ليس شارون وحده الذي لايزال علي قيد الحياة رغم موته من الوجهة الواقعية والسياسية منذ أن دخل في غيوبة عميقة في الرابع من يناير2006, ربما كانت هذه ايضا هي حالة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. التي تبدو وكأنها لاتزال خيارا حيا رغم موتها, من دون إعلان وفاة, بعد ان استنفدت مهامها ولم يعد ممكنا احراز تقدم علي مسار التسوية اذا أعيد تدوير هذه المفاوضات وحتي اذا اعطي الطرفان وقتا اضافيا آخر. وربما حان الوقت لأن نقرر أن الأزمة ليست فقط في المسار التفاوضي بسبب اشكالية مواصلة النشاط الاستيطاتي وانما تقع الأزمة في صلب الخيار التفاوضي نفسه لأن الطبيعية الخاصة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وقضاياه الشائكة لايمكن حلها بالاعتماد علي المفاوضات المباشرة بين الطرفين. وخلافا لما هو شائع في الخطاب العربي الإعلامي فإن مراحل المفاوضات كانت محدودة وأقل كثيرا من المراحل الاخري الأطول زمنيا والتي اعتمد فيها الفلسطينيون خيارات اخري بديلة للمفاوضات بما فيها خيارات الانتفاضة المسلحة والمبادرة إلي خيار مواز للمفاوضات ومتجاوز لها يعمل علي بناء الدولة المتدحرجة لإعلان استقلالها من طرف واحد( مشروع رئيس الوزراء سلام فياض). ورغم أهمية ماحققته هذه الخيارات البديلة من انجازات واخفاقات فإنه يجب الاعتراف بشجاعة بأن الوضع الفلسطيني وصل إلي مفترق طرق بعد انسداد افق كل من خيار التفاوض وخيار المقاومة. وهذه الحالة لم تعد تسمح للفلسطينيين بالمراوحة أطول من ذلك في وضعية اللاتفاوض واللاحل لأن دالة الزمن لاتعمل في صالحهم حيث يتم بوتيرة متسارعة للغاية قضم المزيدمن مساحة الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية المرتقبة. كانت الأزمة الراهنة قد سمحت اخيرا بالبحث جديا عن خيارات استراتيجية بديلة للخروج من أزمة الخيار التفاوضي لكن هذه العملية الخطيرة لم تتجاوز بعد الهوامش الضيقة للشعارات أو لطرح العناوين, فيما يتطلب هذا التحول الخطير البدء بترسيخ عدد غير قليل من الاسس والقواعد الضرورية لبناء هذه الخيارات البديلة. اذ ينبغي اولا اجراء مراجعة نقدية عميقة لمجمل العملية التفاوضية والتأكد تماما من استنفاد مهامها, وانه لم يعد من المجدي العودة لهذه العملية, وفي سياق مواز ينبغي اخضاع كل الخيارات البديلة المتاحة لدراسة آخري خارج الحسابات الفصائلية الضيقة وبالاستناد إلي آراء وأفكار الخبراء المتخصصين المتحررين من بيئة التفكيرالنمطي التي تأسر الفريق الفلسطيني المفاوض, ومن ثم تجري عملية المفاضلة بين هذه البدائل وترقيمها وترتيبها من حيث قدراتها القائمة والكامنة علي التحقق بعيدا عن اغواء عقلية تسجيل المواقف, وربما وجب التذكير هنا بالحجم الكبير لحركات التحرر التي انتكست وتسببت في الحاق الهزائم بشعوبها بعد ان تورطت في مغامرات عنترية غير مسحوبة تحت الراية الزائفة لتسجيل المواقف التاريخية. كما يستوجب الأمر ذاته بناء أوسع اجماع وطني يلتف حول هذه الخيارات البديلة ويكون في الوقت نفسه مستعدا لتحمل تبعاتها التي قد تكون اكثر كلفة من الحوافز التي يتحصل عليها من مواصلة الاندماج في تدوير العملية التفاوضية. لكن توافر هذه الشروط الاساسية لايغني ابدا عن ضرورة استكمالها ببناء اوسع جبهة داعمة من الحلفاء والعاطفين علي المستوي الإقليمي والدولي, لأن الخيارات البديلة تبني بالاستناد إلي مثل هذه الجبهة وليس بالمجابهة مع المجتمع الدولي وقواه الأساسية المتنفذة, وربما وجب القول هنا بكل صراحة بأن الحركة الصهيونية تمكنت من حل مايسمي بالمسألة اليهودية في غضون خمسين عاما فقط, بسبب وعيها الثاقب للطابع الدولي للصراع في فلسطين وعليها, وقد انجزت مهمة انشاء الدولة بالاعتماد الكبير وليس الوحيد علي العامل الدولي والذي بدأ في عام1917 بوعد بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمي في حينه وانتهي بنقل مركز ثقل تحالفها الي الولاياتالمتحدة التي وقفت مع الاتحاد السوفيتي بقوة وراء استصدار القرار الدولي بتقسيم فلسطين في عام1947 وبالمقابل قد يكون محرجا وجارحا مصارحة النفس بالاخطاء التي ارتكبتها في نفس المجال القيادات الفلسطينية المتعاقبة من الحاج أمين الحسيني إلي الرئيس الراحل ياسر عرفات بعدم تقديرهم ربما بالقدر الكافي للدور الحاسم الذي يلعبه العامل الدولي في حل المسألة الفلسطينية. وفضلا عن كل ذلك فانه لايستقيم البحث عن خيارات استراتيجية بديلة للخروج من أزمة الخيار التفاوضي من دون الاخذ بالاعتبار الموقف الإسرائيلي وردود فعله علي اي من هذه الخيارات البديلة, ولاسبيل إلي المكابرة في هذه الحقيقة العنيدة, وهذا الأمر يبدو واضحا بجلاء في التجربة المعاصرة لحركة حماس وحزب الله بعد ان اضطر إلي وقف أو تجميد خيار المقاومة المسلحة علي ضوء معطيات ردود الفعل الإسرائيلية, وما جري لخيار المقاومة ينسحب بالاحري علي خيار المفاوضات, كما علي اغلب الخيارات الاخري البديلة, ان الحديث عن البدائل لخيار المفاوضات يتسع احصائيا إلي قائمة طويلة ربما تشتمل علي نحو عشرة خيارات بديلة, وقد يتوجب علينا قبل عرض وتحليل اهم هذه الخيارات ان نحدد علي نحو واضح ودقيق ما اذا كنا لانزال متعلقين بخيار حل الدولتين آخذين بعين الاعتبار الشروط المحتمة التي ستفرض علي هذا الحل, وعلي الدولة الفلسطينية المستقلة ام انه من المناسب اكثر الانحياز لخيار الدولة الواحدة ثنائية القومية مع الاخذ بعين الاعتبار ايضا كل الصعوبات والمحاذير التي تكتنف هذا الخيار, ثمة خيار ثالث يقع بين هذه وتلك ويتمثل فيما يسمي بالتسوية المرحلية أو الدولة المستقلة في حدود مؤقتة بصلاحيات سيادة وبعضوية في الأممالمتحدة. علي ضوء التوصل الي قرار حاسم بشأن اعتماد اي من هذه الخيارات الثلاثة, يمكن بعدها فقط اعتماد الاستراتيجية البديلة الخاصة التي تضمن تحقيق هذا الهدف لانه لايوجد في الواقع استراتيجية واحدة تمتلك نفس القدرات السحرية لجني مصباح علاء الدين وتصلح لتحقيق هذه الخيارات الثلاثة. تبدو هذه المقدمة ضرورية لكل عرض تحليلي يتناول لاحقا الخيارات البديلة المتداولة الآن مثل حل السلطة أواللجوء إلي الأممالمتحدة أو حل الدولة الواحدة ثنائية القومية وغيرها من الخيارات البديلة.