كانت عبارات مثل: أن مستقبل عملية السلام مظلم وأن العملية وصلت إلي نفق مظلم ولا أمل ظاهر في الأفق لحل نهائي, تعكس مسار المناقشات التي جرت في ورشة العمل التي شاركت فيها بدعوة من مركز دراسات المستقبل. التابع لمركز المعلومات بمجلس الوزراء, وأدارها مدير المركز القدير الدكتور محمد إبراهيم منصور, ودعا إليها نخبة من الخبراء, وأصحاب الرأي, ممن لهم وجهات نظر مستقلة, وهو ما هيأ للمداخلات براحا انطلقت فيها تعبيرا عن أصحابها, بحيث كانت الآراء, تتفق كثيرا حول نقاط, وتختلف كثيرا حول نقاط أخري. والكل يعبر عن تصوره لمستقبل عملية السلام. كان المركز قد دعا السفير حسن عيسي مساعد وزير الخارجية السابق, بحكم اقترابه من الملف الفلسطيني, ومن الواقع الإسرائيلي, ليكون المتحدث الرئيسي, وليقدم أفكارا كانت بمثابة ورقة عمل, انطلقت منها المناقشات. وقد عدد ثلاثة أسباب لوصف مستقبل عملية السلام بأنه مظلم للغاية, الأول يخص الموقف الفلسطيني الراهن, وعلاقات الفلسطينيين ببعضهم. والثاني موقف إسرائيل, ووجود حكومة وقيادات لا تريد ولا تستطيع توقيع اتفاق سلام من أي نوع. والثالث الموقف الأمريكي المنحاز والداعم بقوة لإسرائيل. وبالرغم من أن نظرة التشاؤم, خيمت علي أي توقع لحل في المدي القريب, فإن النظرة المستقبلية المستندة إلي تغييرات تلوح مؤشراتها محليا, وإقليميا, ودوليا, تقدر أن الحل النهائي والذي ستتيحه هذه التطورات, لن يكون في صالح إسرائيل. لأن العالم لن يكون هو العالم الذي احتضن إسرائيل منذ نشأنها, وأحاطها للآن بالرعاية. وقد اخترت لمشاركتي, العودة إلي عنوان ورشة العمل وهو: هل يوجد مستقبل لعملية السلام متوقفا أمام عنصرين مهمين, هما اللذان أصابا عملية السلام بخلل عضوي, قاداها إلي التعثر والركود, وتهيئة الوضع للبرطعة الإسرائيلية. وبالنسبة للعنصر الأول فإنني أستشهد بتعبير لشيمون بيريز في محاضرة حضرتها له في جامعة جورج واشنطن عام1997, ويومها سئل: ما هو مفهوم إسرائيل لعملية السلام؟.. وكانت إجابته أنها حرب من أجل السلام.. ليست حربا عسكرية, لكنها صراع تفاوضي, ودبلوماسي, ونفسي, وضغوط بكل الوسائل المتاحة, تدخله إسرائيل وهي مجهزة باستراتيجية, وبإدارة لعملية السلام. هكذا بدأت إسرائيل إدارتها لعملية السلام منذ مؤتمر مدريد1991, أما الطرف الآخر وهو العرب فقد أقنعوا أنفسهم أنه ما دامت إسرائيل قد شاركت في مؤتمر السلام بمدريد, فإن السلام بذلك قد حل. وتدافع جانب منهم إلي خطوات تطبيعية, لم تكن إسرائيل نفسها تتوقعها. وترك العرب لإسرائيل أن تنفرد بادارة العملية, ولم يكن لعاقل أن يتصور ألا تديرها لغير صالحها هي. أما العنصر الثاني وهو لماذا قبلت إسرائيل السلام؟. فقد كانت لذلك أسبابه, التي حسبت إسرائيل أنها تحمل نذر تحول في ميزان القوي لغير صالحها. وأنها لو وافقت الآن في وقتها علي السلام, لكان ذلك أكثر فائدة لها, مما لو أرجأته للمستقبل. وهذه الأسباب وردت في دراسات استراتيجية إسرائيلية, وفي كتابات لخبراء ومفكرين سياسيين يهود, وهي أسباب تراكم كل منها فوق الآخر, بحيث شكلت معا قوة دفع. وهي: 1 أن فشل سياسة القبضة الحديدية في القضاء علي الانتفاضة الأولي عام1978, والتي ادارها اسحق رابين وكان وقتها وزيرا للدفاع. 2 الخوف من أن تفقد إسرائيل وظيفتها في الاستراتيجية العالمية, للولايات المتحدة, بعد زوال الاتحاد السوفيتي عام1991, وحيث كانت تمثل قاعدة متقدمة لأمريكا في مواجهة النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط. 3 تداعيات حرب73, وهو ما اتفقت عليه أوراق المؤسسة العسكرية الإسرائيلية, من أن الجيش الإسرائيلي فقد قدرته وهيبته كقوة خارقة, وأنه ليس محصنا من الهزيمة. 4 اتفاق ساسة ومفكرين وقادة إسرائيليين علي أنه لو حدث تعديل في ميزان القوي بين العرب وإسرائيل, فالأفضل لها أن يكون السلام اليوم وليس في الغد. وقرروا أن هذا التعديل يمكن أن يحدث لو توافر شرطان لدي العرب, أولا: أن يستوعبوا معني المكونات الجديدة لقوة الدولة وعلي رأسها التنمية التي تكسبها قدرة اقتصادية تنافسية, والثاني أن تتحقق الديمقراطية ومشاركة الشعوب في القرار. وعندئذ سيتعدل ميزان القوي. وعلي ضوء هذه الأسباب جاء قول بيريز وقتها: اليوم السلام أهم من الأرض. وقول رابين: نحن لا نعارض تقرير المصير للفلسطينيين, بما في ذلك الدولة. ولما لم يتحقق السببان الثاني والرابع, وجاءت حكومة بوش في تجاوز قاعدة التميز التقليدية لإسرائيل, وصولا إلي التطابق التام في المواقف والأهداف, كما أن ميزان القوي لم يتعدل, لأن الموقف العربي ظل علي حاله, فقد حدث التراجع الإسرائيلي التام, وراحت تصرفات إسرائيل تهز الأسس التي قامت عليها عملية السلام. والخلاصة أن إسرائيل لها استراتيجية وإدارة للسلام حسبما تراه هي, وأمريكا لها استراتيجيتها, أما الطرف الأصيل في هذه العملية وهم العرب, فهم بلا استراتيجية أو علي الأقل إدارة لعملية السلام. لكن ذلك في النهاية لا يعني تجاهل رؤية لها وجاهتها, طرحت في ورشة العمل, تقدر أن تحولات قادمة حتي ولو كانت في الأفق البعيد لن تكون في صالح إسرائيل. وعندئذ لن يكون الحل النهائي هو ما تراه هي أو تتمناه.