' يمكنك أن تغير اتجاهك تماما... إن إردت'. تلك أحد المبادئ السياسية التي أرستها مرجريت ثاتشر أحدي الزعامات التاريخية لحزب المحافظين البريطاني. خلال فترتي رئاستها للحكومة بين عامي1979 و1990. ومنها تعلم ديفيد كاميرون الكثير. ولما جلس كاميرون علي كرسيها في10 داوننج ستريت تذكر الدرس وطبقه ليس فقط في إدارة شئون بريطانيا الداخلية( خاصة في الشأن الاقتصادي) ولكن في سياستها الخارجية أيضا. بنفس المبدأ الثاتشري مد كامرون يده بطولها إلي فرنسا. ومنذ أيام وفي أول قمة منذ توليه السلطة في مايو الماضي جمعته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وقع الطرفان' معاهدة دفاع تاريخية' فاجأت بتفاصيلها البريطانيين. فقد اتفقت الدولتان وهما أكبر قوتين عسكريتين في أوروبا وتشكل ميزانيتهما الدفاعتين نصف إنفاق القارة كلها علي الدفاع علي اشكال تعاون عسكري جعلهما أقرب إلي بعضهما بدرجة غير مسبوقة حسب توصيف وزير الدفاع البريطاني الدكتور ليام فوكس. وتتألف المعاهدة حسب المعلن من اتفاقيتين أساسيتين. الأولي تتعلق بالتعاون العسكري واسع المجال والأخري نووية. وفي تفاصيل الإتفاقية الأولي فإنه بداية من2011 سوف يجري الجيشان تدريبات عسكرية مشتركة لتحسين قدرتهما علي الاستعداد العاجل لتشكيل قوة انتشار سريع. وهذا يعني إمكانية أن يشترك الجيشان في عمليات عسكرية. وهذا يعني ايضا انه لن تكون هناك حساسية في أن يعمل العسكريون البريطانية ايا تكن رتبهم تحت القيادة الفرنسية والعكس. وبات في مقدور أي من الجيشين أن يستخدم حاملات طائرات الجيش الآخر. وتشمل الاتفاقية نفسها أيضا التعاون المشترك في برامج عسكرية تشمل الاتصالات عبر الأقمارالصناعية ذات الأهداف العسكرية وابتكار أنظمة صاروخية جديدة وطائرات بدون طيار. وتتعلق الاتفاقية الثانية من المعاهدة العسكرية البريطانية الفرنسية بالأسلحة النووية. وفترة الاتفاقية50 عاما.وتشمل اختبار الرؤوس النووية البريطانية والفرنسية في مؤسسات البلدين علي أن تجري الاختبارات العملية في فرنسا وتجري بحوث تطوير وسائل الاختبارات في بريطانيا. لكن كل سيحتفظ بأسراره النووية. كل هذا يعني ضمن ما يعني إنه علي الفرنسيين أن يتعلموا الإنجليزية وعلي الإنجليز أن يتعلموا الفرنسية. ' المعاهدة علامة علي مدي تغير علاقة بريطانيا وفرنسا' يقول مؤيدو المعاهدة ومن بينهم بن ماكينتاتير أحد كتاب صحيفةالتايمز. فالتاريخ يشهد بالتعصب الثقافي في العلاقة بين البلدين. أما الآن ففي ظل التحديات الاقتصادية لم يعد أمام أكبر قوتين عسكريتين والدولتان الوحيدتان في أوروبا اللتان تتمتعان بعضوية مجلس الأمن الدائمة سوي التحالف. يقول مايكل كلارك مدير معهد الخدمات المتحدة الملكي' روسي':' البلدان في حاجة ماسة للغاية للتعاون'. فالشعور العام في بريطانيا هو انه ليس هناك بد من التعاون عسكريا مع الأوروبيين الآخريين وخاصة فرنسا لو أرادت بريطانيا أن تلعب دورا مؤثرا في الساحة العالمية. فالمراجعة الشاملة للدفاع التي اعلنت الحكومة البريطانية نتائجها الشهرالماضي أقرت بوضوح بضرورة توثيق العلاقات العسكرية مع فرنسا. فالوضع الاقتصادي السيئ في بريطانيا وخطة التقشف الحكومية الأخيرة تقضي بتخفيض ميزانية وزارة الدفاع) التي تتجاوز الآن46 مليار جنيه استرليني) بنسبة7,5 في المائة. وهذا يفرض قرارات صعبة مثل إلغاء مشروع تطوير طائرة التجسس نيمرود. وهذا لا يترك بديلا سوي العودة إلي مبدأ ثاتشر فغير موقف بريطانيا نحو فرنسا بعد أن اتسعت الشقة بينهما في أثناء عهد حزب العمال خلال الثلاثة عشر عاما الأخيرة. واقتنع كاميرون بضرورة المشاركة لتحقيق أفضل استغلال للموارد بين أكبر قوتين عسكريتين في أوروبا. فولدت المعاهدة الثنائية مع فرنسا من رحم الأزمة الاقتصادية. ومن بين حجج مؤيديه أن فرنسا هو الشريك المنطقي الطبيعي لبريطانيا. ففضلا عن عضويتها في مجلس الأمن فهي كبريطانيا عضو بمجموعتي الدول الثماني والدول العشرين الكبري وتملك رادعا نوويا. ومن أبرز الأمثلة علي تأثر وضع بريطانيا العسكري من الأزمة الاقتصادية أن عددا من حاملات الطائرات الحربية ستبقي رابضة في المياه والبريطانية والدولية بلا عمل حتي عام2019 لأنه لن الميزانية لن تحتمل تمويل طلعات الطائرات من فوقها!! كما أن الميزانية لن تتمكن من تحمل أعباء مالية تتعلق بإحراء اختبارات الرؤوس النووية أو بحوث تطويرها. يقول فيليب ستيفنس أحد المعلقين السياسيين البارزين' أجبر التقشف( الاقتصادي) الأمتين علي أن تدركا أنه ليس لأحدهما سوي الآخر'. وهذا الإدراك ترجم في توصيف الحكومة البريطانية المعاهدة بأنها' بداية لالتزام بعيد المدي بروابط دفاعية وأمنية أوثق مع فرنسا'. ويفسر ستيفنس الذي كتب السيرة الذاتية لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عندما كان في السلطة ذلك' التحول' في الرؤية البريطانية لفرنسا ولفرنسا إلي بريطانيا بما هو أوسع من الأزمة الاقتصادية.' ربما وعت الدولتان أخيرا أنهما وصلتا إلي نهاية الطرق المتباعدة التي سارتها عليها بعد أزمة السويس. ففرنسا لم تعد تأمل في حشد وتنظيم أوروبا ضد أمريكا. ولا تستطيع بريطانيا أن تستبدل علاقاتها القوية بالتعاون مع قارتها الأوروبية'. ورغم الترحيب العام بالمعاهدة المشتركة فإن مسألة السيادة سريعا ما طرحت للنقاش الجاري حول حدود التعاون العسكري بين لندن وباريس. ومع أن كاميرون وساركوزي قالا صراحة إن تطبيق المعاهدة لاسيما فيما يتعلق بالعمليات العسكرية المشتركة سيظل مرهونا بالمصالح القومية وصيانة سيادة كل دول فإن اليمين البريطاني يشكك في ذلك. ويستدعي البعض مجددا قضية' الجيش الأوروبي الموحد' ويتساءل حول ماذا كانت المعاهدة البريطانية الفرنسية أول لبنة في تشكيله. وهؤلاء يستذكرون أيضا إتفاقا مبدئيا لم ينفذ وجري بين بلير والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عام1998( قبل تباعد البلدان سياسيا وعسكريا واستراتيجيا بسبب تبعية بريطانيا لأمريكا في حرب العراق2003) يقول إنه' يجب أن يكون لدي الاتحاد الأوروبي القدرة علي العمل بشكل ذاتي مستقل( بعيدا عن أي قوة أو منظمة اخري) مدعوما بقوات عسكرية قادرة'. لكن وزير الدفاع البريطاني ليام فوكس المعروف بأنه يميني يقترب من أفكار المحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة يرد قائلا' رأيي دائما هو أن الدفاع يجب أن يكون مسألة سيادية ويبقي قضية تبحثها الحكومات فيما بينها'. ويقول كاميرون' الهدف( من المعاهدة) هو تعزيز القدرات السيادية لدولتين تتشابهان في العقلية والتفكير'.وردت عليه صحيفة ديلي ميل اليمينية' ربما نكون متشابهين في العقلية والتفكير اليوم.. فماذا عن الغد يارئيس الوزراء'.