أكثر من الف فدان من أجود الأراضي الزراعية بصحراء البوصيلي وحوض الرمال بمدينتي ادكو ورشيد غمرتها المياه المالحة وتحولت إلي برك بعمق8 أمتار بينما تتعرض50 ألف فدان أخري للبوار. خطورة المشكلة لا تقف عند حد موت المحاصيل وبوار التربة بل تنذر بفشل مشروع حماية شاطيء رشيد والذي كلف ميزانية الدولة أكثر من100 مليون جنيه حيث تتواصل عمليات التجريف الواسعة للتلال الرملية وبيع ملايين الامتار المكعبة من الرمال الي تجار مواد البناء بعيدا عن أعين المسئولين. يوضح عبداللطيف زيتون(62 عاما) عضو الجمعية الزراعية بادكو أن كل أراضي حوض الرمال وصحراء البوصيلي كانت عبارة عن تلال من الكثبان الرملية القاحلة خلال التسعينيات فقام أهالي ادكو ورشيد بتسويتها بسواعدهم واستصلاحها بجهودهم الذاتية دون أن يكلفوا الدولة مليما واحدا, بل في المقابل قمنا بتقنين أوضاعنا بشراء الارض من الهيئة العامة للتنمية الزراعية وسداد كامل ثمنها, وبعد سنوات من العمل الشاق تحولت آلاف الافدنة من صحراء الي ربوع خضراء تفيض بالخير حيث جادت زراعة اشجار الموالح والفاكهة بأراضي المنطقة حتي أصبح انتاجها يغذي كل اسواق الجمهورية ويتهافت التجار علي شرائه ويوجه بعضه للتصدير الخارجي بالاضافة الي النخيل وانتاجه من البلح الزغلول, هذا الي جانب الزراعات السطحية مثل الطماطم والخيار وغيرهما, أي إننا كنا نزرع3 محاصيل في وقت واحد لكن لم يدم الحال حيث تدهورت خصوبة التربة وأصابها الضعف مع بداية التسعينيات لعدم وجود شبكة للصرف المغطي, وكانت النتيجة أن فشلت زراعة الخضر بسبب الملوحة في التربة وانتقلت المشكلة بعد ذلك الي أشجار الجوافة. يلتقط طرف الحديث المهندس عبدالفتاح سلام فيقول: أمضيت17 عاما أعمل بالخليج في احدي محطات معالجة المياه والصرف الصحي وبعد الغربة الطويلة جمعت تحويشة العمر وعدت الي رشيد حيث قمت بشراء15 فدانا بمنطقة البوصيلي وزرعتها بأشجار التفاح والمانجو والبرتقال وكان حلمي يكبر مع نمو الاشجار ورعايتها من خلال عمليات التقليم والتسميد وغيرها حتي بدأنا في جني الثمار الا ان الحلم سريعا ما تحول الي كابوس, حيث بدأت الأشجار في الجفاف وتساقطت ثمارها وأوراقها تدريجيا أمام أعيننا دون أن نتمكن من فعل شيء بسبب ارتفاع منسوب المياه المالحة وعدم وجود شبكة للصرف المغطي, وبرغم الشكاوي والتلغرافات العديدة التي ارسلناها الي وزير الزراعة لم يحرك أحد ساكنا مما دفعنا الي جلب الرمال الموجودة بالكثبان والتلال الرملية ونقلها إلي الحقول لتعلية سطح التربة بارتفاع متر هربا من المياه وأفاد الحل لمدة4 سنوات لكن سرعان ما ارتفع منسوب المياه وعاودت المشكلة في الظهور واضطررنا إلي رفع مستوي التربة مرة أخري لكن الأمر لم يكن بالسهولة هذه المرة حيث لم تعد هناك اي تلال للكثبان الرملية بالمنطقة بسبب عمليات بيعها مما جعل سعر حمولة النقلة الواحدة ترتفع من15 إلي70 جنيها اي أن تعلية الفدان بمعدل متر واحد تتطلب150 ألف جنيه وهو مالا يتحمله أي مزارع, فلم نجد مفرا من استقطاع فدان من كل10 أفدنة واستخدام الكراكات لتجريف الرمال به بعمق8 أمتار واستخدام الناتج في تعلية باقي مساحة الحقل. View إدكو ورشيد in a larger map أما أحمد عبدالمهيمن عضو المجلس المحلي فيوضح ان مساحات كبيرة من أراضي إدكو تم استقطاعها خلال الستينات من بحيرة ادكو بعد تجفيف اجزاء كبيرة منها بغرض استصلاحها وزراعتها وكان يشرف عليها آنذاك المؤسسة العامة لاستصلاح الأراضي التي تحولت فيما بعد إلي الهيئة العامة للتنمية الزراعية وتم عمل مصدرين لري الاراضي هما مشروع ناصر الذي يتغذي من ترعة منية السعيد و مشروع هلوته المتفرع من ترعة فزارة حيث تم تركيب عدد من محطات الرفع لتغذية الترعتين بالمياه إلا أن المؤسسة قامت بتوزيع الاراضي علي المزارعين وبيعها لهم وبمرور الزمن تعطلت محطات الرفع فقامت المؤسسة برفعها وبيعها وعليه انخفض منسوب المياه في ترعتي ناصر وهلوته بصورة ملحوظة. ويشير أبوالعلا النظامي عضو المجلس المحلي بالمحافظة إلي صدور قرار من وزير الزراعة عام91 يقضي بإنشاء شبكة للري والصرف بمنطقة حوض الرمال1 لخدمة مساحة21 ألف فدان كمرحلة أولي. وقتها تفاءل المزارعون لكون القرار سيضع نهاية لمعاناتهم من انقطاع مياه الري وتلف المحاصيل وبالفعل تم إنشاء الترعة الرئيسية لري الأراضي لكن تعثر مشروع الصرف المغطي ونظرا لارتفاع منسوب البحر عن هذه الأراضي علاوة علي تراكم المياه الزائدة عن عملية الري إرتفع منسوب المياه الجوفية وتدهورت أوضاع التربة وتلفت المحاصيل. وأمام خطورة الوضع تحركت الاجهزة الشعبية للمطالبة بإنقاذ المزارعين من الضياع وبالفعل صدر قرار الاستيلاء ونزع الملكية للاراضي اللازمة لإنشاء مصرف يخترق حوض الرمال بطول4 كيلومترات لربط شبكة الصرف ومحطة الصرف المزمع إنشاؤها غير أن العمل في المصرف استغرق7 سنوات حتي انتهي. أما محطة الصرف فتجسد صورة صارخة لإهدار المال العام حينما تم استيراد جميع معداتها الميكانيكية والكهربائية وتشوينها داخل المخازن لحين إتمام انشاء أعمال القواعد الخرسانية بها حيث طرحت العملية للانشاء في27 مارس عام2000 وأسندت بالفعل إلي احدي الشركات واثناء عمل الجسات لاختبار التربة اعترضت احدي الوزارات السيادية علي الموقع فتوقف العمل وتم البحث عن موقع بديل واثناء ذلك كانت المدة الزمنية المحددة في كراسة الشروط ومقدارها18 شهرا قد انتهت وبعد فترة طويلة تم الاتفاق علي موقع جديد وأسندت الاعمال الي نفس الشركة التي بدأت في2004 عمل الجسات الجديدة والخوازيق وأوضح أن الشركة عادت واعترضت علي قيمة العملية بسبب الزيادة التي طرأت علي أسعار الخامات مثل الحديد والاسمنت والتي بلغت8 ملايين جنيه وتقاعست عن التنفيذ وقامت برفع دعوي ضد الهيئة برقم28469 لسنة59 قضائية في3 مايو وكانت المحصلة توقف الاعمال حتي الآن حيث لم تنفذ أية أعمال إنشائية بالمحطة حيث يحتوي الموقع علي نصب تذكاري فقط به حجر أساس المحطة التي مضي علي إنشائها أكثر من16 عاما دون أن تري النور. وبصوت يفيض بالمرارة يقول المهندس الزراعي عبدالوهاب مرعي أحد المزارعين بحوض الرمال لقد خربت بيوتنا وأثقلتنا الهموم والديون وأصبح المئات منا مهددون بالسجن بسبب عجزهم عن سداد أقساط بنك التنمية وديون أصحاب ووكالات الفاكهة. ويكشف أن الشركة القابضة للتنمية طالبت المزراعين عند تقنين أوضاعهم في الثمانينات بسداد مبلغ400 جنيه عن الفدان الواحد بالاضافة إلي سداد ألف جنيه أخري تكلفة توصيل البنية الأساسية من ري وصرف إلي الأرض لكن للأسف لم يتم تنفيذ أية أعمال ري أو صرف باستثناء ترعة القضاة وتدريجيا ارتفع منسوب المياه الجوفية وتدهورت خصوبة التربة وبدأت الزراعات في الجفاف وازاء الوضع المتدهور اضطر المزارعون إلي الحصول علي قروض من بنك التنمية والائتمان الزراعي وسلفيات أخري من أصحاب الوكالات حتي يتمكنوا من استئجار الكراكات والجرارات لحفر الرمال وتعلية التربة لكن المحصلة صفر ويشير إلي توغل مياه البحر المالحة إلي أراضي المنطقة لكون تربتها تربة رسوبية ضعيفة وتتميز برمالها الناعمة ذات النفاذية العالية.