تعيين محمد حلمي البنا عضوًا بمجلس أمناء الشيخ زايد    أبو الغيط يرحب بتنظيم أول انتخابات بلدية مباشرة في الصومال    ستة منتخبات تصنع المفاجأة وتُحافظ على شباكها نظيفة في افتتاح أمم إفريقيا 2025    ضياء رشوان: نتنياهو يريد بكل السبل تجنب الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة    فوز ثمين لسموحة على الزمالك في كأس عاصمة مصر 2025    أمن الجيزة يكشف غموض العثور على جثة شاب بالطريق الصحراوى    هل على ذهب الزوجة زكاة حال باعه الزوج لشراء غيره مستغلا تقلبات الأسعار؟.. الإفتاء تجيب    «مؤسسة محمد جلال الخيرية» تكرم أكثر من 200 حافظة وحافظ للقرآن الكريم    شبكة أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة بولاية غرب كردفان    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيًا نسب تنفيذ أعمال الخطة الاستثمارية للرصف بطريق ترعة الزمر    بعد قرار البنك المركزي بخفض الفائدة.. خبراء: ينعش أسواق المال ويعيد توجيه بوصلة المستثمرين    محافظة القاهرة: استبدال التوك توك بسيارات كيوت في 5 أحياء بتسهيلات    17 حالة انفصال للمشاهير في 2025.. آخرهم عمرو أديب ولميس الحديدي    صالات العرض تستقبل فيلمين جديدين بداية الأسبوع المقبل    افتتاح الدورة ال28 من معرض «صنع في دمياط» لدعم صناعة الأثاث| صور    انفجار فى ألمانيا ليلة عيد الميلاد يتسبب بحريق هائل فى منشأة صناعية    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    إسرائيل تتحدى العالم: لن ننسحب أبدًا وسنحمى مستوطناتنا    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    خبير تشريعات: جولة الإعادة أكدت صعود المستقلين وبروز ملامح البرلمان الجديد    اكتب لكم عن رشا : فنانة شابة القاهرة التي تجمع بين التمثيل والغناء    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    العائلة المصرية في برلين: مشاركة إيجابية للجالية المصرية في انتخابات «النواب»    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    إصابة 6 أشخاص إثر مشاجرة بالشوم والعصي بقنا    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    تراجع معظم أسواق الخليج وسط ‍تداولات محدودة بسبب العُطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    ضبط 14 ألف و400 صاروخ ألعاب نارية تحت التصنيع وكمية من فتيل الصواريخ محظور تداولها بالأسواق بالفيوم    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    طقس الكويت اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركات الانفصال بإفريقيا‏..‏القصة وراء القصة‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 31 - 01 - 2010

هل من المنطقي أن ينطق لسان حال بعض شعوب دول إفريقيا جنوب الصحراء بتساؤل مفاده‏:‏ من أين سيأتي عشاؤنا؟ ومن هي الدولة الكريمة التي ستتبرع لنا بالإفطار؟ وهل يتسق كل هذا الفقر المدقع مع ما تتمتع به القارة السوداء بالنصيب الأكبر من الثروات الطبيعية التي حبا الله بها الكرة الأرضية؟ وهل تستقيم تلك الأوضاع مع ذلك الشذوذ السياسي المتمثل في استعانة حكومات إفريقية بقوات أجنبية لفرض سيادتها علي ترابها الوطني مقابل حصول تلك الدولة الأجنبية علي النصيب الأكبر من ثروات البلاد؟‏!‏ وأين تلك الجيوش الوطنية التي استمرت أنظمة سنوات طويلة في الحكم لكي تقيمها ؟‏!‏
هكذا انطلقت تلك الأسئلة كطلقات الرصاص من ذلك الدبلوماسي الذي ينتمي لدولة بغرب القارة‏,‏ والذي اعتزل الدبلوماسية واحترف العمل التجاري في معرض حديثي معه حول ظاهرة عدم الاستقرار السياسي التي ابتليت بها قارة إفريقيا‏,‏ والتي أحد أهم تجلياتها حركات التمرد والانفصال التي لا تهدأ إلا لتثور مرة ثانية‏.‏ وإذا كانت التساؤلات التي طرحها الدبلوماسي الإفريقي السابق غلفتها نبرة تحمل أطرافا خارجية المسئولية عن ظاهرة عدم الاستقرار السياسي‏,‏ وبالتالي‏,‏ تفشي ظاهرة حركات التمرد والانفصال‏,‏ فإنه من الإنصاف وسعيا للتوصل إلي تحليل علمي للظاهرة يجب علينا الاعتراف بوجود أسباب داخلية ترتبط بالثقافة والأوضاع السياسية والاجتماعية لشعوب القارة والتي أدت في المقام الأول إلي تفشي الظاهرة‏.‏ ففي معرض الحديث عن الأسباب الخارجية التي أدت إلي تصاعد حدة حركات الانفصال والتمرد‏,‏ فإن الحديث يجب أن يتوقف أمام انهيار نهاية الحرب الباردة‏,‏ وهو الذي غير ملامح وجه العلاقات الدولية فيما يتعلق بالقارة الإفريقية‏.‏ وقد تمثل الملمح الأول للعلاقات الدولية في بداية الالفية الثالثة في تراجع الأهمية الاستراتيجية العقائدية في الصراع علي إفريقيا في السياسات الأمريكية‏,‏ فبدلا من نمط علاقات‏(‏ الدولة دولة‏)‏ التي كان سائدا في زمن الحرب الباردة‏,‏ بدأت واشنطن في التركيز علي تطوير علاقات استراتيجية بين المنظمات غير الحكومية والشركات عابرة القارات من ناحية‏,‏ وبين دول العالم الثالث وعلي رأسها دول إفريقيا من ناحية أخري‏.‏ وبدورها‏,‏ بدأت تلك المنظمات غير الحكومية والشركات عابرة القارات في ملء الفراغ المتخلف عن انسحاب الدول الكبري من القارة‏,‏ وذلك بمنحها القروض أو بالوساطة في الصراعات المسلحة مثل الدور الذي تلعبه حاليا شركة لونرو البريطانية وشركة بريدجستون في شرق أفريقيا وليبيريا‏,‏ والدور الذي لعبته وتلعبه المنظمات المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية في الجنوب الإفريقي والسودان‏.‏
الملمح الثاني الذي صاحب نهاية الحرب الباردة‏,‏ وتزايد في العقد الأول من الألفية الثالثة‏,‏ تمثل في شبه توقف الدول الكبري عن تزويد دول القارة خاصة جنوب الصحراء بالمساعدات العسكرية مما أثر بشدة علي مستويات التسليح لتلك الدول حتي وصل الإنفاق الدفاعي في دول جنوب القارة إلي أقل من‏1%‏ من الإنفاق الدفاعي في العالم‏,‏ ومازالت الأرقام تسجل مزيدا من الهبوط‏.‏ وقد تسبب الملمح السابق في مضاعفة خطورة الملمح الثالث والذي يتمثل في أن الإمكانات اللوجوستيكية والحربية للقوات المسلحة في غالبية دول الجنوب الإفريقي أصبحت لا تمكن الدولة من أن تفرض كامل سيادتها علي كامل ترابها الوطني‏.‏ فإذا وضع ذلك جنبا إلي جنب مع حقيقة أن دعم القوتين العظميين لتلك الدول أثناء الحرب الباردة كان مسئولا عن إفراز تلك الصورة الزائفة عن سيطرة العديد من دول جنوب الصحراء علي كامل ترابها الوطني‏,‏ في حين أن تلك السيادة لم تكن في بعض الأحيان تتجاوز حدود العاصمة والمدن الرئيسية فقط‏,‏ لأمكننا أن ندرك خطورة الأوضاع الحالية‏.‏ ولا شك في أن ضعف هياكل القوات المسلحة في تلك الدول يرجع في جانب منه إلي الاستعمار الذي حرص علي إنشاء تلك القوات المسلحة في تلك الدول في الحدود التي يستخدمها لقمع حركات التحرر‏,‏ أي أن المؤسسات العسكرية في تلك الدول كانت مؤسسات استعمارية في الأساس‏.‏
الملمح الرابع ويتمثل في تراجع الدور العسكري الفرنسي في قارة إفريقيا‏.‏ فحتي نهاية الستينيات من القرن العشرين‏,‏ سيطرت فرنسا علي‏22‏ دولة إفريقية من أصل‏53‏ دولة عضوا في منظمة الوحدة الإفريقية‏,‏ حيث كان استقلال تلك الدول عن فرنسا استقلالا اسميا فقط ولكن ظلت فرنسا هي الحامية والضامنة للأوضاع الداخلية للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية‏.‏
إلا أنه منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين‏,‏ بدأت فرنسا في التركيز علي شئون الوحدة الأوروبية‏,‏ بالإضافة إلي بدئها عام‏1997‏ تطبيق نظام التطوع والتخلي عن نظام التجنيد‏,‏ مما أعجزها عن توفير العنصر البشري الكافي لقواعدها في إفريقيا وإذا كانت تلك هي بعضا من ملامح وجه العلاقات الدولية الجديد في مطلع الألفية الثالثة‏,‏ والتي أدت ضمن ما أدت إلي تفاقم ظاهرة التمرد والحركات الانفصالية جنوب الصحراء‏,‏ فإنه توجد ملامح أخري إفريقية شديدة المحلية أدت بدورها إلي تفاقم هذه الظاهرة‏.‏ من بين تلك الملامح المحلية الإفريقية التقاليد التي تنتشر في بعض مناطق القارة التي تجعل من السهل علي الرأي العام بها القبول بفكرة عصيان الحكومة المركزية‏.‏ فمن لديه السلاح والمال والعصبية القبلية والحلفاء‏,‏ وليس من لديه الحق بالضرورة يكسب الحكم‏!.‏
أيضا‏,‏ فإنه مما يضاعف من خطورة تلك الظاهرة‏,‏ غياب الديمقراطية الحقيقية مما يؤدي إلي لجوء العديد من فصائل المعارضة إلي حمل السلاح والسعي للاستيلاء علي السلطة التي يحتكرها الحاكم في العادة لنفسه وعشيرته‏.‏ وعندما تحمل المعارضة السلاح‏,‏ فإن أول ما يختفي من الدولة النظام والقانون وتتأجج طموحات الانفصال‏!.‏
ملمح محلي إفريقي ثالث‏,‏ ويتمثل في أن القوات المسلحة في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء ليست لديها حدود واضحة تفصل بين مهام الأمن الداخلي والخارجي‏,‏ بالإضافة إلي تدهور الأوضاع في القارة‏,‏ وعدم قدرة دولها علي إدارة رشيدة لمواردها الطبيعية‏.‏
ملمح رابع‏,‏ ويتمثل في أن العديد من دول القارة جنوب الصحراء لا تلتقي أنظمتها مع شعوبها عرقيا‏,‏ بمعني أن الأقلية تحكم الأغلبية بدون انتخابات ديمقراطية‏,‏ تلك الحالة المرضية التي تفرز حالة مرضية أشد ألا وهي عدم التقاء الدولة ككيان معنوي بالأمة عرقيا وسياسيا‏.‏
ملمح خامس يؤدي لتعدد حركات الانفصال في إفريقيا‏,‏ ويتمثل في أنه وبعد نصف قرن من احترام دول القارة للاتفاقات وللحدود الموروثة عن الاستعمار‏,‏ فإنه مع مطلع الألفية الثالثة لم تعد لتلك الحدود والاتفاقات نفس القداسة‏.‏ وقد كانت البداية مع استقلال إريتريا عن إثيوبيا والذي كان إيذانا بعصر جديد من الجغرافيا السياسية في القارة‏,‏ ثم الانفصال المتوقع لجنوب السودان عن شماله‏,‏ ناهيك عن محاولات للدفع بدارفور لنفس الاتجاه‏,‏ بالإضافة إلي العديد من الحركات الانفصالية في دول أخري مثل أنجولا وكوت ديفوار‏,‏ وغيرهما‏.‏ ونأتي إلي العامل الأخير والأهم والذي يتمثل في إقلاع العديد من دول جنوب الصحراء عن دورها الاجتماعي مما أدي في مجتمعات قبلية إلي انتهاك خطير للعقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع‏,‏ وهو الذي أدي بدوره بقطاعات كبيرة من المجتمعات القبلية إلي أن تقلع عن التزاماتها وولائها للأنظمة الحاكمة‏,‏ وبالتالي إلي قيام تنظيمات عسكرية وشبه عسكرية تقوم بدور الدولة فيما يعرف باسم الدولة الظل‏!‏ الشاهد‏,‏ أنه بامتزاج كل من الملامح التي جدت علي وجه العلاقات الدولية في عالم الألفية الثالثة‏,‏ جنبا إلي جنب مع الملامح التي تميز وجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في دول جنوب الصحراء الإفريقية‏,‏ فإنه يجب ألا نعجب إزاء رخاوة البني السياسية للعديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ بل وتوقع أن يزيد عدد الدول الإفريقية خلال العقد المقبل من‏53‏ دولة إلي‏60‏ دولة علي غرار انقسام الخلايا أحاديا‏...!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.