لم ينجح زعيم سياسي في التاريخ المعاصر, مثلما نجح رئيس الوزراء الايطالي سلفيو بيرلسكوني في توحيد صفوف الاغلبية والمعارضة, بجميع اطيافها السياسية, حول المطالبة برأسه, وإراحة البلاد من مشاكله وفضائحه التي نالت من سمعة حلفائه السياسيين ووزراء حكومته, مثلما أفزعت خصومه السياسيين, كما ضربت مكانة إيطاليا في عيون العالم, وهو ما هز عرشه أمام مؤيديه, وتسبب في إنهيار مؤشرات شعبيته. حلفاء تحالف يمين الوسط, يخططون للتخلي عنه بدون خسائر.. والافضل بمكاسب, تصبح فيها عملية الانسلاخ السياسي, بدون ألم, بعد ان استنفذ رئيس تحالف يمين الوسط فرص الرسوب السياسي, وأصبح عبئا ثقيلا علي مسيرة أحزاب اليمين ويمين الوسط التي قررت التطوع باستئصاله نهائيا من عالم الاستعراض السياسي, بينما لم يصل طموح وقدرات يسار الوسط القيام بهذه المهمة, طوال صراع سياسي إمتد من عام1994 الي الآن. رابطة الشمال اللمباردية اليمينية المتطرفة, الدافعة لأستقلال الشمال الصناعي الغني بمدخرات الجنوب عن الجنوب الزراعي الفقير, تخشي إهدار مكاسبها السياسية التي تحققت خلال العامين الماضيين بفضل تمرير الفيدرالية الاقتصادية التي وعدت بها الناخبين, واستمرار بيرلسكوني في الحكم يهدد تلك المكاسب فيما لو قرر الرئيس الايطالي للخروج من الازمة تشكيل حكومة تكنوقراطية, تمهد لأنتخابات سياسية مبكرة, غالبا لن تتجاوز الربيع القادم باي حال من الاحوال. الحليف اللدود لبيرلسكوني, قرر إنهاء اللعبة السياسية بسحب وزرائه من الحكومة, وهو مافرض علي بيرلسكوني الاختيار بين الاستقالة, او السقوط دستوريا ونهائيا داخل البرلمان, علي غرار ما تعرض له رئيس الوزراء السابق رومانو برودي منذ أقل من عامين. أعلنت الكتلة المؤيدة لرئيس البرلمان الايطالي جانفرانكو فيني عن تشكيل' اغرب' قطب سياسي جديد يضاف الي قطب اليمين واليمين المتطرف بزعامة سلفيو بيرلسكوني, وقطب اليسار بزعامة برساني والقطب الثالث يضم أحزاب وسط اليمين المستقبل والحرية, ووسط اليسار مارجريتا, يساندهم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وريث الحزب الديمقراطي المسيحي الذي حكم إيطاليا لآكثر من50 عاما, أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية أعوام التسعينات. واعلن جان فرانكو فيني رئيس مجلس النواب يوم14 ديسمبر الحالي يوما حاسما في مصير الحكومة الراهنة وأيضا مستقبل بيرلسكوني السياسي, حيث تواجه الحكومة اخطر اقتراع ثقة مسبق النتائج بعد إعلان القطب الثالث الذي سيصوت ضد الحكومة, معلنا موتها المبكر, ووصول مسيرة بيرلسكوني الي أخر محطاتها السياسية, وإعادة الكرة الي ملعب رئيس الدولة جورجو نابوليتانو الذي سوف يضطر الي قبول استقالة الحكومة, والبحث عن أغلبية جديدة لن يتمكن بيرلسكوني من العثور عليها قد يملؤها القطب الثالث في غياب حلفاء الأمس, او لجوء الرئيس الايطالي إلي تشكيل حكومة تكنوقراطية تسيير امور البلاد حتي نهاية الدورة التشريعية الراهنة في ربيع2013, وهو الاقتراح المرفوض مسبقا من تكتل يمين الوسط, مما قد يدفع الرئيس نابوليتانو الي حل البرلمان والدعوة لجر البلاد إلي انتخابات سياسية مبكرة في ضوء الخريطة السياسية الجديدة. الواقع الراهن, يرصد بداية تخطيط بيرلسكوني للاطاحة بحليفه فيني عقابا له علي انتقاد خضوع بيرلسكوني لسيطرة رابطة الشمال الانفصالية الشريك الرئيسي في الائتلاف اليميني الحاكم علي مقدرات الحكومة, الي قرار فيني الرد, بالتخلص نهائيا من بيرلسكوني, وشكل من اجل ذلك ما يطلق عليه في روما قطب الشيطان, الذي يضم لاول مرة في تاريخ الاحزاب السياسية المعاصرة' تحالف النقيضين', أحزاب من اصول فاشية وهي التحالف الوطني الذي اصبح الآن المستقبل والحرية, مع احزاب من اصول شيوعية و هو حزب مارجريتا الذي حركته إيديولوجيته الجديدة الي الوسط, وأصبحت الاحزاب السياسية الايطالية بدون وسط, أي لم يعد هناك يمين وسط او يسار وسط, بعد ان تبلور الوسط في قطب مستقل من المتوقع ان يتصدر تكتلات اليمين واليسار في الانتخابات السياسية المقبلة, مما يعني نهاية قاطعة لعودة بيرلسكوني للسلطة في ظل خيبة الامل الكبيرة التي هزت قاعدته الشعبية ليس بسبب فضائحه, ولكن لعدم وفائه بتنفيذ وعوده السياسية لدي الناخب الذي ضاعفت الحكومة من الضرائب المفروضة عليه بجانب الاستقطاعات الضخمة في قطاع الصحة والتعليم والبحث العلمي, حيث يشتهر المواطن الايطالي بقدرتة علي تحمل اخطاء قياداته السياسية, إلا اذا إمتدت تلك الاخطاء الي قرارات تمس حافظة نقوده, عندها لايحتمل أحد!