بالإشتراك مع الكس دي وال ربما تهدر المبالغة فى ملاحقة عمر البشير، أعواما من تقدم العمل الدبلوماسى. ولأن التكلفة البشرية ستكون هائلة بعد تأخير استمر لسبعة أشهر، أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أخيرا مذكرة توقيف ضد الرئيس السودانى عمر البشير. وتردد بصورة رسمية صدى المطالبة بالعدالة القائمة على تنفيذ عقوبات، فى شكل تسديد مقابل لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى اقترفت فى دارفور، فى عواصم البلدان الأوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية، وعلى المستوى العالمى من خلال المنظمات الحقوقية. وخلال ساعات من صدور المذكرة، أوضحت الحكومة السودانية، أن المحكمة والداعمين لها لا يمتلكون القدرة على الدفاع عن ملايين السكان فى دارفور وتوفير الطعام لهم، وإن كانوا يطالبون بالعدالة باسمهم. وطردت دون إبطاء أكبر وكالات المعونة العالمية، وحجمت أصولها، وأغلقت منظمات حقوق الإنسان السودانية تحت تهديد السلاح. ونظرا للنقص فى إمدادات المياه لمعسكرات المشردين فى دارفور، وتفشى أسوأ وباء للالتهاب السحائى عرف خلال عقد من الزمن بسرعة رهيبة، فستكون الحكومة السودانية مسئولة عن الوفيات والمعاناة المترتبة على ذلك ليس فقط فى دارفور، ولكن فى الأجزاء الأخرى من السودان التى يتم تقليص أعمال الإغاثة فيها الآن، بما فى ذلك الإقليم الغربى المنكوب بالجفاف. ولكن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية كان المتسبب فى الوضع الموشك على الانفجار فى السودان. وكان من الغريب أن لويس مورينو أوكامبو وحشد من الدبلوماسيين والنشطاء، إدانوا الحكومة على أكثر الجرائم بشاعة، ثم أكدوا أن الحكومة غيرت من مواقفها عندما هددت بعرض الأمر فى لاهاى. وفى الحقيقة، ليس من المعروف ما يمكن أن تعنيه مذكرة التوقيف. وأحجمت المجموعات الحقوقية التى أيدت وجود محكمة مستقلة ودائمة، عن إعلان مخاوفها. وتشبث النشطاء الذين قاموا بالتعقيب والمحامون، الذين لا يعرفون السودان جيدا، بأن لا سلام بدون عدالة، كما لو كان ذلك بمثابة التعويذة. وزعم جيوفرى روبيرتسون أن صدور أوامر ضد سلوبودان ميلوسوفيتش وشارلز تايلور (الرئيسان السابقان ليوجوسلافيا وليبيريا) أسهم فى إنهاء أمرهما سريعا، وسوف يحدث نفس الشىء بالنسبة للبشير. ولكن ميلوسوفيتش وتايلور كانا ضعيفين، كما أراد الغرب رحيلهما. فى حين أن البشير تصدى لجميع التحديات لمدة عشرين عاما، وكان الغرب يؤيد اتفاقية السلام الهشة والعسيرة التى أبقت عليه فى السلطة فى مقابل التحول الديمقراطى. كل ذلك مهدد الآن. وإذا كانت المخاطر حقيقية، إلا أنه قد تم تضخيمها من خلال الشكل الذى أصر به مورينو اوكامبو على ملاحقة البشير بسبب «الإبادة الجماعية التى اقترفت» فى حق خمسة آلاف شخص يموتون شهريا، وفقا لزعمه الخيالى. ولعل أحد أسبابنا لمعارضة مذكرة التوقيف عندما قدم الطلب فى العام الماضى هو أن حادثة الإبادة الجماعية كانت قائمة على دليل واهً وبرهان ضعيف. فقد كرر أوكامبو القول بأنه لم يكن هناك دليل على أن الحكومة «تنسق» هجمات منظمة على المعسكرات «للتخلص من القبائل الأفريقية» هناك. وكدليل على صحة الاعتقاد بأن قضاة المحكمة الجنائية الدولية أخذوا عملهم بجدية، وكانت لديهم سيطرة جيدة على الواقعة، أنهم رفضوا اتهامات ثلاثة قدمها حول الإبادة الجماعية، حيث وجدوا أنه غير قادر على كشف أن البشير تنطبق عليه الحالة التى يتم مساءلته عنها. وكان فى ذلك رد مذهل على مورينو اوكامبو، الذى أصر علنا أكثر من مرة على أن البشير مذنب حيال تهمة الإبادة الجماعية ولابد من إقصائه عن السلطة. والأسوأ، أن المدعى العام ألمح مرارا وتكرارا إلى أنه حصل على معلوماته من وكالات إنسانية. وترتب على ذلك عدد لا يحصى من الأضرار. فيعتقد مسئولو الأمن بالسودان أن الوكالات الدولية أمدت المحكمة الجنائية الدولية بالمعلومات. وعلى هذا طردت إحدى عشرة وكالة. وقوضت البنية الأساسية للوكالات الإنسانية وحجمت موجوداتها. وإن كانت وكالات الأممالمتحدة قائمة فى السودان حتى هذه اللحظة، لكن برنامج الغذاء العالمى يعتمد فى توزيع ثمانين بالمائة من المؤن التى يقدمها على منظمتين غير حكوميتين غير موجودتين الآن، وهما كير وسيف ذا تشيلدرين. هل ستسمح الخرطوم لبرنامج الغذاء العالمى ببناء بنية تحتية جديدة لتوزيع الغذاء، وهى مهمة تستغرق شهورا؟ أم أنها ستصر ببساطة على أن تقوم بالمهمة بنفسها؟ وفى الغالب فإن الاحتمال الثانى أرجح. ومن جهة أخرى، فإلى جانب موسم انتشار الأوبئة والجوع، تواجه دارفور احتمالات العنف، حيث يتعامل المتمردون والمليشيات الحكومية مع الوضع القلق الجديد من خلال انتهاك اتفاقيات السلام المحلية التى حافظت على استقرار دارفور خلال السنوات الثلاث الماضية. ووفقا لأرقام الولاياتالمتحدة، كان حوالى مائة وخمسين من سكان دارفور يتوفون شهريا خلال العام الماضى بسبب العنف؛ أقل من نصف هؤلاء مدنيون، فى حين كان الباقون من الجنود ورجال المليشيات وقطاع الطرق والمتمردين. ويمكن أن تتدهور الأمور أكثر من ذلك. وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد أن طرد وكالات المعونة هو مجرد بداية. ومن الخطأ الجسيم الاعتقاد أن حكومة السودان تستجيب للضغط. وبالنسبة للخرطوم، إنذار مورينو اوكامبو غير قابل للمفاوضة. إنها حرب للنهاية. وتعتبر العدالة الدولية هدفا ساميا، ولكنها ليست خالية من المخاطر. ويدفع الشعب السودانى بالفعل ثمنا غاليا للتخلى عن المقاربة الدبلوماسية التى أثمرت عن الفوائد التى حدثت خلال السنوات الأربع الماضية. نحن نخشى أن القادم أفدح: مثل استبعاد المنظمات غير الحكومية، واتخاذ إجراءات ضد فريق عمل الأممالمتحدة. والأسوأ من الجميع، الإبطاء فى الالتزام بالانتخابات والحكم الذاتى للسودان الجنوبى أو الرجوع عنهما. لن تتحقق العدالة فى السودان بدون السلام. ولكن، عندما تتعارض العدالة والسلام كما يحدث اليوم فى السودان، لابد من تقديم السلام. ملاحظة: اشترك جولى فلينت والكس دى وال فى تأليف كتاب «دارفور.. تاريخ جديد لحرب طويلة». Copyright: Guardian News & Media 2009