يشعر الباحث بسعادة بالغة عندما يستمع إلي رأي يؤيد ما وصل إليه من نتائج بحثية, خاصة إذا جاءت هذه الشهادة نتيجة لخبرات حياتية لشخصية عامة بعيدة عن مجال التخصص. ولقد شعرت بهذه السعادة وأنا استمع إلي حديث إذاعي لأحد الدبلوماسيين. حيث أشار سيادته إلي أنه من خلال عمله كسفير في بعض الدول التي تعاني من صراعات داخلية( ومنها الصومال) أن التعليم يلعب دورا رئيسيا في تكريس الطائفية لهذه المجتمعات. وبالتالي استمرار الصراعات.. هذا هو محور دراستي عن خطورة تعدد الأنظمة التعليمية في المجتمع المصري, ولقد ختم سيادة السفير حديثه بقوله إذا تضخمت المصالح الخاصة وأصبحت تتفوق في المجتمع علي الصالح العام أدي ذلك إلي انحلال المجتمع وتفككه. وكانت هذه هي الفكرة الرئيسية التي يدور حولها بحثي عن جماعات المصالح والتعليم في مصر. وعلي النقيض نشعر بإحباط شديد عندما نجد أن هناك مواقف تأخذ في الاتجاه المعاكس, وهنا أشير إلي قيام الأستاذ الدكتور أحمد زكي بدر بافتتاح مدرسة أمريكية منذ أسابيع وإشادته بهذا النوع من التعليم بل أنه تمني أن ينتشر في كل أنحاء مصر, وبما أنني علي علم بموقف الوزير الرافض للتعليم الأجنبي منذ توليه الوزارة, فكان من حقي أن أتعجب لهذا الموقف, خاصة أنه أدي إلي سعادة غامرة لأصحاب المدارس الدولية, بما يعني أنه انفراجة لموقف الوزير وضوء أخضر لهذا النوع من التعليم. ويري المدافعون أن هذه المدرسة تختلف لأنها مدرسة مجانية وليست استثمارية, كما هو معروف عن هذا النوع من التعليم. لكن القضية هنا ليست قضية مجانية أو إتاحة, بل قضية منهج أجنبي تحت أي مسمي, فمن المعروف أن أي نظام تعليمي وجد ليحقق أهدافا وقيما وفلسفة مجتمعية. وكل مجتمع يحتاج إلي أفراد بمواصفات تختلف عن أي مجتمع آخر, وهذا يؤدي في النهاية إلي مناهج ذات مضمون معرفي يختلف من مجتمع إلي آخر والتي يتم وضعها بإتقان لتحقيق الأهداف المنشودة. ويتضح ذلك في نوعية القصص التي يدرسها التلاميذ والشخصيات التي يتخذها المجتمع كمثل عليا وأسماء الأفراد بل أن هناك من يري أن الحقائق العلمية تختلف في تناولها من مجتمع إلي آخر. هناك كثير من النتائج التربوية المترتبة علي دراسة مناهج أجنبية والتي أهمها: .1 تنمية أنماط اجتماعية جديدة تتميز بدرجة عالية من المرونة في أساليب التفكير والاتجاهات بما تتلاءم مع متطلبات العصر الحديث ومتغيراته, ولكن هذه الكفاءات من النوعية المطلوبة للسوق الدولي أو للبلد الأم. بدلا من إنتاج كفاءات تتواءم مع الاحتياجات والموارد المتاحة للاقتصاد المصري, والذي يختلف تماما عن الاقتصاد الأمريكي. .2 بما أن كل نظام تعليمي يسعي من خلال مناهجه إلي تحقيق مجموعة من الأهداف الخاصة بالمجتمع وتأتي في مقدمتها تكوين المواطن الصالح لهذا المجتمع, فإن هذه المناهج تسهم بطريقة مباشرة وطريقة غير مباشرة في نقل وتدعيم القيم المتفق عليها في المجتمع الأمريكي, وتحقق أهدافه, كما تؤكد قيم الولاء والانتماء للولايات المتحدةالأمريكية. .3 تعتبر هذه المدارس صورة باهتة للنموذج الذي نقلت عنه حيث فقد التلاميذ القيم الإيجابية في التعامل مع الكتاب المدرسي, وعدم القدرة علي القيام بالأنشطة المميزة التي تربط موضوعات المنهج بالبيئة المحيطة في المجتمع الأمريكي. ولقد اتفق عدد من العاملين بالمدارس الأمريكية علي أن المصريين أخذوا أسوأ ما في التعليم الأمريكي وتمسكوا بسلبياته المتمثلة في المرونة الشديدة في الدراسة ونظام الامتحان, وسهولة الحصول علي درجات مرتفعة, والحرية المطلقة للتلاميذ وعدم الالتزام بأي من قوانين وقواعد التعليم الحكومي. إذا كانت هذه المدرسة حقا فتحت بغرض تقديم خدمة تعليمية راقية لأبناء الوطن فلماذا تكون أمريكية, لماذا لا تكون مصرية الهوية والهوي لماذا لا تكون المدرسة المصرية المميزة للفائقين؟!! بحيث تقدم كل إمكانيات المدارس الدولية من معامل متطورة ومدرسين مميزين وملاعب واسعة ومنهج مصري, وسوف أضمن لكم جيلا من المخترعين دون الحاجة إلي منهج أجنبي.