يقول أفلاطون.. علموا أولادكم الفنون.. وأعتقد أن هدف أفلاطون هو الارتقاء بالفكر.. بالمجتمع.. فمن المعروف أن ثقافة الاهتمام بالفنون الجميلة.. هي بالدرجة الأولي ثقافة راقية.. تستحق الاهتمام.. بل تستحق كل التقدير.. وكما أن كل الدول التي لا تهتم بالفنون الجميلة أصبحت اليوم ما يطلقون عليها دول العالم الثالث.. كذلك فإن الدول التي تراعي الاهتمام بشتي أنواع الفنون الجميلة بالتالي تعتبر من الدول المتحضرة التي تسابق الزمان في الاختراعات العلمية الزاخرة بكل الأفكار التي تسعي لتطوير حياة الإنسان إلي الأفضل.. بل إلي الأسهل.. كما أنني أعتقد أيضا.. أن كل إنسان يتمني أن يكون وطنه هو الأفضل.. هو الأرقي.. بل مثالا للوطن الذي يرمز بكل إيجابيات الحياة التي تسهم في رقي فكر وحياة الإنسان. وانطلاقا من حبي لهذا الوطن الغالي.. ولهذه الأرض الطيبة.. أغضب كثيرا.. حينما أشعر بأن سلبيات مجتمعنا هذا في ازدياد عاما بعد عام.. وأيضا حينما أري أو أقرأ أو أسمع أن طوفان السلبيات لا يتوقف عند حد معين.. بل أصبح عبارة عن جبال من الإهمال تتزايد بتزايد تخلف عقول البعض.. وعلي سبيل المثال.. لقد عرف العالم كله مشكلات الثانوية العامة في مصر.. ويجيء وزير ويذهب.. ونحن لا نتطور.. لدرجة أنها أصبحت مشكلة أزلية في المجتمع المصري.. أما مشكلة الدروس الخصوصية في كل منزل.. فتلك المصيبة أصابت مصر في هذا العصر المخيف.. لا يعلم أحد كيف نتخلص منها ومتي.. ولماذا نحن بالذات الدولة الوحيدة التي تعاني منها؟ فقد تعلمت الأجيال في العصور السابقة أفضل تعليم.. وتم تخريج أفضل دفعات من حيث الشكل والمضمون.. ولم تحصل تلك الأجيال علي الدروس الخصوصية.. بل كانت أجيالا تتسم بالعلم والثقافة والأخلاق.. فكيف تدهورنا بهذا الشكل المخيف؟.. ثم تجيء بعدها مشكلة زحام وفوضي المرور.. ورغم كثرة القوانين الرادعة في الآونة الأخيرة إلا أن المشكلة هي المشكلة.. لم تتحرك ولم تتغير.. أما مشكلة ارتفاع الأسعار.. فأصبحت مصيبة المجتمع.. ومن الغريب أيضا أننا لم نسمع عن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل في دول الجوار.. وهكذا أصبحنا.. تستقطبنا التفاهات.. ولا نبدي أي اهتمامات بالفنون الجميلة. وأصبحنا نري بكل وضوح من يستحقون التقدير والإشادة من رجال الثقافة والعلم والفنون الجميلة مهمشين تماما والعكس صحيح.. أما نظافة الشوارع في العصر الحديث.. فحدث ولا حرج.. وانتشرت العشوائيات في كل موقع علي أرض مصر.. وأصبحت الفوضي هي الكاسحة.. والنظافة هي المنسحبة.. فأصبحت مع كل الأسف في كل الأحياء وجميع المناطق.. وأصبحنا نري السيارات تقف علي الأرصفة والناس تسير في الشوارع وصاحب السيارة الفارهة يلقي القمامة من شباك السيارة أو السيجارة دون استحياء.. ثم هناك المشكلة الغريبة شكلا وموضوعا.. وهي الطائفية التي ظهرت في السنوات العشر الأخيرة تقريبا.. وأصبحنا نتكلم ونسمع هذا مسيحي وذلك مسلم وهكذا.. بينما المسيحية والإسلام منذ عشرات السنين في مصر.. ولم تحدث تفرقة أو اشتباكات عنصرية إلا في العصر الحديث. ماذا حدث للمصريين في السنوات الأخيرة؟ والسؤال الذي أطرحه علي نفسي كثيرا.. كيف أصبحنا من دول العالم الثالث؟.. رغم تاريخ وحضارة هذه الدولة العريقة.. لماذا رغم إمكاناتنا الكثيرة نعيش اليوم عصر التفاهة والسلبيات في كل مجال؟.. ورغم أننا نملك الإمكانات, لكننا لا نجيد توظيف تلك الإمكانات.. لدينا العقول والخبرات المميزة لكننا لا نستفيد بها.. لدينا البحار والأنهار لكننا لا نراها.. متي نحب مصر.. متي نسعي جميعا للتطوير والتحسين والاستفادة بكل ما لدينا من إمكانات تستحق الاهتمام والتقدير.. متي؟.