رابع أيام العيد تنتهي ذبائح الأضاحي وتتضح الصورة بالنسبة لحجم ونوعية الجلود واتجاهات الناس في الأضاحي هذا العام.. فيشير التجار إلي تراجع الجلد البقري بنسبة لم يكن لها مثيل حيث بلغت نحو60%, وتراجع ذبح الإناث من30% من حجم البقري إلي أقل من10%, لكن كان هناك زيادة تبلغ70% في ذبح الأغنام, كما تضاعف الإقبال علي التضحية بالجمال لرخص أسعارها.. وقد انعكست هذه النسب علي أسعار الجلود التي ارتفعت بجنون خلال الشهور ا لأخيرة ووصلت من120 جنيه للجلدة البقري إلي320 جنيها في7 أشهر.. وتتعدد الأسباب وراء تغير هذه النسب والأسعار بشكل سريع ومفاجئ بسبب المزادات والمناقصات من أجل التصدير وتراجع الثروة الحيوانية في مصر بنحو40%. وفي بداية جولتي دخلت علي إحدي المدابغ التي توارثتها الأجيال بمنطقة سور مجري العيون ذات الطابع التاريخي, والتقيت بصاحبها محمد الشعار الذي كان يتفق علي صفقة من الجلود المتنوعة مع صبحي بهيج أحد التجار القدامي الذي توارث هذه التجارة أيضا, وحضر في ذهني موقف مشابه في نهاية عام2008 حيث انكسرت أسعار الجلود بشكل حاد من350 جنيها لجلدة العجل البقري إلي100 جنيه فقط, لكن في هذا العام عرض الحاج صبحي جلوده علي330 جنيها للمتميز منها ويقل السعر كلما قل الحجم والجودة بالنسبة للبقري, أما جلود الأغنام فكانت تتراوح ما بين22 و25 جنيها والتي كانت في نهاية102008 جنيهات فقط, وفي هذا العام كثر المعروض من الأغنام, وبعد الانتهاء من عملية الشراء التي تمت بسرعة جاء بعض المواطنين بجلد الأضاحي الذي يخصهم سواء للبيع أو لدبغه لوضعه في المنزل, وكان يتراوح سعر دبغ جلدة العجل ما بين130 و150 جنيها. وجلسنا في مكتب محمد الشعار وبصحبتنا الحاج صبحي بهيج وعدد من التجار والصنايعية وسألتهم عن أوضاع الجلود خلال السنوات القليلة الماضية مقارنة بهذا العام, فتشير الأرقام والنسب إلي أن سعر الجلد قفز عام2007 ووصل إلي350 جنيها لجلدة العجل البقري حيث حدث ارتفاع بنحو الثلث عن العام السابق, وكان سعر الضأن28 جنيها والماعز13 جنيها والجاموسي220, لكن بعد عدة شهور تراجعت الأسعار بشكل غريب وحدث خلل عجيب بها من كثرة المعروض من الجلد, فقد ارتفعت أسعار الأعلاف ويحاول كل مرب التخلص من ماشيته بالذبخ سواء من عجول أو إناث فبلغ سعر الجلدة100 جنيه للبقري, و10 جنيهات للضأن و80 جنيها للجاموسي, ومع انخفاض الثروة الحيوانية كما يقول الحاج صبحي بدأت تتزايد الأسعار مرة أخري فقفزت لنحو120 جنيها ثم وصلت في العام الأخير حتي يومنا هذا إلي نحو330 جنيها لجلدة العجل البقري, وارتفعت بقية أسعار الجلد الجاموسي والأغنام والجمال, والسبب تراجع الذبح بنسبة30% في المتوسط, لكن زاد ذبح الخراف, كما أن هناك مناقصات ومضاربات في المجازر وبين أصحاب المدابغ بسبب تصدير الجلد للسوق الأوروبية بعد تجهيزه في أول مرحلة, فكانت هناك طلبية بنحو60 مليون قدم, والجلدة الواحدة تعطي نحو35 قدما, ويبلغ سعر قدم الجلد المجهز نحو13 جنيها للبقري, والجاموسي10 جنيهات, والأغنام8 جنيهات. ويشير محمد الشعار إلي أن الإقبال علي الجلد المصري في الخارج كبير لأنه من أجود أنواع الجلد في العالم لكن معظمه غير مكتمل التجهيز والتفنيش ويتم بيعه بعد المرحلة الأولي للخارج وهذا يسبب خسائر كبيرة للاقتصاد, وهنا أقر الجميع بالامتناع عن الحديث في هذه النقطة الخطيرة والمهمة وأصروا علي أن أكثر رجل يفهم في عمليات تجهيز الجلد النيء حتي انتهاء التفنيش هو يوسف البنداري الذي قضي عمره في هذه الصنعة أو الحرفة فهو ملم بجميع أسرارها.. وعلي الفور طلبت البنداري للحديث معه ورحب الرجل الذي تعدي الستين من عمره, مؤكدا أن أي تجارة ماهي إلا عرض وطلب, فالجلد انخفض من8 أشهر من300 جنيه ووصل إلي120 جنيها في السلخانة للبقري, ومن240 لأقل من100 للجاموسي وخلال الشهور القليلة الماضية قفز إلي320 و240 للبقري والجاموسي, وهذه تغيرات سريعة وعجيبة.. وإذا نظرنا للمشكلة فلن نجدها في الأسعار أو الجلد ولا الطلب.. لكن حدد المشكلة في طريقة استخدام الجلد, فمعظمه يتم تصديره ويت بلو وهناك تكالب علي تصديره في هذا الشكل فهي عملية سهلة ولاتحتاج لخبرة وتتم في4 أيام فقط, وللأسف التصنيع المحلي لجميع مراحل تجهيز وتشطيب الجلد وتصنيعه اختفي بل انقرض, لأننا نقف عند مرحلة واحدة وهي المرحلة غير المرغوب في إجرائها بأوروبا وهي إزالة الشعر وتجهيز الجلد المبدئي لحفظه لمدة طويلة, وهي ترفع الجلد لنحو350 جنيها فقط ولا تحقق هامش ربح مجزيا. ولماذا لايتم تجهيزه وتشطيبه بالكامل؟!.. يؤكد البنداري هذا أصبح صعبا حاليا في مصر بعد القضاء علي هذه الحرفة, حيث لايوجد صنايعية مطلقا للمراحل المتقدمة, ونتيجة لارتفاع التكاليف عزف عنها أصحاب المدابغ واكتفوا بالمرحلة البسيطة الأولي, واتجهوا للاستيراد من الصين بسعر أرخص رغم الجودة المنخفضة جدا, وهذا مالم يدركه المواطن المستهلك, لأن المنتج الصيني يتميز بالشكل والتشطيب ونحن نفتقد ذلك, رغم السمعة العالمية للجلد المصري, ويبلغ سعر القدم المشطب منه نحو14 جنيها, ويتكلف تشطيبه نحو3 جنيهات, وينادي بضرورة عودة معهد الدباغة للعمل حيث توقف من6 سنوات وأثر بشدة في هذه المهنة وفنيتها, فالجلد ثروة قومية لامثيل لها ويمكن أن تستوعب عمالة مهولة وتدر دخلا محترما للفرد ولمصر, فتصدير الجلد بعد التشطيب النهائي وهي عملية تستغرق15 يوما سوف نبيع القيمة المضافة, يعطي عائدا كبيرا جدا, لذلك يجب أيضا تطوير الدباغة البدائية في مصر, والتركيز علي التدريب والتشطيب والتصنيع.