بالرغم من مرور أكثر من عشرين عاما علي نهاية الشيوعية وسقوط الكتلة الشرقية وتفكك الاتحاد السوفيتي, وتحول دول اوروبا الشرقية الي الرأسمالية والديمقراطية, الا أن ذكريات فترة الشيوعية مازالت تحتل جزءا رئيسيا في فنون وآداب دول اوروبا الشرقية. وأكبر مثل علي ذلك هيرتا مولير, الأديبة الالمانية من أصول رومانية, التي حصلت في العام الماضي علي جائزة نوبل في الأداب لتصبح المرأة الثانية عشرة التي تحصل علي نوبل في الأدب منذ عام.1901 لم تكن هيرتا مولير معروفة علي الساحة الادبية, ولكنها بدأت تنتشر في أوروبا منذ فوزها بالجائزة, فترجمت خمسة من اعمالها الي الانجليزية, ثم ترجمت مؤخرا, روايتها ترنح الأنفاس الي الفرنسية. وهي رواية تعالج, مثل معظم رواياتها, موضوع النفي والاضطهاد في فترة الحكم السوفيتي والشيوعية في بلادها. فتحكي الرواية قصة ليوبولد, الشاب الروماني الذي وجد بلاده تقع تحت وطأة السلطة السوفيتية بعد الحرب العالمية الثانية. فبينما كان أسري الحرب في سائر الدول التي شاركت في الحرب ضد النازية, يعودون الي أوطانهم بعد انتهاء الحرب, كانت رومانيا تقع تحت وطأة الاحتلال, فالقت السلطات السوفيتية القبض علي كل روماني متحدث الالمانية علي اعتبار انهم كانوا يتعاونون مع النظام النازي; وتم ترحيل كل ابناء منطقة ترانسيلفانيا الذين يبلغون ما بين سن17 و45 الي الاتحاد السوفيتي, من بينهم بطل الرواية ليوبولد. ولا عجب أن اختارت مولير هذا الموضوع ليكون هو الخط الرئيسي في معظم أعمالها, فهو يعكس حياتها هي في رومانيا في السبعينات والثمانينات بعد تخرجها من الجامعة. فقد كانت مولير ابنة لسيدة رومانية, من الاقليات المتحدثة الألمانية في رومانيا; ولهذا السبب كانت والدتها مثل باقي أبناء الأقلية, هدفا للسلطات السوفيتي التي احتلت رومانيا بعد الحرب, نتيجة للاتفاقيات التي وقعت بين الحلفاء. وأمرت بترحيل أم مولير وباقي المجموعة المتحدثة الألمانية, الي معسكر عمل في الاتحاد السوفيتي حيث بقيت لمدة خمس سنوات. ولدت مولير في رومانيا عام1953, ودرست الأدبين الألماني والروماني في جامعة تيميشوارا, وانضمت الي مجموعة من الأدباء والكتاب الذين كانوا ينتقدون حكم الرئيس الروماني نيكولاي تشاوتشيسكو, وطالبوا بحرية التعبير. عملت مولير مترجمة في مصنع للآلات وعندما رفضت ان تكون جاسوسة للبوليس السري بين العمال, طردت من العمل وتعرضت للاضطهاد والتحرش. ومثل أحداث رواياتها, تعرضت اعمال مولير الاولي في عام1982 الي المصادرة, ورفضت السلطات الرومانية نشر رواياتها داخل رومانيا بسبب انتقادها للرئيس. كما تعرضت الي انتقاد المجتمع الأدبي, فاضطرت مولير الي نشر رواياتها في ألمانيا, حيث صدرت اعمالها بلا رقابة. وفي عام1987 هاجرت مع زوجها, الكاتب ريتشارد فاجنر, الي ألمانيا حيث تعيش حاليا. وفي روايتها ترنح الانفاس تتحدث مولير عن نفسها وعن والدتها بصوت بطلها ليوبولد; فكتبت عن لسانه تقول: انني امنعك من البكاء, خاصة عندما يكون هناك سبب وجيه لذلك. كنت اقنع نفسي بأن الدموع كانت بسبب البرد, وكنت اصدق نفسي; وقالت: عندما يختفي الجلد, تصبح العظام حملا ثقيلا ينغرز في الارض. وتقول: لم اكن ابدا ضد الموت بكل هذا التصميم, الا خلال تلك السنوات الخمس التي قضيتها في معسكر العمل. ان يكون المرء ضد الموت ليس بالضرورة أن تكون له حياة خاصة به, ولكن يكفي ان تكون لديه حياة لم تنته تماما.