لم تنتظر السلطة الوطنية الفلسطينية كثيرا, وبدأت حملة دبلوماسية مكثفة, استهدفت الحصول علي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية المستقلة وحدودها, بعد إعلان البرازيل والأرجنتين اعترافهما بالدولة, وبرغم بيان مجلس النواب الأمريكي بعدم الاعتراف بالدولة, إذا ما أعلن عنها من جانب واحد. أثناء زيارة المبعوث الأمريكي جورج ميتشيل لعواصم المنطقة طلب الوسيط الأمريكي من الطرف الفلسطيني إعطاء واشنطن مهلة تسعة أشهر, يتعهد فيها الوسيط بتحقيق تقدم ملموس بالتوصل إلي اتفاق إطار, يتضمن التسويات الأساسية لقضايا الوضع النهائي, تمهيدا لتوقيع اتفاق سلام مع عودة المفاوضات في شكل محادثات متوازنة بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي, يبدأ بالبحث عن دليل للمفاوضات يرتكز علي مناقشة قضية الحدود, بمشاركة مصرية أردنية, والبحث عن حل عادل ومنطقي لقضية اللاجئين وتحديد مطالب الطرفين في القدس. وبرغم خيبة الأمل التي شعر بها الفلسطينيون بسبب فشل واشنطن في إقناع إسرائيل بتجميد المستوطنات, فإنهم علي ما يبدو قد قبلوا بفكرة إعطاء الوسيط الأمريكي فرصة أخري ولكنهم في الوقت نفسه ولخوفهم من تكرار الفشل الأمريكي, بدأوا في البحث عن الخيارات أو البدائل التي تحدث عنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن عقب انهيار المفاوضات المباشرة. أوضح أبومازن أن هذه البدائل تبدأ باللجوء إلي مجلس الأمن وإعلان الدولة الفلسطينية وصولا للانسحاب أو تجميد جميع الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الوطنية منذ أوسلو وحتي الآن, مع التلويح بالاستقالة وحل هياكل السلطة وحكمها الذاتي, وأخيرا الدعوة لمقاومة شعبية مدنية وربما انتفاضة ثالثة. ويبدو أن بديل أبومازن الأول كان التحرك الدبلوماسي بحملة دولية استهدفت الحصول علي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وبحدود الرابع من يونيو1967. وبدأت السلطة الوطنية حملتها نحو جميع الدول الأعضاء في الأممالمتحدة, وبرسالة للمفوضية العليا للاتحاد الأوروبي وارتكزت الرسالة الفلسطينية علي اقناع هذه الدول بأن مثل هذه الخطوة, ستؤدي إلي حماية العملية السلمية علي أساس حل الدولتين, والضغط علي إسرائيل للقبول بالتسوية السياسية علي أساس ذلك ووقف بناء المستوطنات, وسوف تطلب السلطة الوطنية من واشنطن الطلب ذاته في رسالة سوف تتسلمها الإدارة الأمريكية خلال أيام, ويأمل الفلسطينيون بطلبهم أن تعترف هذه الدول بالدولة وحدودها وأن ترفع درجة التمثيل الدبلوماسي للبعثات فيها إلي درجة السفارة ويصطدم الطلب الفلسطيني بالموقف الأمريكي الرافض لإعلان الدولة من طرف واحد ودون مفاوضات وموافقة إسرائيلية, ويصطدم أيضا ببيان المجموعة الأوروبية الذي أوضح أن الاعتراف بالدولة الآن غير وارد في هذه المرحلة, ولهذا فإن بديل اللجوء إلي مجلس الأمن سوف ينتهي بفيتو أمريكي وربما أوروبي أيضا. ومن ثم سوف ينتقل الطلب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة, التي تعتبر أغلبية الدول فيها مؤيدة للموقف الفلسطيني ولكن قراراتها غير قابلة للتنفيذ علي عكس مجلس الأمن الدولي الذي تعتبر قراراته نافذة ويملك سلطة تنفيذها ويملك حق الاعتراف بالدولة المستقلة أما الاعتراف بالدولة المستقلة أما الاعتراف الفردي لكل دولة بقيام واستقلال دولة أخري وإن كان مؤثرا في شكله السياسي الضاغط فإنه لا يحقق شيئا علي الأرض, ولعلنا جميعا نتذكر الاعلان الأول لقيام الدولة الفلسطينية الذي تلاه القائد الفلسطيني الراحل ياسر عرفات( أبوعمار) عام1988, أثناء انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر وأسفر عن اعتراف حوالي مائة دولة من دول العالم العربي والقارة الافريقية ودول أمريكا اللاتينية وآسيا وعدد من دول أوروبا الشرقية, ولكن لم يتحقق من هذا الإعلان شئ ولم يوجد واقعا سياسيا علي الأرض, فهل سيكون هناك فارق بين إعلان أبومازن وإعلان أبوعمار؟ يأمل الفلسطينيون أن يكون هذا الإعلان وتزايد عدد الدول المؤيدة له, نوعا من الضغط علي إسرائيل للقبول بفكرة الدولة بحدودها حتي أن بعض المقربين للسلطة الوطنية وهو الوزير السابق والمفكر الفلسطيني المعروف حسن عصفور طالب القيادة الفلسطينية بالاسراع في اتخاذ خطوات نحو تنفيذ البدائل الفلسطينية ومنها إصدار تشريع قانون خاص بالدولة الفلسطينية المستقلة, تبدأ مواده بتعريف الدولة وهويتها وحدودها مع كل الجهات وتنطلق من وثيقة الاستقلال التي حددت عاصمة الدول وهي القدسالشرقية بالكامل ورسمت حدود الدولة عند حدود الرابع من يونيو67. ومن الواضح أن الفلسطينيين جادون في الاستمرار في البحث عن بدائل للمفاوضات أو علي الاقل السير بها وبشكل متواز معها, وأخشي أن ينتهي هذا البديل مع الرفض الأمريكي والتحفظ الأوروبي بنتائج ليست في مستوي قيمة إعلان ميلاد الدولة ويسفر في النهاية عن رفع درجة التمثيل الدبلوماسي من بعثة إلي سفارة ولا تتحقق فكرة الدولة علي الأرض ويكون مصير إعلان دولة أبومازن مثل مصير إعلان دولة أبوعمار منذ22 عاما. لا أحد بالطبع ضد استخدام القيادة الفلسطينية جميع الأوراق السياسية التي تمتلكها, ولكن يجب حساب توقيت استخدام هذه الأوراق حتي لا تأتي بنتائج لا ترقي للأهداف الفلسطينية. فالدولة الفلسطينية ليست فقط إعلانا سياسيا وبعثات دبلوماسية في رام الله وفي عواصم العالم, ونحن لا نقلل من قيمة الاعتراف الدولي بالدولة ولكننا نتمني أن تكون هذه البعثات في عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة, القابلة للحياة والمتصلة الأطراف, الموحدة أرضا وشعبا وقرارا وسيادة في الضفة الغربية وقطاع غزة المحمية, بمظلة عربية وشرعية دولية والمعترف بها من كل دول المنطقة والعالم, وبغير ذلك يظل حلم الدولة مجرد إعلان ومقصورا علي بنايات ترفع علم سلطة بحكم ذاتي, تعيش تحت الاحتلال مقسمة بين سلطة في رام الله وإمارة في غزة ويستمر الاحتلال وتنمو المستوطنات, وتضيع حقوق شعب بأكمله, إن للبدائل حسابات يجب أن ترتكز علي قراءة واقعية للواقع الاقليمي والدولي, حتي لانفاجأ بأنه لا فرق بين إعلان الجزائر وإعلان رام الله, ولا جديد بين اعتراف رومانيا واعتراف البرازيل!. المزيد من مقالات مجدي الدقاق