كتب:ماهر مقلد: بقدر ما كان ينتظر سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن تشكيل المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة والده, وإصراره علي تشكيل المحكمة مهما كلف الأمر. بقدر ما يبحث الآن عن مخارج تضع القضية برمتها في مكان يخرج بها بعيدا عن الفتنة والانقسام., حتي لو أدي كل هذا إلي التريث في إصدار قرار الاتهام وتجميده, فالمحكمة باتت تمثل الخط الأحمر الذي بمجرد الوصول إليه تدخل لبنان في مرحلة ضبابية غير معروفة النتائج. لا يمكن أن يبوح سعد الحريري بهذه الأفكار, علي الملأ لكن جل تصرفاته وتلميحاته تصب في هذا الاستنتاج, من قبل قال كل القرارات مهما كانت لن تعيد لي والدي ما أريده هو الحقيقة من أجل وقف الاغتيالات التي كانت بمثابة الحدث اليومي في شوارع لبنان. الحريري كل ما يمكن أن يفعله فعله وخرج في تصريحات صحفيه مثيرة يعلن أن النظام السوري بريء من دم والده وأن شهود زور ضللوا العدالة. كان شجاعا عندما أعلن قناعته الأخيرة, لكنه فتح أبوابا من القيل والقال فهو يلتزم أخلاقيا بالبحث حتي اللحظة الأخيرة عمن قتل والده, يدرك جيدا أن وضع المحكمة الدولية خرج عن سياقه بعد أن أصبح حزب الله رافضا لها شكلا ومضمونا وهجومه عليها لا يتوقف, لا يريد الحريري أن يكسب حكما ويخسر لبنان, قوة حزب الله علي الأرض معروفه ولبنان لا يتحمل المزيد من الانقسامات, اراد أن يضع علاقته مع سوريا بعيدا عن التوتر مادامت المحكمة لن تدينها ويخرج هو ويعلن ذلك مسبقا حتي يتجنب تبعات العداء مع سوريا بكل ما تمثل للبنان وتملك فيها, كل الشواهد ترجح ان هناك قرارا ظنيا ربما يوجه اتهاما لعناصر غير منضبطة في حزب الله. الموضوع ليس جديدا فقبل أيام من انتخابات البرلمان اللبناني العام الماضي, والتي جاءت بالحريري رئيسا للحكومة, خرجت التسريبات تتحدث عن أن الاتهام المتوقع بعد التحقيقات المطولة التي أجراها فريق التحقيق الدولي في قضية اغتيال الحريري سيكون موجها بالاتهام تجاه بعض عناصر في حزب الله. التسريب الأول أو حالة النشر الأولي العلانية جاءت علي صفحات مجله ديرشبيجل الألمانية ومن يومها والتحولات في المواقف علي أشدها, وتبني جنبلاط موقفا رافضا وقال هذا النشر هو فتنة داخلية والحزب وبدأ يتعامل مع الموقف علي أنه قائم وبالتالي أعلن رفضه لكل ما يصدر عن المحكمة واتهمها بأنها مسيسة وأعلن تمسكه بالتحقيق وتحويل شهود الزور في القضية للقضاء اللبناني. وبدأ الحزب بذكاء إعلامي يعطي قضية شهود الزور كل الاهتمام وقذف بها إلي داخل اجتماعات مجلس الوزراء وطالب بإجراء تصويت داخل الحكومة علي القضية. قائمة شهود الزور تشمل أسماء لصيقة الصلة بالحريري ووضعها في خانة الاتهامات وأنها وراء تضليل العدالة في القضية يمس الحريري رأسا كون هذه الشخصيات قريبة منه وموضع ثقته! الاتهامات من كل صوب والتلويح في الداخل يفوق الوصف ورفيق الأمس وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الأشتراكي الذي دفعه دفعا في كل الاتجاهات لقيام المحكمة واتهام سوريا الآن يلعن اليوم الذي ساند فيه المحكمة ويقول هي غلطة عمري وحسابات خاطئة. و بل واعتبر أن رئيس الحكومة سعد كان جريئا عندما تحدث عن شهود الزور, معتبرا ذلك بالخطوة الجبارةوأكد أن علي اللبنانيين التعاون للوصول الي الحقيقة, لافتا إلي انه بالهدوء يتم الوصول إلي المخارج والحلول. وهناك مناورات في القضية فالمعارضة تدرس إعداد مذكرة لمنظمة الأممالمتحدة تطلب أخذ المعطيات الجديدة, حول ملف الاغتيال وشهود الزور, بعين الاعتبار, والتوقف الجاد أمام امكانية أن تنقلب المعطيات رأسا علي عقب لافتة الي انه ثمة من يطرح ملف شرعية المحكمة برمته, باعتبار أن هناك الكثير من الأسس المغلوطة التي قامت عليها المحكمة تركيبة وتحقيقات وشهادات. الحريري الابن يجلس الآن علي كرسي رئاسة الحكومة تعمق في الداخل اللبناني المثير, اقترب من تفاصيله وبدأ يدرك قواعد اللعبة في لبنان, المعادلة السياسية في لبنان لم تكن في أي يوم من الأيام لها مقدمات منطقية تؤدي إلي النتائج الطبيعية, هي معادلة دوما تحتاج إلي خطوات خارج السياق حتي تبدو في السياق, الجميع ممن احترفوا قواعد اللعبة أدركوا ذلك جيدا. كان الحريري الابن خارجها, صحيح هو نجل رفيق الحريري الاسم الكبير في عالم السياسة والاقتصاد ليس في لبنان بحسب ولكن علي محيط العالم غير أنه معذور فهو ورث تركه ثقيلة من الأزمات أخطرها قضية مصرع والده وكان عليه أن يفعل ما يشبه المستحيل حتي تتشكل محكمة دولية للتحقيق في القضية. في لبنان من غير الممكن بل من المستحيل أن تتمكن محكمة وطنية أو داخلية من التحقيق في مثل هذه القضية, فلن يكون في مقدورها مساءلة أحد من الطوائف والقوي السياسية والانتقادات القاسية تصل دوما إلي أسماع رجال القضاء من ألسنة السياسيين المحميين بالطوائف ولا تعقيب, ولهذا كان البديل الوحيد هو تشكيل محكمة دولية تتمتع بالغطاء الدولي وبشرعية الأممالمتحدة ومساندة الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا والدول الأوروبية. وفي طريق تشكيل المحكمة مر لبنان بأيام صعبة وشهد مرحلة اغتيالات دامية طالت نوابا ووزراء, وقتها تردد أن الباعث من وراء هذه الاغتيالات هو التدخل لحجب النصاب القانوني داخل البرلمان ومجلس الوزراء لمنع الموافقة علي تشكيل المحكمة, كانت هذه الفترة قاسية علي كل نواب الأغلبية والوزراء, الجميع بمن فيهم الحريري التزموا أماكن غير معلومة, و أعضاء مجلس الوزراء من الأغلبية استقروا في مبني السرايا الحكومي لا حركة ولا خروج, كل هذا كان بسبب المحكمة الدولية وسبقه انسحاب وزراء حركة أمل وحزب الله من الحكومة قبل التصويت علي مشروع المحكمة, إذن الشواهد مخيفة وظهور الحقيقة لن يخدم قضية الحريري والمساومات بدأت بشهود الزور وربما تمتد إلي طمس الحقيقة حتي تظل لبنان دون تصعيد, والأمر سيتوقف أيضا علي قناعة القوي الخارجية بهذه النتيجة وأي ضغوط ستمارس علي أطراف اللعبة.