي بصورة يصعب ترويج وتطبيق هذا التطرف المضاعف فيها بالرغم من الحساسيات والتطورات السلبية التي سادت في الفترات الأخيرة بين المسلمين والمسيحيين. من هنا فإن هجوم الإسكندرية الدموي جاء لكي يكشف عن تطور خطير في الحالة المصرية تجاه فكر وحركة القاعدة. فالواضح من تفاصيل هذا الهجوم الرئيسية أن ملامح القاعدة في تنفيذه يصعب تجاهلها, سواء في شكله الانتحاري أو نوعية متفجراته أو عشوائية استهدافه والعدد الكبير لضحاياه بالرغم من تركيزه علي الكنيسة الأرثوذكسية. ولكن الأكثر خطورة وأهمية في هذه الملامح في هجوم الإسكندرية هو أن يكون الهجوم الأول لهذا الكيان الأقرب للقاعدة موجها ضد دار عبادة مسيحية وبهذه القوة التفجيرية الكبيرة, الأمر الذي يشير إلي أننا إزاء تأثر واضح ومباشر بأفكار وحركة قاعدة العراق دون غيرها من فروع أخري للقاعدة عبر العالم, وذلك في وضعها للأهداف الطائفية والمذهبية في أولوية تسبق في كثير من الأحيان الأهداف السياسية والأمنية التقليدية لهذه الفروع ممثلة في العدوين البعيد والقريب. والأرجح أن نجاح أسوأ وأكثر فروع القاعدة تطرفا علي مستوي العالم, أي العراق, في اختراق مصر عبر مجموعة من شبابها شكلوا هذه المجموعة التي قامت بالهجوم, قد تم بسبب الاحتقانات الطائفية الأخيرة في مصر والمتصاعدة بصورة خطيرة وبصفة خاصة بالإسكندرية والتي أصابت النسيج المصري الذي كان متماسكا بشروخ واسعة نفذ منها فكر وأسلوب قاعدة العراق الطائفي والمذهبي بسهولة. والأرجح أيضا علي المستوي الحركي أن الخلفية التي دفعت إلي تشكيل المجموعة المنفذة للحادث كانت حصيلة لأكثر من عامل, منها وجود قاعدة واسعة من الأفكار السلفية المتشددة بين الشباب المصري عموما وأبناء الإسكندرية خصوصا في السنوات الأخيرة سهلت الاقتناع بالأفكار الأكثر تطرفا ذات الطابع الطائفي القادمة عبر الإنترنت من قاعدة العراق. كذلك فإن بروز ملامح أوسع وأكثر لتشدد مسيحي في الشهور الأخيرة لأسباب متنوعة علي مستوي مصر كلها سواء في مواجهة الدولة أو المجتمع, زادت بدورها من حدة التطرف علي الجانب الآخر. أيضا فمن غير المستبعد أن يكون الدافع المباشر لتشكيل المجموعة المتطرفة التي نفذت هجوم الإسكندرية هو التهديد الذي وجهه تنظيم القاعدة بالعراق في بداية نوفمبر الماضي(2010) للكنيسة القبطية المصرية علي خلفية ما يشاع عن احتجازها عنوة لزوجتي كاهنين بها اعتنقا الإسلام, بحيث كان هذا بمثابة الإشارة غير المتفق عليها للبدء للمرة الأولي باختراق نموذج القاعدة لمصر بعد فشل دام لأكثر من تسع سنوات, وهو الاختراق الذي تم بواسطة النموذج الأكثر سوءا وتطرفا لها علي مستوي العالم, أي نموذج قاعدة العراق.