منذ فترة شدتني صورة مثيرة جدا نشرتها احدي الصحف المصرية يظهر فيها رئيس الوزراء الإيطالي بيرلسكوني, أي والله بيرلسكوني وحوله مجموعة من المسئولين الإيطاليين وهو ممسك بمكنسة يزيل بنفسه أكوام الزبالة التي امتلأت بها شوارع مدينة نابولي. ودعا الشعب إلي ان يساعد الحكومة, لأن تكدس الزبالة في الطرق يمثل تهديدا للصحة العامة وفرارا للسياح. ما أحوجنا نحن في مصر لهذا السلوك فليس من حق المواطن ان يرمي النفايات في أي مكان, وان يقذفها من السيارة إلي الشارع كما نري الآن في أرقي المناطق, فهذا التصرف لا يحمل أية صفة حضارية, وهو يتناقض تماما مع اللياقة والنظافة, ويعتبر من التصرفات التي اشاعت عدم احترام للنظام والقانون في شوارعنا ومدننا, مما جعل هذه الشوارع والمدن غير نظيفة في اغلب الأحيان, ولكننا إذ نعيب علي المواطنين رمي النفايات والأوساخ في الشوارع ونتهمهم بعدم النظافة واللياقة, فهل قامت هيئة النظافة التي تم تخصيص ميزانيات ضخمة لها بتهيئة الوسائل التي يمكن استعمالها للنفايات والأوساخ؟! فالمدن التي تتسم بالنظافة واحترام النظام علي مستوي العالم دائما ما تهيئ مثل هذه الوسائل وتجعلها متاحة للمواطنين سواء في مناطق العمل أو في مناطق التسوق والسياحة أو السير في الشوارع, أو في اماكن الراحة والاستجمام والمطاعم. إن الأسباب التي تدفع المواطن إلي رمي النفايات والأوساخ قد تكون ذاتية واجتماعية, ولكن ابرزها اننا لا نوفر لهذا المواطن الوسائل المنافسة لتجميعها, فنحن نقطع مسافات طويلة من الشارع وليس فيه حاوية أو صفيحة لهذا الغرض خاصة في المناطق كثيفة السكان. وقد يقول قائل ان هذا الأمر هو مسألة موروثة منذ أجيال واننا لم نعمل علي ايجاد وتطوير تقاليد حضارية من شأنها تعزيز وترسيخ ثقافة النظافة في الشوارع والمناطق العامة علي الرغم من أهمية النظافة في موروثنا وفي ديننا الإسلامي بوصفها من الإيمان, ولذلك فإنني اطلب من الجميع ان يشاهدوا الأفلام القديمة التي تظهر ما كانت عليه شوارع القاهرة في الثلاثينيات والأربعينيات عندما كانت نظيفة وتغسل شوارعها يوميا بالماء والصابون. إن هيئة النظافة مطالبة اليوم بأن تدرس احتياجات مختلف المناطق والشوارع لوسائل رمي وتجميع القمامة وان تضع التعليمات اللازمة لمواقعها واستعمالها, وان تعمل مع مختلف منظمات المجتمع المدني علي ايجاد واشاعة التقاليد المؤكدة علي النظافة مقترنة بإيجاد تشريعات رادعة لكل من يرمي النفايات في الشوارع دون احترام للنظام والذوق العام والتوجهات الحضارية. ولقد ربط الإسلام بين النظافة والإيمان وجعلهما كلمتين متلازمتين, ومن نافذة ابريد الأهرامب العريقة أهيب بهؤلاء المسئولين الجالسين في مكاتبهم المكيفة ان ينزلوا بأنفسهم الي الشوارع ويعطوا المثل, كما اهيب بمنظمات المجتمع المدني والاحزاب ان يبعثوا روح التحدي في جعل مصر بشوارعها وازقتها نظيفة خالية من القاذورات حتي نحافظ علي الصحة العامة وحتي نمنع فرار السياح, والأمر بأيدينا نحن إذ اعتبرنا بالفعل شوارعنا امتدادا لمنازلنا. د. حامد عبدالرحيم عيد أستاذ بعلوم القاهرة