الليثيوم القصة الكاملة| تراجعت أسعار المعدن وبدأت التخفيضات على السيارات الكهربائية    استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة آخرين في مخيم النصيرات بغزة    وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظومات باتريوت    أرقام قياسية بالجملة للأهلي بعد الوصول لنهائي إفريقيا الخامس تواليًا    «ونعم الأخلاق والتربية».. تعليق مثير من خالد الغندور على احتفال محمد عبد المنعم بهدفه في مازيمبي    رسالة شديدة اللهجة من خالد الغندو ل شيكابالا.. ماذا حدث فى غانا؟    طارق يحيى يهاجم مسئولي الزمالك: كله بيشتغل للشو و المنظرة    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    «حماس» تتلقى ردا رسميا إسرائيليا حول مقترح الحركة لوقف النار بغزة    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    2.4 مليار دولار.. صندوق النقد الدولي: شرائح قرض مصر في هذه المواعيد    كولر : جماهير الأهلي تفوق الوصف.. محمد الشناوي سينضم للتدريبات الإثنين    "في الدوري".. موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد الفوز على مازيمبي    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    حضور جماهيري كامل العدد فى أولي أيام مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير .. صور    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    حريق يلتهم شقة بالإسكندرية وإصابة سكانها بحالة اختناق (صور)    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    حمزة عبد الكريم أفضل لاعب في بطولة شمال أفريقيا الودية    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    علي الطيب: مسلسل مليحة أحدث حالة من القلق في إسرائيل    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    السيسي محتفلا ب"عودة سيناء ناقصة لينا" : تحمي أمننا القومي برفض تهجير الفلسطينيين!!    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مائة وأربعون عاما من التنوير

عنوان تلك المقالة هو ذاته العنوان الذي اختارته دار الكتب المصرية عنوانا لاحتفال هادئ ووقور بمرور مائة وأربعين عاما علي إنشائها‏.‏ وهي تمثل نموذجا لريادة مصرية حقيقية في العالمين العربي والإسلامي‏. وأحسب أن تلك المناسبة لم تحظ بالاهتمام الواجب علي الأقل من جانب المؤسسات التعليمية والبحثية التي ظلت دار الكتب رافدا اساسيا من روافدها العلمية‏.‏
فقد حفظت تلك الدار لآلاف الباحثين تراثا ثقافيا وفكريا كان الأساس لأعداد غير محدودة من البحوث والدراسات والمؤلفات التي بشرت بالنهضة الفكرية المصرية وعبرت عنها‏.‏ فلم يظهر عمل أصيل في التاريخ والفقه والتفسير والحديث والجغرافيا والفلك والعمارة والفلسفة والعمارة وتاريخ العلوم وغيرها دون أن يرتاد أصحابها قاعات تلك الدار بحثا بين كنوزها عن ذخائر المعرفة‏.‏
حضر وزير الثقافة افتتاح المؤتمر الاحتفالي بتلك المناسبة دون أن يلقي كلمة في نخبة من الباحثين والمثقفين المصريين والعرب والأجانب‏.‏اجتمعوا احتفاء بمناسبة تستحق أكثر مما لقيت‏.‏ ولكن ذلك لاينفي حقيقة أن فاروق حسني هو أكثر وزراء الثقافة الذين أعادوا الاعتبار لتلك المؤسسة الثقافية العريقة ووضعها علي خريطة مؤسسات التنوير الكبري في الحياة الثقافية المصرية والعربية والإسلامية المعاصرة‏,‏ فهذه الدار هي اقدم المؤسسات التابعة لوزارته وواسطة عقد هيئات الثقافة المصرية‏.‏ فقد أعاد الرجل الحياة لمبني الدار في باب الخلق تحفة معمارية تحمل عبق التاريخ وتوفر أوعية حديثة لتراث قديم‏.‏ واختار لقيادتها رجلا تقدم برسالتها وقدراتها خطوات طويلة إلي الأمام هو الدكتور محمد صابر عرب‏.‏
ولدت دار الكتب عام‏1870‏ فما عادت الحياة بعدها كما كانت‏.‏ فهي دار التنوير الذي بدد ظلاما خيم علي الفكر المصري وإبداعاته قرونا طويلة‏..‏ شعلة أضاءت في عصر انتفاضة العقل المصري‏.‏ ووعاء حفظ تراث أمة كان عرضة للنهب والسلب والضياع قرونا طويلة‏.‏ وصفها البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وقد عمل سنوات في دار الكتب‏:‏ وجدت نفسي أعمل في أكاديمية رفيعة‏.‏ تعلمت فيها ما لم أتعلمه في أي مكان من معاهد العلم التي انخرطت في سلكها طالبا أو باحثا أو عضوا في هيئات تدريسها علي اتساع ذلك بين بلدان الشرق والغرب‏.‏
كانت خزانة كتب العصر الفاطمي هي آخر عهد المصريين بالمكتبات الكبري وقد كانت تضم أكثر من ستمائة ألف مجلد حتي وصفت بانها من عجائب الدنيا‏.‏ ولم يكن في بلاد الإسلام دار كتب أعظم منها‏.‏ وبعد سقوط الدولة الفاطمية بيعت تلك المكتبة وتبعثرت كنوزها إلا‏100‏ ألف كتاب كان قد اشتراها القاضي الفاضل ليضعها في مدرسته الفاضلية‏.‏ وتعرض مخزون مصر من المخطوطات للضياع بالوعي الذي غاب بأهمية الكتب التي تمتلكها والتي تناثرت في المساجد وقصور الأمراء والأثرياء وبيوت العلماء وايدي التجار الأجانب والقناصل الذين حملوا تلك الثروة لتستقر في المكتبات الوطنية للعديد من البلدان الأوروبية‏.‏
وجاء علي مبارك من بعثته وقد رأي المكتبة الوطنية الفرنسية فأعجب بها ولابد وانه رأي فيها كثيرا من المخطوطات المصرية التي سلبت اثناء الحملة الفرنسية فاقترح علي الخديوي إسماعيل إنشاء مكتبة كبيرة تضم شتات الكتب والمخطوطات المبعثرة حماية لها من الضياع‏..‏ وصدر قرار الخديوي إسماعيل بإنشاء الكتبخانة الخديوية المصرية لتحتل الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفي فاضل بدرب الجماميز مقرا لها‏.‏ وفي سبتمبر‏1870‏ افتتحت رسميا للجمهور بغرض القراءة و الاطلاع و النسخ و الاستعارة‏.‏ وأوقف الخديوي إسماعيل عشرة آلاف فدان للإنفاق من ريعها علي تلك الدار‏.‏ ومع تزايد أعداد الكتب والمتعاملين مع الدار صدر قرار الخديوي عباس حلمي الثاني عام‏1899‏ بإنشاء مبني جديد لدار الكتب في باب الخلق وفتح أبوابه للجمهور عام‏.1904‏ واستمرت دار الكتب في أداء وظيفتها حتي سبعينات القرن الماضي عندما انتقلت الي مبناها الجديد علي كورنيش النيل برملة بولاق‏.‏ وأهمل المبني التاريخي العريق حتي بدأت عمليات ترميمه وإعادته إلي الحياة قبل نحو عشر سنوات بتكلفة بلغت‏85‏ مليون جنيه‏.‏
ذلك هو تاريخ دار الكتب أما مستقبلها فهو ساحة مفتوحة لأدوار هائلة نتطلع أن تقوم بها تلك الدار في السنوات القادمة‏.‏ فعمليات الحفظ والإتاحة اللتين قامت بهما تغيرت وتبدلت بفعل تكنولوجيا الاتصال‏.‏ لقد بدأت عمليات التحول الرقمي في حفظ المخطوطات وذخائر الكتب‏,‏ إلا أن حجم المقتنيات يفوق كثيرا القدرات الحالية‏.‏ الأمر الذي يتطلب تدخلا لسرعة إنجاز تلك المهمة التي تيسر للباحثين مهمة الاطلاع من جانب‏,‏ وتحفظ تلك المقتنيات الثمينة من تداعيات الاستخدام من جانب آخر‏.‏ ومع كامل التحول الرقمي يمكن الحديث عن مزايا الاستخدام عن بعد لكثير من الكتب والمخطوطات التي قد تري الدار إتاحتها علي موقع إلكتروني يخصص لذلك الغرض بدلا من ضرورة الانتقال إلي مقارها سواء في رملة بولاق أو باب الخلق ولامانع من رسوم بسيطة تساعد في تجويد مستوي تلك الخدمات الإلكترونية للباحثين‏.‏ وكذلك فإن الاستخدام عن بعد يمكن أن يوسع من دائرة مستخدمي دار الكتب المصرية في كافة البلدان حيث تعد بمقتنياتها من المكتبات الوطنية الكبري في العالم التي يحتاجها باحثون كثيرون في بلدان مختلفة‏.‏ فهناك‏57‏ ألف مخطوط تعد من أنفس المجموعات علي مستوي العالم قاطبة‏,‏ بتنوع موضوعاتها‏.‏ ورغم جهود كبيرة بذلت في مجال ترميم الوثائق والمخطوطات وتوطين تلك المهارات‏,‏ إلا أنها لاتزال بحاجة إلي المزيد من القدرات التي تمكنها من التعامل مع ذلك الكم الهائل الذي يحتاج إلي الترميم‏.‏ والمتابع لما قامت به دار الكتب علي مدي تاريخها لابد وأن ينتهي إلي ضرورة أن تضيف تلك الدار إلي روافد عملها رافدا بحثيا أكاديميا يسهم في تطوير مناهج معالجة الوثائق والمخطوطات وتحقيق التراث‏.‏ فتلك الدار التي يظن البعض أنها مجرد أرشيف هي أول من عني بتحقيق التراث واستحداث المناهج اللازمة لذلك علي يد الرواد الذين ارتبطوا بدار الكتب يجدون منها الدعم من امثال العلامة أحمد شاكر ومحيي الدين الخطيب وعبد السلام هارون وغيرهم‏.‏ وجميع هؤلاء العلماء قد ابتكروا عناصر علمية وفنية جديدة أصبحت ركنا من أركان التحقيق‏,‏ من قبيل‏:‏ فهم اللغة‏,‏ ومعرفة آراء المفسرين‏,‏ وفقه الحديث‏,‏ وتاريخ الرجال‏.‏ ولم تكن دار الكتب بعيدة عن جهود العلامة أحمد شاكر الذي كان إيذانا بمرحلة جديدة للعناية بالتراث وفق أصوله العلمية والمنهجية فكانت أعماله بمثابة المرشد لكل المحققين فيما بعد‏.‏ والقواعد التي طبقها الشيخ أحمد شاكر قام بها محمود شاكر في‏(‏ تفسير الطبري‏),‏ و‏(‏طبقات فحول الشعراء‏)‏ لابن سلام الجمحي‏,‏ وعبد السلام هارون في آثار الجاحظ‏,‏ والسيد أحمد صقر في آثار ابن قتيبة‏...‏ وغير ذلك كثير‏.‏
في ذكري مرور مائة وأربعين عاما علي نشأة دار الكتب التحية واجبة للفريق الذي يتولي بكثير من الصبر والاهتمام مسؤولية إعادة ضخ التراث في شرايين الحياة المعاصرة تأكيدا لهوية أغلي من أن تضيع في عالم اصبح بلا حدود‏.‏
المزيد من مقالات د‏.‏ حمدي حسن أبوالعينين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.