تهديدات للسودان, وحقائق وأسرار تكتشف لأول مرة عن المدعي أوكامبو بالمحكمة الدولية.. كتاب صدر أخيرا في باريس للكاتب الصحفي شارل أونانا. يتناول فيه التلاعب الدولي, والأصابع الخفية التي تتحرك, لزعزعة استقرار هذا البلد الإفريقي العربي, والذي يواجه هذه الأيام أكبر اختبار يمر به في تاريخه منذ الاستقلال, اختبار الاستفتاء علي استقلال الجنوب؟! وتقسيم السودان؟! ومن ورائه زعزعة استقرار إفريقيا برمتها, وحدوث الفرقة والانقسام بين شمال القارة من ناحية وافريقيا السمراء جنوب الصحراء من ناحية أخري, قضية غاية في الخطورة, لها أبعادها الإقليمية والدولية. كتاب البشير ودارفور.. التحقيق المضاد يسعي الي كشف الكثير من الأسرار, وإلي تفسير الحملة الدولية المكثفة حول دارفور, وحول المسئوليات المنسوبة الي الرئيس السوداني عمر حسن البشير؟! في صراع يحظي بتركيز غريب, ومغالط في كثير من الأحيان, من جانب الأجهزة الإعلامية منذ سنوات, مغالط إما عن جهالة وسوء فهم لحقائق الأمور والأوضاع في المنطقة, وإما عن عمد وسوء نية واستغلال! لأمر في نفس يعقوب, وفي نفس المروجين لهذه الحملة الشرسة ضد السودان وضد البشير, بل وضد مصر واستقرارها, من خلال ضرب عمقها الاستراتيجي الاقليمي في الجنوب من ناحية, وضرب مصالحها القومية والحيوية من ناحية أخري. يأتي ذلك في وقت مصيري وحاسم بالنسبة للسودان ووحدته وسلامة أراضيه, ويشهد تلاعبات في مياه النيل, شريان حياتها, أليست مصر هبة النيل؟ الكتاب يسعي لتوضيح وتفسير الحملة, التي توحي بالاعتقاد أن دارفور والرئيس البشير هما من أكبر الأخطار التي تواجه هذا الكون, وأنه قد بات من الملح, التصدي لهذا الخطر علي الصعيد العالمي, مما يتطلب تعبئة دولية من أجل دارفور, واصدار أوامر توقيف ضد/المسجل/ خطر.. الرئيس, البشير.. تنشط من أجلها في الولاياتالمتحدة منذ2005 وأيضا في فرنسا منظمات تحت مسمي انقذوا دارفور وايرجانس دارفور حملات تحظي بدعم إعلامي كبير وبمساندة كبيرة من نجوم هوليوود جورج كلوني, وكذلك من كتاب مثل الفرنسي يونار هنري ليفي والأمريكي ايلي فيزيل لدفع القوي الكبري للتحرك لإنقاذ دارفور, ياله من هدف نبيل؟!.. لابد وأن يكون وراءه ما وراءه.. ثروات ومصالح اقتصادية من ناحية, وحسابات سياسية من ناحية أخري. والمحقق الصحفي شارل أونانا الذي سعي للوصول الي الحقيقة, أو الي جانب منها, علي الأقل, يكشف في كتابه مدي ضخامة التدخلات والتلاعبات الأجنبية في السودان, ويحلل الاتهامات التي توجهها محكمة الجزاء الدولية ضد الرئيس السوداني, في أعقاب تحقيقات قام بها علي مدي عامين في كل من السودان, والولاياتالمتحدة وكندا وفرنسا, ويظهر كيف أن قرابة ستين جمعية أمريكية تضمها مجموعةSaveDarfour انقذوا دارفور, ونحو عشر جمعيات فرنسية, تعمل من أجل زعزعة نظام الرئيس البشير وعودة النزاع المسلح مرة أخري الي السودان. أونانا يبرز في هذا المجال حقيقة أن السودان قد عارض في مناسبتين الحرب علي العراق, وأن الخارجية الأمريكية قد أدرجته منذ عام1993 علي القائمة السوداء للدول المساندة للإرهاب الدولي, برغم حقيقة أن السودان قد قام بتسليم الإرهابي كارلوس إلي الأجهزة السرية الفرنسية في عام1994, كما أنه اقترح علي المخابرات المركزية الأمريكية إلقاء القبض علي أسامة بن لادن, في الخرطوم في عام1996. اسرائيل والدور الخفي في لقاء مع شارا أونانا تناول الكاتب دور إسرائيل في إفريقيا الذي يعود الي بداية الستينيات, فترة حصول هذه البلدان علي الاستقلال, ويري الكاتب أن إسرائيل في مواجهة المسألة الفلسطينية وفي مواجهة دول المغرب التي لديها حساسية خاصة للملف الفلسطيني نظرا لثقافتها العربية الإسلامية, فإن إسرائيل لديها من الشكوك ما يجعلها تسعي الي تحويل هذا الالتزام من جانب دول شمال إفريقيا, وتشرع تدريجيا في الوجود في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وفي اقامة علاقات تعاون معها, ويري الكاتب أن الحدث الذي كشف ذلك هو حرب الأيام الستة يونيو1967. كما يؤكد شارل أونانا أن إسرائيل في نفس الوقت, لها استراتيجية أخري وخاصة تجاه السودان, التي تمثل معبرا بين المغرب العربي وافريقيا جنوب الصحراء, ويشير الي أن إسرائيل منذ1956 دخلت عبر الأجهزة السرية البريطانية الي السودان وأثارت المعارضة السودانية ضد عبدالناصر, من أجل السيطرة عليه بشكل أفضل من ناحية, ومراقبة الملف الفلسطيني لدي دول المغرب العربي من ناحية أخري, ومنذ1956 بدأت اسرائيل تدخل في اللعبة السياسية الداخلية في السودان ولم تتوقف أبدا عن تغلغلها في هذا البلد, لأنها تعرف أنها ما إن تثبت أقدامها في السودان, فإنها ستسيطر علي البحر الأحمر, وستسيطر علي مياه النيل, بل وستسيطر وفق ما يقوله الكاتب علي الموقف السياسي تجاه الملف الفلسطيني. ويستطرد الكاتب ليوضح فكرته في أن مجئ الرئيس البشير إلي السلطة قد غير كثيرا في السياسة الخارجية للسودان, مما جعل إسرائيل تمارس ضغوطا علي هذا البلد عبر الضغوط الدولية وخاصة الأمريكية. وواصلت إسرائيل دعم التمرد في جنوب السودان, وفي اللحظة التي بدأنا نشهد فيهاخروج السودان من حرب أهلية طويلة في2003, نجد حربا أخري في دارفور, وهنا نجد الإسرائيليين يساندون حركات التمرد في دارفور, ونجد الكثيرين من لاجئي دارفور يرحلون الي إسرائيل.. إن سياسة إسرائيل في المنطقة.. وبصفة خاصة في السودان, تقوم علي استغلال السياسة الخارجية الأمريكية من أجل زعزعة استقرار خصومها, في نفس الوقت الذي تحاول فيه الظهور باعتبارها الدولة التي تخفف معاناة السودانيين وأبناء دارفور. أونانا يوضح لنا أيضا, كيف أن إسرائيل تساند سياسة الدول الإفريقية المناوئة لمصر, وتسعي لضرب مصالح مصر وخاصة عبر مياه النيل, ويشير في هذا المجال الي الاتفاق الذي تم في مايو2010, والذي نجد فيه أوغندا ورواندا وكينيا واثيوبيا وكلها دول موالية لإسرائيل, علي حد قوله, وهو اتفاق يتماشي مع مصالح الدول الافريقية, وهناك الزيارة التي قام بها أفيجدور ليبرمان لهذه المنطقة ويجئ خلالها مسألة مياه النيل و أثار في أوغندا واثيوبيا وكينيا مشروعهم لتشاطر مياه النيل, وهو ما يظهر أن اسرائيل لا تتحرك فقط علي الصعيد الإنساني, وانما أيضا علي الصعيد العسكري, وعلي صعيد حركات التمرد, وكل ما من شأنه إثارة المشكلات. والحملة الخاصة بدارفور تستهدف وفق شارل أونانا, ملاحقة الرئيس البشير ونظامه والسودان, وهو أمر يتنافي مع ميثاق منظمة الوحدة الافريقية ويتنافي مع المبدأ المؤسسي للاتحاد الإفريقي, ويرمي الي تحطيم مبدأ الوصفة الافريقية, كذلك فإنهم بتقسيم الأفارقة في المغرب العربي عن الافارقة جنوب الصحراء يمكن تقسيم العالم الاسلامي والمسيحيين والجنوب, لأنه لا يمكن تحمل أن يقف الأفارقة صفا واحدا وراء قضاياهم, ومن أجل القضية الفلسطينية وفي مواجهة استغلال الموارد الافريقية. وفي اعتراف صريح بتلاعب أصابع إسرائيل في السودان, يقول اللواء عاموس يادلين الرئيس السابق للاستخبارات الحربية الإسرائيلية إننا أنجزنا عملا عظيما للغاية في السودان؟! نظمنا خط إيصال السلاح للقوي الانفصالية في جنوبه, ودربنا العديد منها, وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجيستية لمساعدتهم, ونشرنا في الجنوب ودارفور شبكات رائعة قادرة علي الاستمرار بالعمل الي ما لا نهاية, ونشرف حاليا علي تنظيم الحركة الشعبية هناك, وشكلنا لهم جهازا أمنيا استخباراتيا؟!. كتاب البشير ودارفور.. التحقيق المضاد.. يوضح كيف أن اهتمام إسرائيل بالسودان, ينبع أيضا من وضع السودان الاستراتيجي في المنطقة وعلي البحر الأحمر في مواجهة السعودية,, وكيف أن اسرائيل لم تتوقف عن الرغبة في السيطرة علي البحر الأحمر كوسيلة ضغط علي الدول العربية التي تستخدمه كممر لتجارتها, وكمدخل علي المتوسط وعلي إفريقيا التي ثير ما لديها من موارد أولية شهية إسرائيل, التي وجدت مكانها بسهولة في إثيوبيا, نقطة العبور الممتازة في غزوها لإفريقيا. اوكامبو والتغطية علي اخطائه الكتاب يخصص فصلا كاملا للحديث عن أوكامبو وسلوكه وانحرافه, ويروي كيف أنه ليس فوق مستوي الشبهات وكيف أنه ربما كان موجودا لانجاز المهمة التي يريدونه انجازها وهي ملاحقة الرئيس البشير. القصة التي يرويها الكتاب عن أوكامبو, وبالتفصيل الدقيق, والمستندات والتسجيلات تتعلق في المقام الأول, بعملية إزعاج جنسي, وانتهاك عرض, ارتكبها المسئول القضائي بمحكمة الجزاء الدولية, في حق صحفية طلبت إجراء حديث صحفي معه, وذهبت للقائه في كيب تاون بجنوب إفريقيا في مارس2005, فما كان من رجل القضاء والعدالة الدولية إلا أن مارس عملية ضغط وازعاج وانتهاك عرض( بالغصب) ضد الصحفية, وذلك وفقا للشكوي التي تقدم بها الصحفي السويدي كريستيان بالم, الملحق الصحفي بمكتب أوكامبو الي رئيس المحكمة, والتي أرفقها بالوثائق والتسجيلات التي تدين أوكامبو. ولكن المحكمة, رفضت الشكوي, وفضلت حماية المحقق أوكامبو من أية فضائح قضائية, وقررت قبول قرار أوكامبو فصل مقدم الشكوي كريستيان بالم, ودفع تعويضات مالية له. وبالنسبة لأوكامبو, فإن شن حملة قضائية حول وجود مذبحة بشرية في السودان يمكن أن يكون وسيلة لتحسين صورته التي لطختها الفضيحة الجنسية في جنوب إفريقيا, الكاتب يظهر في نفس الوقت, كيف أن ادعاءات المدعي أوكامبو, بأن البشير قد ارتكب مذابح جماعية لا تتماشي مع الواقع من ناحية, وتتعارض تماما من ناحية أخري مع تقرير اللجنة الأممية الخاصة بالتحقيق في هذا الأمر, والذي خلص بشكل قاطع الي أن اللجنة تستخلص أن الحكومة السودانية لم تتبع سياسة إبادة جماعية. الكاتب يوضح أيضا كيف أن أوكامبو يعمل لحساب مؤسسات أمريكية, ويعمل بتعاون وثيق مع فيليب هيمان الأستاذ بجامعة هارفارد, وهو المحامي العام السابق في عهد كلينتون وانخرط في قضية جاسوسية لحساب إسرائيل, ومن بين أصدقائه ستيفين برايان الذي قدم وثائق خاصة بالحكومة الأمريكية الي الموساد. أي أن أوكامبو, والمحيطين به مهنيا, هم دائما علي علاقة بتمويل المؤسسات الأمريكية, وبشخصيات موالية لإسرائيل, ومعادية لنظام البشير. شخص ليس فوق الشبهات, لايمكن أن يكون تحركه ضد البشير تحركا محايدا, أو موضوعيا, أو قضائيا صرفا؟! فمن الذي يسمع؟! ومن الذي يسعي؟!