أري من غير المقبول أن أتجاهل الكتابة في الشأن الداخلي, فقد توالت أحداث لايمكن تجاهلها ونحن علي مشارف عام جديد ومرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني التي يلزم لكل صاحب موقف أن يكون له رأي فيها. فقد مرت أحداث يراها كل مواطن مصري ليبرالي علامة طريق فارقة في مسيرة العمل والنظام المصري, فلأول مرة بعد أكثر من ربع قرن علي الاقل نشعر بأننا قد عدنا من جديد الي نظام الحزب الواحد الذي سيحكم مصر في المرحلة المقبلة فمجلس الشعب يتكون من نسيج واحد غالب وهو أعضاء الحزب الوطني سواء كأعضاء منتخبين بهذه الصفة أو كمستقلين ينضوون تحت لواء هذا الحزب, ويشكل هؤلاء نحو93% من مجموع أعضاء المجلس, ويتوافق هذا مع عام حاسم في تاريخ العمل السياسي في مصر وهو انتخابات رئيس الجمهورية القادم خلال العام الحالي. والحق أنني لاأجد تبريرا لهذا المنطق السياسي من العديد من الزوايا الموضوعية, وسأحاول بقدر المتاح أن اسطر وجهة نظري في همسات مصارحة مع الحزب الوطني الديمقراطي, وسأطرح بعض التساؤلات المشروعة: 1 هل حقا يحتاج الحزب الوطني الديمقراطي إلي ان يتبع هذا الاسلوب من التضييق علي الخصم لكي يحصل علي الأغلبية المريحة التي تسمح له بادارة شئون الدولة من موقع الاغلبية المطلقة؟ وهل حقا يريد بهذا الاسلوب أن يضيق الخناق علي ماسماه بالمحظورة إشارة الي الاخوان المسلمين وهل طرح مرشحين مختارين بدقة من جانب الوطني لمنافسة هذه الجماعة كان سيؤدي الي إخفاق مثلما حدث في انتخابات عام2005 ؟ 2 هل انسحاب الاحزاب الفاعلة التي اقبلت علي دخول الانتخابات مثل حزب الوفد كان لمصلحة الوطني الذي انفرد بالساحة, وأصبح في تقدير الجميع هو الحزب الواحد الاوحد؟ وكيف سيمكن للوطني ان يزاول مهامه البرلمانية في إطار مايطلق عليه التعددية الحزبية؟ وهل يكفي أن تتكون جبهة معارضة من الوطني ضد حكومة الوطني ليقتنع المشاهد للمسرح السياسي ان هناك بالفعل نظام تعددي الاحزاب؟ 3 ثم هل يعتقد الوطني أن اجندته السياسية في عام انتخابات الرئاسة قابلة للتنفيذ مع تحفظ اساسي أن هذه الاجندة تعتمد علي تحقيق استثمارات جديدة لرفع معدل النمو, وتوفير ارتباطات مالية لدفع عجلة البنية الاساسية التي تهدف الي تحريك الإطار البنيوي, والاجتماعي والصحي ومنها رفع مظلة التأمين الصحي وزيادة موارد الدولة لزيادة المرتبات والمعاشات وغيرها من المسائل الحتمية للتقليل من حدة التضخم, وارتفاع الاسعار, وتدني خط الفقر, وتقليل حدة البطالة المدمرة لعلاج ارتفاع معدلات الجريمة.. وغيرها؟ وهل هذا التوقيت يصلح لرتق ثياب الوضع الراهن ام يزيد من حدة التباعد بين المأمول والموجود؟ 4 والسؤال الذي يؤرق كل متتبع للشأن الداخلي هو: هل من الأفضل ان تدخل المعارضة بل والمحظورة في لجة المشكلة ام تحجز لنفسها موقف المتفرج علي الوطني وهو يحل مشاكله المستعصية وتمسك هي بوق المعارضة من الخارج؟ 5 وأهم من هذا كله أن الوطني لايتحدث في الفراغ المصري فحسب, بل إن صوته وأداءه الي آفاق تتعدي حدود المواطن المصري الذي قد ترك منذ أمد طويل شئونه السياسية عهدة في خزانة الحزب الحاكم, إلا أن الظروف السياسية والوطنية والإقليمية لا تجعل الساحة المصرية حكرا علينا, فقد تنوعت أباطيل كثيرة تحض علي الطائفية وتهدف الي التفرقة بين الديانات والاجناس بل والمذاهب لتفتيت النسيج الوطني, وتدمير المواطنة وهو خطر أخشاه بشدة وأشدد الدعوة في التصدي اليه في الساحة الداخلية كهدف رئيسي, وعليه فهل النمط السياسي الراهن يحافظ علي متانة النسيج الداخلي ورباط المواطنة؟ 6 أنا من غير المؤمنين بايجاد كيانات ليس لها دستورية ولا سند قانوني ونفرضها علي الساحة كحقائق, فأنا أسمع عن وزارة ظل ولكنها تنشأ في نطاق برلماني, ولم أسمع عما يسمي بالبرلمان الموازي, وعليه فإنني أرفض التعامل مع المسميات المجهلة, إلا أنني لاأستطيع أن أمنع من يسعون الي ترويج أفكارهم من دخول معترك السياسة, طالما أن سندهم هو حرمانهم من حقوقهم السياسية الاساسية, والسؤال هو من ذا الذي فرض هذه البلبلة السياسية, الشارع السياسي أم الوضع السياسي؟ وهل ماتم في الانتخابات الاخيرة سوف يحول دون أن تمارس المحظورة نشاطها بصورة مختلفة وتحت أسطح أخري؟ 7 كنت ومازلت أكرر أن فورة محمد البرادعي كانت حجرا ألقي في بحيرة الوضع السياسي الصناعية ليحدث مجموعة من الدوائر التي أوحت بوجود حراك سياسي, ربما كان حقيقة في مهده, الا أن تتابعات الحدث أكدت أن مجمل محاور التحرك السياسي كانت محصورة في تلك البحيرة الصناعية ولم تتعدها الي جوهر العمل والفكر السياسي..وكم كنت أتمني ان تنجح فورة البرادعي في إيجاد رأي عام سياسي يمكنه أن يحقق مايطمع اليه كل ليبرالي مصري حر, وهو إيجاد نظام ديمقراطي تعددي حقيقي لقناعة لاتقبل الجدل بأن المفتاح الاساسي لأي نهضة مصرية يلزم أن يبدأ بنظام سياسي ديمقراطي حقيقي..والسؤال هو: لماذا نخشي من أن يكون هناك في مصر نظام ديمقراطي تعددي, وهل هذا النظام يضعف من آليات الحزب الوطني الديمقراطي الذي أصبح وبحق يشكل منظومة سياسية مؤسساتية لها كوادرها وآلياتها التي يمكنها أن ترسخ وجودها في محفل العمل السياسي التعددي.