كلما أهلت علينا ذكري الهجرة النبوية المجيدة كان حقا علينا أن نستحضر دروسها الجليلة السديدة لتكون نبراسا يهدينا علي طريق الحياة الكريمة الرشيدة, وتتعدد دروس الهجرة الشريفة الغراء مابين درس العزة والإباء ودرس الصبر والثبات والعزم والمضاء.. ودرس البذل والعطاء والتضحية والفداء الي درس المروءة والايثار والعرفان والوفاء. ومع درس الوفاء والعرفان نستحضر قيمة عليا هي قيمة حب الأوطان لنوقن حق اليقين انها شعبة من شعب الإيمان وانها آية كبري علي يقظة الضمير وسلامة الوجدان فحب الوطن هو لبنة مهمة في أعز بناء كرمه الله ألا وهو: بناء الانسان, وان أغلي درس في حب الوطن تلقته الدنيا ومعها تلقيناه هو ماعلمنا إياه سيدنا محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام حال هجرته من مكةالمكرمة الي المدينةالمنورة حين هجر قوما استمرءوا الفسوق والعصيان والكذب والبهتان والبغي والعدوان, ووفد الي قوم جبلوا علي الرقة والمودة والبر والاحسان وتهيأوا لمناصرة ومؤازرة أهل الحق والصدق والسلام والإيمان, وهاموا شوقا الي مقدم نبي الرحمة حبيب الرحمن.. وساعة بارح الرسول العظيم دروب مكة وشعابها وأوشك علي الانفصال عن جبالها ووديانها وهضابها وجه اليها خطابه وكأنما هو يناجيها مع مرارة فراق مافيها ومن فيها يقول: والله إنك لاحب البلاد الي الله وأحب البلاد الي ولولا أن قومك أخرجوني منك ماخرجت. لقد كان خروج رسول الله صلي الله عليه وسلم من مكة, رغم شدة وغلظة ولا إنسانية أهلها أشد عليه من كل آلام الدنيا وأشق من كل أهوالها, ولقد كانت مؤامرات كفار قريش ومكرهم به تتراوح بين جرائم ثلاث تتماثل في كونها هي قمة الكروب والمحن, تلكم هي شل الحركة والقتل والاخراج من الوطن. ذلك ماسجلته آيات القرآن الكريم واذ يمكر بك الذين كفرو اليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. وهكذا كان الحرمان من المواطنة أو الاخراج من أرض الوطن وكل منهما هو قرين القتل هو عذاب من العذاب, فتنة من الفتن, تنفطر لها القلوب والالباب. ولقد ضرب الرسول العظيم ساعة الهجرة المثل الأعلي في حب الأوطان وألقي درسه البليغ ليقرع كل الآذان ليتردد رجع صداه في كل زمان ومكان, موجها الي البشرية بعامة وبخاصة أهل الايمان أن يجيدوا للوطن الانتماء وأن يحسنوا له الولاء, وأن يغاروا علي أرضهم, فأرضهم هي صنو عرضهم داعيا إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم ويأويهم الي تناغم وتضامن وتلاحم مع مجتمعهم, مع عشيرتهم وذويهم, أن يسودهم الود والحب والألفة والإخاء, أن يكونوا متراحمين متعاطفين متآلفين رفقاء, أن يظلوا كالبنيان المرصوص يسعي بذمتهم أدناهم وهم يد علي من شق صفهم, حرب علي من عاداهم, يحرسون ارضهم واستقرارهم ومجتمعاتهم, من يعكر صفوهم أو يهدد أمنهم هو كمن ناصبهم العداء وخانهم, يعكفون علي العمل الدءوب والانتاج والبناء ويتنادون الي تشييد نهضتهم بعد ان يتنادوا الي كلمة سواء يودعون حياة الدعة والسلبية واللامبالاة والكسل ويلتزمون جادة الايجابية وحسن القول وصالح العمل, يحرصون علي طاعة الله وطاعة الرسول وأولي الأمر منهم وينفرون خفافا وثقالا الي التعمير والتنمية والتشييد والبناء, يتدافعون بالمناكب علي درب التقدم والرخاء والحب والاخاء علي طريق التحضر والمستقبل المشرق الوضاء زادهم وعتادهم الايمان بالله وحب الوطن وصدق الانتماء له وعمق الولاء. نعم ليكن وعينا لدرس الهجرة وفاء بحق الوطن واخلاصا وصدقا معه في السر والنجوي والعلن إيمانا منا خالصا لا يخالطه شك أو رياء بأن من لا يحب الوطن ولا يجيد له الولاء هو جاهل بكل تعاليم السماء, جاحد لفضيلة العرفان والوفاء, لا يعلق عليه أمل.. ولا يرجي منه رجاء, وان مالا يحرس وحدة وطنه ويحمي نسيجه القوي المتين هو خائن لله ورسله, هو من اخوان الشياطين. ألا فلتكن الهجرة الجديدة هجرة من حال التراخي والضعف والاهمال والوهن الي حال العمل والانتاج والاخلاص في حب الوطن.