رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية    بعد تراجع سعر الدولار.. كم سجلت أسعار العملات اليوم الأحد 17-8-2025 في البنك الأهلي؟    «المشاط»: التعاون مع اليابان يهدف لزيادة استثمارات القطاع الخاص بآليات تمويل مبتكرة    «الأونروا»: نظام المساعدات في غزة يجلب الفوضى والموت (تقرير)    ارتفاع ضحايا الفيضانات في شمال باكستان إلى 351 قتيلا    ماستانتونو عن انضمامه إلى ريال مدريد: "حلم الطفولة تحقق"    مفاجأة في تقرير محمد معروف بشأن طرد محمد هاني.. رئيس تحرير الأهلي يكشف    محافظ أسيوط يتابع ضحايا حادث الطريق الصحراوي ويوجه بسرعة تقديم الدعم للمصابين    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    وزارة العمل تعلن عن 11 فرصة عمل للمصريين في الأردن برواتب تصل إلى 350 دينارًا    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    أمن الفيوم يُعيد شخصًا من ذوي الاحتياجات الخاصة لأسرته بعد تقديم الرعاية اللازمة    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    وصلة هزار بين أحمد وعمرو سعد على هامش حفله بالساحل الشمالي (فيديو)    بعد تراجعه.. هل تستطيع مصر استعادة مستويات انتاج الغاز بحلول 2027؟    مقاومة المضادات الحيوية: خطر جديد يهدد البشرية    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    ندوة جاكسون هول قد تكشف عن اتجاهات سعر الفائدة الأمريكية الفترة المقبلة    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    إصابة 6 أشخاص فى انقلاب ميكروباص بطريق "الإسماعيلية- الزقازيق" الزراعى    جوان ألفينا يبدأ مشواره مع الزمالك بأداء واعد أمام المقاولون العرب    تصرف مفاجئ من أحمد حلمي خلال حفلة عمرو دياب بالساحل الشمالي    فنون شعبية وطرب أصيل في ليالي صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    أس: تشابي ألونسو ينوي الدفع بماستانتونو ضد أوساسونا    وكيل صحه الأقصر يتفقد وحدة الكرنك القديم الصحية لمتابعة سير العمل    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    إلزام المؤسسات التعليمية بقبول 5% من ذوى الإعاقة في المنظومة.. اعرف التفاصيل    رئيس شئون القران بالأوقاف: مسابقة دولة التلاوة رحلة لاكتشاف جيل جديد من القراء    الداخلية تكشف ملابسات تداول منشور تضمن مشاجرة بين شخصين خلافا على انتظار سيارتيهما بمطروح    رئيسة القومي للمرأة تهنئ المستشار محمد الشناوي بتوليه رئاسة هيئة النيابة الإدارية    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    رئيس هيئة قناة السويس يوجه بصرف مليون جنيه دعما عاجلا لنادى الإسماعيلى    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    مصر تحصد ذهبية التتابع المختلط بختام بطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    محافظ كفر الشيخ يدشن مبادرة لزراعة الأشجار المثمرة ضمن مبادرة 100 مليون شجرة    اللواء محمد إبراهيم الدويري: أوهام «إسرائيل الكبرى» لن تتحقق وتصريحات نتنياهو تدق ناقوس الخطر عربياً    136 مجلسا فقهيا لمناقشة خطورة سرقة الكهرباء بمطروح    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    وظائف شاغرة بالمطابع الأميرية.. تعرف على الشروط والتفاصيل    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    دعوى قضائية أمريكية تتهم منصة روبلوكس ب"تسهيل استغلال الأطفال"    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    الأونروا: معظم أطفال غزة معرضون للموت إذا لم يتلقوا العلاج فورًا    ملخص وأهداف مباراة ريال مايوركا ضد برشلونة 3-0 فى الدورى الإسبانى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصلحون الجدد

من عجب أن يشهد العام الذي نودعه هذا الشهر رحيل نخبة من هؤلاء المصلحين الجدد‏,‏ الذين كرسوا حياتهم لفكرة النهضة‏,‏ علمية وفكرية وتربوية وثقافية وأدبية ودينية‏,‏ فكان علينا أن نودعهم ونحن نكفكف الدمع لنستطيع قراءة رسائلهم التي دونوها بأحبار أعمارهم‏.‏ لم يكن الدكتور محمد عابد الجابري‏,‏ الذي درس الفلسفة في جامعة دمشق وبدأ حياته العملية أستاذا لها في جامعة محمد الخامس في عاصمة بلاده الرباط‏,‏ مجرد مدرس لعلم قديم‏.‏ إذ لم تعد الفلسفة بعد ارتباطها بالعلم قديمة‏,‏ كما لم يكن هو حين اختار الشرق مجاله للتعلم والتعليم مجرد ناقل لذلك العلم‏,‏ لقد سعي الجابري في مشاريعه التي واكبت مسيرته العلمية والعملية في استفهام الماضي‏,‏ وسؤاله بجدية بالغة من أجل بناء واع للحاضر‏,‏ وفهم جدير بالمستقبل‏,‏ وقد وضع يده علي مكامن التخلف في التعليم‏,‏ وهو ما ينطبق جله علي التعليم في بلادنا العربية‏,‏ حتي وإن اختار المغرب نموذجا‏.‏
من هنا أكد الجابري ضرورة التعريب في مواجهة الفرنسية‏,‏ وتوحيد التعليم في مواجهة المدارس الخاصة للطبقات القادرة وتعميمه في مجابهة الأمية التي تأكل الأخضر واليابس‏.‏
وقد عد الجابري تراثنا الإسلامي تراثا حيا‏,‏ فمنذ ثلاثة عقود‏,‏ وفي كتابه نحن التراث يقوم بتحليل ذلك الإرث الفلسفي كمقدمة لمشروعه الأكبر نقد العقل العربي‏,‏ محاولا الإجابة عن مدي الاستفادة من استفهام التراث كتجربة حية‏,‏ حين يخرج من أوراق الفارابي وسطور ابن سينا ومقولات ابن رشد ومقدمة ابن خلدون ليعيش بيننا‏,‏ ولتظهر العقلانية أداة ومنهجا وفكرا في التعامل مع ذلك الإرث‏,‏ بدلا من وأده في أضابير مختومة وحفظه في أوراق بالية وإعادة نشره في نسخ محدودة فقط لكي نقول إننا نحافظ علي تراثنا‏.‏
ولعل مشروع الجابري الأخير لفهم القرآن الكريم فهما معاصرا هو زبدة أفكاره‏,‏ في خطاب جديد يحاور العلوم النقلية التي أسسها القدماء لكي تصبح أيقونات تستمد قداسة من النص القرآني‏,‏ وهكذا يعيد قراءة علوم القرآن والحديث والسيرة والتفسير والفقه لكي يقول لنا رسالته الأخيرة بإعمال العقل دائما لكي نستكمل ما بدأه النهضويون الأوائل‏.‏
بعد أن اختار دراسة السياسي عند أبي الحسن الماوردي مشروعا لنيل درجة الدكتوراه اتفق المفكر الكويتي الراحل الدكتور أحمد البغدادي مع ما جاء به الماوردي علي أن العقل أساس الفضائل‏,‏ وينبوع الآداب‏,‏ وأساس كل علم ومعرفة‏,‏ لأن الله سبحانه وتعالي جعل من العقل للدين أصلا‏,‏ وللدنيا عمادا‏,‏ ولم يكن التكليف واجبا إلا باكتماله وكماله‏,‏ لأن الشرع لايرد بما يمنع منه العقل‏,‏ والعقل لايتبع فيما يمنع الشرع‏.‏
ولم يكن البغدادي ذلك المفكر الساكن في برجه العاجي‏,‏ بل رأيناه يدعو إلي الحوار‏,‏ كما أسس مع ثلة من رفاقه في الكويت مركز الحوار الذي تبني الليبرالية دربا للتغيير‏.‏ علي أن حضور البغدادي الإعلامي عبر الدراسات الفكرية‏,‏ والمقالات الصحفية والمناظرات التليفزيونية والندوات هو ما جعله يخوض معارك مع من اختلفوا معه‏,‏ وخاصة بين المتشددين الذين أثارتهم دعوته لشجاعة إعمال العقل واستفتائه من أجل قيم التنوير ومشاريع النهضة وثقافة العقلانية‏.‏
الوعي كائن أسطوري يحتاج إلي من يحركه إذا سكن تحت رماد التخلف مثلما يحتاج إلي من يبعثه إذا اختفي في ظلام الجهل‏.‏ في كل عصر ننتظر من يقوم بهذا الدور فيرسل الوعي عاليا ليحلق بجناحيه‏,‏ وقليلون في مسيرة نهضتنا العربية من امتلكوا تلك العصا السحرية التي تملك تلك القدرة علي استثارة الوعي‏,‏ وكان في طليعتهم بالكويت الشاعر العربي أحمد السقاف‏,‏ وهي صفة لانطلقها جزافا‏,‏ بل نجده الأجدر بها وهو الذي وهب نصف ديوانه لأمته العربية‏,‏ وقضاياها القومية‏,‏ وفي طليعتها قضية فلسطين‏.‏
منذ بدأت الدراسات الغربية للتراث الإسلامي‏(‏ الاستشراق‏)‏ لغة ودينا ونصوصا وأعلاما وفكرا والمؤرخون والمفكرون والفلاسفة في الجامعات الأوروبية والأمريكية لايستمعون إلا لصوتهم‏,‏ ولايؤمنون إلا بنهجهم‏,‏ ولايقرأون إلا بلسانهم‏.‏ من هنا جاءت رسالة المفكر الجزائري الراحل محمد أركون لتبدأ عهدا جديدا من الدراسات الألسنية للقرآن الكريم في أعرق جامعة فرنسية‏,‏ السوربون‏,‏ التي نال منها درجة الدكتوراه في الفلسفة‏,‏ وانخرط في سلكها الجامعي أستاذا لمادته منذ ثلاثة عقود‏.‏
لم يكن دور الفلسفة استحضار آراء سلفت وحسب‏,‏ وإنما كان وسيظل دورها استقراء المستقبل‏,‏ وهو ما اتضح في أعمال راحل آخر هو الفيلسوف العربي الكبير فؤاد زكريا‏.‏
لقد نادي الدكتور فؤاد زكريا بضرورة إحياء التفكير العلمي وعده موضوع الساعة في العالم العربي منذ ثلاثين سنة‏,‏ ونحن اليوم حين نتأمل تراثنا فيما يخص فضاءنا العلمي نشعر بأسي كبير لأننا وقفنا نتفرج علي الآخرين وهم يثبون‏,‏ ونحن مقيدو الخطي في خرافات بالية‏,‏ وأفكار منهزمة‏.‏ لقد استقرأ فؤاد زكريا بما كنا سنصل إليه اليوم من ردة وترد وهو قدم لنا في اجتهاداته طرائق للتفكير جناحاها العقل والحرية‏.‏
والحديث يطول عن هؤلاء الأعلام الذين ودعناهم‏,‏ ومعهم كثيرون أسهموا بالمثل في محاولات النهضة‏,‏ فنحن لاننسي محاولات الدكتور نصر حامد أبو زيد في استنطاق التراث الذي كلفه الكثير‏,‏ ولكنه استفاد من محنته ليصبح صوتا عربيا إسلاميا جهوريا في منفاه الهولندي‏.‏ كما لاننسي العم الطاهر وطار‏,‏ نصير اللغة العربية‏,‏ التي لم تشكل اللغة وجدانه العروبي وحسب‏,‏ بل ألبست شخصياته الروائية في أعماله الشهيرة روحا محلية خالصة‏,‏ وذاتا عروبية قوية‏,‏ أثرت خيالنا الأدبي علي مدي عقود‏,‏ وعلينا بالمثل أن نتذكر الدكتور غازي القصيبي الذي وضع ثقافته في خدمة أمته‏,‏ ودافع عن حرية أفكاره‏,‏ فكان نموذجا مضيئا لأبناء الجزيرة العربية في العصر الحديث كمبدع عربي قومي‏.‏
إن استمرار الأمل يعني أن نحمل المشاعل التي تركها هؤلاء‏,‏ عالية حتي لاتخمد‏.‏ لانريد لمشروع محمد عابد الجابري في استفهام الماضي أن يتعثر‏,‏ ولانتمني لاستفتاء العقل الذي شغل أحمد البغدادي أن نشغل عنه‏,‏ ولايصلح أن يتوقف استنهاض الوعي العربي مع رحيل الشاعر أحمد السقاف‏,‏ ويجب ألا يتوقف استجلاء الدين بغياب محمد أركون‏,‏ أو يتعطل استقراء المستقبل بمضي فؤاد زكريا‏,‏ لتكن رسالة استنطاق التراث لنصر حامد أبو زيد حية‏,‏ لتكن دعوة الطاهر وطار للحفاظ علي لغة هويتنا قائمة‏.‏ ولتشعل ثقافتنا المدينة لإنجازات غازي القصيي مشعلا وراء آخر ليستمر الركب‏.‏

المزيد من مقالات د. سليمان إبراهيم العسكرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.