في تناول قضية حرية التعبير_ التي أشرنا إليها من قبل- لا يمكن أن ينصرف الذهن إلي الأستاذ والجامعة والعالم.. وما إلي ذلك دون أن نتيقن من أنها تنصرف إلي عديد من الحريات الأخري كالدين أو الجنس أو حتي العنصر في الوطن الواحد. هذا أكثر ما لفت نظري في التعقيبات والملاحظات والتعليقات والحوارات التفاعلية التي اطلعت عليها علي الشاشة الإليكترونية, فضلا عن الفضائيات والصحف.. فقد لاحظت أن عددا كبيرا يرددون- وكأنهم يضيفون- وأين حقوق الإنسان أيضا؟ والواقع أن حرية حقوق الإنسان من البدهيات التي يجب التنبه إليها في هذا; فلا يمكن أن نشير إلي حرية التعبير فنتوقف عند الجانب الثقافي وحسب, وإنما يمتد_ في غيبة الوعي إبان الفتنة الطائفية الأخيرة خاصة_ إلي حقوق الإنسان بالمعني الأعمق والأكبر والأخطر, وهي بدهية لا يجب إغفالها, والعود إلي الدستور المصري في هذا يرينا أن الحرية الاجتماعية تسبق الحرية الفكرية.. القانون المصري العادل لا يغفل أبدا- أيها السادة- إن عدم التميز بين الأفراد يسبق الحرية كما يتبدي لنا بالمعني العام, ففي حين تنص المادة47 علي أن' حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير في حدود القانون', فإن المادة السابقة عليها_46_ تنص علي أن تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية, وهو ما يشير إلي المعني المهم من سبق حرية العقيدة علي حرية الرأي.. بل إن نظرة عامة إلي وسائل التعبير: الصحف والإعلام والتعبير الإليكتروني ترينا أن الحرية وصلت إلي أبعد مدي لها لدينا بغير معوقات, والأكثر من هذا دلالة أن مواد القانون المصري تؤكد هذا ويحض عليه من آن لآخر ففي في تشير المادتين47 و46 إلي حرية الرأي وإكفالها تسبقهما المادة40 التي تؤكد هنا أن حقوق الإنسان تنصرف إلي هذا المعني بشكل جامع ومانع, حرية الإنسان المحددة تسبق حرية الرأي العامة.. وهو ما نراه في النص أو المادة40- السابقة علي الماديتين السابقتين- والتي تؤكد هنا عدم التمييز ونفتح البرجل إلي آخره لنقرأ: إن جميع المواطنين لدي القانون سواء' متساوون في الحقوق والواجبات العامة, لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة' هكذا بالنص مما يشير ويؤكد علي أمر واحد في هذا, وهو أن حرية التعبير تتحدد أكثر في المساواة الكاملة أمام القانون مما يؤكد في السياق الأخير أن ما حدث في نجع حمادي ليس فتنة طائفية قط ولا-حتي_ جنائية بالمعني العام, وإنما تعني فتنة داخلية حين نسمع البعض يردد هذا بشكل عام أو أن نسمع المنظمات الخارجية المريبة- أو هذه المنظمات الدولية- حين تتحدث عن' اضطهاد' أو نسمع أن إحدي لجان الغرب الأمريكي_ تسمي اللجنة الدينية بالكونجرس- تسعي إلي لقاءات داخلية هنا باسم الحرية الدينية وكأننا نمنح الظاهرة اسما يفرض علينا من الخارج! **القضية أيها السادة ليست هي غياب حقوق الإنسان وإنما غياب الوعي بالقيمة التي أكد عليها الدستور, والضرورة التي تسعي إليها الدولة رافضة_ خلال القانون والدستور, وأيضا خلال المد التاريخي والجغرافي ثم عبر النخبة ودعونا نسأل عن هذه النخبة للمرة الثالثة والألف هنا_أن تأتي صيغة تقرير مريب أو لجنة دينية إمبريالية- لتتحدث عن مشاكل طائفية في حين أن الأمر لا يتعدي تجاوزا معيبا.. الأمر يعود إلي قضية حقوق الإنسان بمعناها القانوني العام وليس بالمعني الديني الذي يرد من جهات مريبة, تحت اسم الدين فالقانون المصري يؤكد_ كما نري علي أن المساواة تكون في المساواة في حقوق الإنسان_ أي إنسان_ بعيدا عن الدين أو العقيدة; المساواة تكون في العدل والحرية والسلام بعيدا عن العنصرية أو الجنس أو العقيدة بأية حال.. لا نريد الإطالة, إنما قصدنا أن نذكر القارئ اللبيب بأن قضية التعريف بحقوق الإنسان والتعبير عنها يفتقد_ لا يزال- أبناؤها من أبناء الوطن الواحد.. أليس كذلك؟! الورقة الأخيرة: ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا تجاهلت حتي ظن أني جاهل