الهجرة النبوية من مكة إلي المدينة علامة فارقة في تاريخ الأمة الإسلامية فالهجرة لم تكن حدثا عابرا جاء ثم مضي وانما سطرت أحداثها مستقبل هذه الأمة وصنعت لها مجدها وعزها الذي سيظل قائما إلي يوم القيامة رغم ما تواجهه من تحديات وكبوات طال أمدها أم قصر. الهجرة هي التي أوجدت هذه الأمة الإسلامية, وأقامت دعائم حضارتها التي عمت الأرض, وهي التي جعلت الإسلام يعلو ولا يعلي عليه, وجعلت الفتوحات الإسلامية تنتشر ولذلك كانت الهجرة معلما يعتز به المسلمون جيلا بعد جيل, فالهجرة النبوية تمنحنا الأمل وتمنعنا من اليأس مهما يبلغ ضعفنا فقد كان المسلمون قلة مضطهدة بين مشركي مكة لكنهم تمسكوا بدينهم ولم يتراجعوا أو يضعفوا ولم يتسرب الاحباط أو القنوط إلي نفوسهم الأبية لذلك كان النصر حليفهم في النهاية فما هي إلا سنوات حتي عادوا إلي مكة التي فروا منها في الخفاء رافعي الرأس منتصرين وكانت لهم العزة ولغيرهم المذلة. يجب أن نتعلم من الهجرة معني التضحية كما فعل أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم, عندما تركوا الأرض والولد والمال وكل شيء, وصدقوا الله عز وجل في نهجهم وسلوكهم فأكرمهم الله عز وجل. وهذه الحقيقة يغفل المسلمون عنها اليوم. ومن الدروس الأخري التي يجب أن نتعلمها من الهجرة النبوية: ** أن الصبر واليقين طريق النصر والتمكين: فبعد سنوات من الاضطهاد والابتلاء قضاها النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه بمكة هيأ الله لهم يثرب, وقذف الإيمان في قلوب الأنصار, ليبدأ مسلسل النصر والتمكين لأهل الصبر واليقين.. إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. ** أن طريق الدعوة إلي الله شاق محفوف بالمكاره والأذي لكن من صبر ظفر ومن ثبت انتصر. والله غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ** ضرورة التوكل علي الله والاعتصام بحبل الله فقد كانت رحلة الهجرة مغامرة محفوفة بالمخاطر, والرسول صلي الله عليه وسلم في ظل هذه الظروف العصيبة متوكل علي ربه واثق من نصره. فمهما اشتدت الكروب والخطوب يبقي المؤمن متوكلا علي ربه واثقا بنصره لأوليائه. ** كما تقدم الهجرة درسا في التضحية والفداء: فقد سطر النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه صفحات مشرقة من التضحية, والمغامرة بالأنفس والأموال لنصرة هذا الدين فقد هاجروا لله ولم يتعللوا بالعيال ولا بقلة المال ولم يكن للدنيا قيمة عندهم في مقابل أمر الله وأمر ورسوله صلي الله عليه وسلم. ** وتعد الهجرة درسا في العبقرية والتخطيط واتخاذ الأسباب: لقد كان صلي الله عليه وسلم متوكلا علي ربه واثقا بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه, ومع هذا كله لم يكن صلي الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور علي غير وجهها. بل إنه أعد خطة محكمة قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان وهذا فيه دعوة للأمة إلي أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد علي الله. ونحن اليوم في أمس الحاجة إلي أن نقتطف ثمار الهجرة, وأن نسير علي النهج الذي سار عليه أولئك الذين كانوا فاتحة الدولة الإسلامية, وكانوا الرعيل الأول في تاريخ هذه الأمة, الذي قدم كل ما كان يمتلك من إمكانات وتضحيات وبذل الغالي والرخيص من أجل ترسيخ أقدامها في العالم.