حالة' ذعر' شديدة تلك التي أصابت رئيس الوزراء الايطالي' سلفيو بيرلسكوني' طوال الاسبوعين الماضيين, وهو يري أحزاب المعارضة, والمنشقة عن تحالفه اليميني, تتكتل وتترصد له. .. بتشكيل قطب وسط جديد.. ينتقي خصومه السياسيين.. العازمين علي تقديمه للعدالة بعد تجريده من الحصانة السياسية التي أقرها لنفسه من خلال قانون' الفانو' الشهير.. تلك الحالة أنعكست بوضوح.. علي سلوكيات كواليس الساحة السياسية السابقة' لمهرجان' اقتراع الثقة ضد حكومة سلفيو بيرلسكوني, باحداث اكثر إثارة من مفاجئة نجاة الحكومة اليمينية من سقوط محتوم بعد تكالب حلفاء الامس مع معارضي اليوم لإقصاء بيرلسكوني نهائيا من الحياة السياسية في إيطاليا.. فقد أصدر رئيس الحكومة الذي حرص ولآول مرة علي اصطحاب طبيبه الخاص تحت قبة البرلمان, للتدخل فيما لو تأثر صحيا بنتائح الاقتراع!!..' وأصدر أمرا' بحتمية حضور كافة نواب يمين الوسط, دون أعذار.. حتي لو كانواعلي اسرة الموت, او المرض.. او غرف الولادة!!.. وغياب' صوت' يعني نهاية لبرلسكوني شخصيا.. ونظرا لأن أصوات النائبات قد تحسم مصير الحكومة دخلت ثلاثة برلمانيات حوامل إلي مقر البرلمان إحداهن داخل سيارة إسعاف تصرخ لمبتها الحمراء بطول الطريق المؤدي الي' مونتشيتوريو' وسط إندهاش وظنون المتظاهرين! واثنتان علي كرسي متحرك مهددتان بالولادة المفاجئة وهن نائبتان عن حزب المستقبل والحرية الحزب المنشق حديثا عن الإئتلاف الحاكم( قمن بالتصويت لصالح بيرلسكوني) بينما الأخري تنتمي إلي شعب الحرية الحاكم.. كثير من منازل انصار بيرلسكوني تحولت الي' غرف عمليات' تشبه خلايا التنظيمات السياسية السرية التي تتحاور بالهمس, وتعيد رصد الارقام, وحساب المؤيدين والمعارضين, مشددة فيما بينها علي خطورة' الخيانة'!!.. وتعيد توزيع الصفقات المقترحة من' الزعيم', والوعود السياسية والشخصية ايضا.. وشراء الاصوات, التي تجري نيابة روما بشأنها تحقيقا واسعا, فالقضية لم تعد سياسية فقط بل أصبحت تحديا شخصيا مع رئيس مجلس النواب.. ولبرليسكوني.. طوق' نجاة' من مطاردة قضائية فور سقوط' ورقة التوت' الدستورية التي تؤمن حصنا منيعا ضد محاكم مترصدة لإدانة بيرلسكوني في قضايا فساد ورشوة.. لا تحتمل الجدل.. مجلة( فاميليا كريستيانا) الكاثوليكية الناطقة بأسم الفاتيكان ادانت' سوق' أصوات البرلمانيين, مشيرة الي ان' التعريفة التي تطبق هذه الأيام حول الأسعار التقريبية للتصويت علي منح ثقة للحكومة تتجاوز فضيحة الرشاوي لعام1993' التي عرفت ب' تاجينتوبولي' اي الايدي النظيفة!!. وأكدت المجلة أن' الخونة ذاتهم( في إشارة إلي البرلمانيين) في المقابلات التي تجريها يعترفون بهدوء بكونهم عناصر نشطة في السوق' وأن' ثمن الخيانة اتخذ أشكالا أكثر حداثة لكن دون أن يتغير معناه'!!. خلال نحو30 شهرا من قيادة بيرلسكوني لحكومته الثالثة, تفجرت كثير من الاخبار الملتهبة حول سمعته وسلوكياته الشخصية.. تحولت الي فضائح في عيون كثير من الدول.. لكنها كانت مادة' ثرثرة' مسلية داخل المكاتب والاروقة والمواصلات العامة.. وأيضا بين الاصدقاء والازواج.. وإحتلت مساحات واسعة في برامج' التوك شو' التليفزيوينة.. ليس أكثر.. في تصور يعطي شيئا من العذر لمرحلة' المراهقة' الثالثة التي يعانيها كثير من شباب فوق السبعين.. ولا يقدرون علي تطويع ظروفهم للتمتع بها.. لافتقارم لثروة بيرلسكوني.. لكن المشكلة الحقيقية.. ان بيرلسكوني لم يتمكن من إقناع الشعب الايطالي بمزايا حكمه الملئ بالوعود الانتخابية التي تضمنت خفض الضرائب علانية, لكنه سحب الدعم عن14 مليون من أصحاب المعاشات.. وقلص ميزانية البحث العلمي والتعليم الجامعي, ووقف تعينات المعلمين بالمراحل الدراسية المختلفة, وضغط فرص المنح الدراسية الداخلية التي كانت تعتمد عليها الاسر محدودة الدخل في تعليم أبناءها.. ورفع الحد الادني لمعيار الفقر حتي تقل اعداد الاسر المستفيدة من الدعم الصحي, ولم يعبئ بصراخ طلاب الجامعات المتضررين من رفع المصروفات السنوية.. حتي أصبح عبئا ثقيلا علي الحياة اليومية للايطاليين, فاندفع الطلاب في مظاهرات ومصادمات مع الشرطة لدي تلقيهم أنباء عن تجاوزه الازمة.. وحصوله علي ثقة مجلس النواب.. واختفاء أحلام التغيير.. الدوائر السياسية في روما, سواء القريبة او البعيدة عن بيرلسكوني.. تجمع علي أن نتائج أقتراع حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء سلفيو بيرلسكوني, رغم حصوله علي ثقة مجلس الشيوخ والنواب, لم تسفر عن إنتصارا سياسيا, سواء لبيرلسكوني او خصومه السياسيين, مشيرة الي ان هذه الثقة الهشة لن تحقق الاغلبية المريحة التي يتمكن من خلالها تمرير القوانين وتنفيذ برنامج حكومته, وربما تمنحه مزيد من الوقت لكنها لن تؤمن استمرار حكمه حتي نهاية الدورة التشريعية الراهنة التي تنتهي في أبريل2013 م, مما سوف يرجح توجه الاغلبية اليمينية التي تضم رابطة الشمال المباردية الي اللجوء الي الانتخابات السياسية المبكرة.. وهو ما كان قد اعلنه وأكده لمبرتو بوسي الحليف الاستراتيجي لبيرلسكوني في إئتلاف يمين الوسط, من ان صوتا او صوتين لن يحققا إستقرارا سياسيا للحكومة علي الاطلاق, داعيا في تلك الحالة العودة الي صناديق الاقتراع, وإجراء إنتخابات سياسية مبكرة قد تشهدها البلاد في الربيع المقبل.. وفيما لو تمسك بيرلسكوني بأكمال الدورة التشريعية فأن الازمة السياسية الراهنة المتعلقة بثقة البرلمان سوف تتجدد في ظل أغلبية هشة من شأنها ان تفقد الحكومة شرعيتها.. كما تري الدوائر السياسية في روما, بأن الفائز الحقيقي في اقتراع الثقة هو فن المساومات والصفقات وربما شراء' ذمم' بعض البرلمانيين من حزب إيطاليا القيم, وحمائم حزب الحرية والمستقبل), وهو ما سوف يتبين بوضوح خلال التشكيل الوزاري الجديد الذي سوف يضطر بيرلسكوني لإعلانه, تنفيذا لوعوده وضغوطه السياسية للحصول علي ثقة البرلمان وان كان هشا كما حدث بالفعل. خاصة وان بيرلسكوني لم يحقق إنتصارا سياسيا حاسما, تؤمن به أغلبية مريحة في مجلس النواب, كما لم تعترف صفوف قطب الوسط بإجراء اقتراح سحب الثقة بالهزيمة.. ومن أهم مظاهرها إضطرار رئيس مجلس النواب' جان فرانكو فيني' لتقديم إستقالته, كما كان قد أعلن قبل إقتراع الثقة حال حصول بيرلسكوني علي أصوات تتجاوز العشرة.. وليس مجرد ثلاثة أصوات كما توقع بالفعل.