هل يمكن أن يأتى اليوم الذى يمسك فيه رئيس وزراء مصر بمكنسة فى الشوارع؟ المسألة لا تقف عند مجرد تقليد ما فعله رئيس الوزراء الإيطالى سيلفيو برلسكونى قبل أيام، ولكن أبعادها أعمق من ذلك بكثير. وبرلسكونى قبل أن يكون رئيسا للوزراء فهو ملياردير من الدرجة الأولى فى إيطاليا.. فالرجل يمتلك إمبراطورية فى قطاع الأعمال والإعلام.. أى يملك المال والنفوذ من خلال محطات التليفزيون التى تضمها إمبراطوريته. لكن الثروة والمكانة والمنصب لم تمنع برلسكونى من أن يمسك بمكنسة، ويشارك فى تنظيف أحد شوارع نابولى التى تعانى من مشكلة مزمنة لتراكم القمامة. والموقف يحمل بالطبع الكثير من الرمز ويعبر عن مدى اهتمام رئيس الوزراء بحل المشكلة، ورغبته فى التواصل مع أهل المدينة، فضلا عن إظهار حرصه على المشاركة بصورة شخصية ومباشرة فى حل مشاكلهم. واستبق برلسكونى هذا الموقف بعقد عدة اجتماعات لمجلس الوزراء فى نابولى، لإظهار جديته فى معالجة ما وصفه بأنه "حالة طوارىء وطنية". والرجل قال إن "الشوارع يجب أن تكون امتدادا لمنزلك." وفى نفس اليوم الذى تناقلت فيه وكالات الأنباء صور برلسكونى، وهو يمسك بالمكنسة فى أحد شوارع نابولى نشرت صحفنا خبر مشاركة الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء فى التعليق على مقال بإحدى المدونات الإلكترونية على الإنترنت عن سياسة التعليم فى مصر. ومجرد المبادرة بالمشاركة فى حوار مع أفراد عاديين حول قضية تهم المجتمع بأسره، هو أمر محمود بلا شك. لكن نوعية المشاكل التى يعانى منها المواطن البسيط فى حياته اليومية، تحتاج من الدكتور نظيف مشاركة تتجاوز نطاق "العالم الافتراضى" للإنترنت والتواجد بين الناس وفى بؤرة المشاكل. وطبيعة العلاقة بين الحكومة عندنا والشعب أقامت منذ سنوات حاجزا أمام التواصل المباشر بين الطرفين. فاللقاءات الجماهيرية تكون مرتبة فى الأغلب ويتم اختيار المشاركين فيها من الجمهور بعناية، وربما أقرب مثال لقاءات الدكتور نظيف مع طلبة الجامعة. لكن هذا الوضع لا يمنعنا من تخيل تواجد الدكتور نظيف مثلا فى أحد شوارع إمبابة أو الزاوية الحمراء أو بولاق الدكرور، وغيرها من أحياء القاهرة الشعبية ممسكا بمكنسة، ويشارك للحظات فى كنس الشارع. تخيل مردود هذا الموقف على عمال النظافة وعلى سلوك الجمهور وتعامله مع الشارع وإحساسه بأهمية الحفاظ عليه نظيفا. وتخيل مثلا لو أن الدكتور نظيف حرص على التجول بدراجة فى أحد شوارع القاهرة.. ربما يسهم مثل هذا الموقف فى تغيير ثقافة التعامل من جانب الشعب ومسئولى المرور مع الدراجة كوسيلة صديقة للبيئة تستحق إفساح مجال لها.. وربما فتح الباب أمام حل يخفف أزمة المرور فى القاهرة، بدلا من تشديد القوانين دون جدوى. وتخيل أيضا لو أن الدكتور نظيف شارك بصورة رمزية فى تطهير مجرى النيل من النفايات والمخلفات.. كيف سيسهم ذلك فى بناء الوعى بين الناس بضرورة الحفاظ على قداسة ونظافة نهرنا العظيم؟. هذه مجرد أمثلة مما يمكن أن يفعله الدكتور نظيف أو وزراء الحكومة لمد جسور التواصل مع الجمهور، والإسهام بصورة عملية فى تغيير المفاهيم وتشجيع المشاركة الشعبية. وبرلسكونى- رغم كل التحفظ على أفكاره وبرامجه السياسية- ليس المثل الوحيد فى التواصل بهذه الصورة مع الجمهور، بل إن المسألة تكاد تكون تقليدا عاديا فى الديمقراطيات الراسخة. وليت حكومتنا تحرص على تعزيز روح المشاركة والتواصل، إلا إذا كانت تخشى أن يتعود الشعب على ذلك، ويطالب يوما بمشاركة حقيقية فى الانتخابات؟