الإنسان عجول.. لا يطيق الانتظار ولا يتحمله.. يريد كل شئ الآن.. وهناك أمثلة شعبية تجسد هذا المعني احييني النهاردة وموتني بكرةوفي ذلك يقول المولي عز وجل وكان الإنسان عجولا( الإسراء11).. ولعل هذا هو السبب في إقبال كثير من الناس علي الدنيا وزينتها, وعزوفهم عن الآخرة, لأن الدنيا عاجلة والآخرة آجلة, وذلك مهما كان متاع الحياة الدنيا هزيلا متواضعا إلي جانب نعيم الجنة, ناهيك عن الخلود فيها من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا. ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا( الإسراء18 19) فالذين يلهثون وراء زينة الحياة الدنيا ويذرون الآخرة أولوياتهم مغلوطة, إذ إن الله لم يحرمهم من متاع الدنيا, وبوسعهم أن يتمتعوا بما أحل الله لهم, ولكن عليهم أن يجعلوا للآخرة نصيبا من اهتمامهم, لا أن يطرحوا الآخرة وراء ظهورهم ويرجون مع ذلك أن يدخلوا الجنة(!) هم نسوا أن الدنيا دار ابتلاء واختبار وأن الآخرة هي دار القرار تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شئ قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا( الملك1 2) هم نسوا ذلك ونسوا أن الله قد أباح لهم الطيبات من الرزق, فلا معني لأن يتجاوزوا ما أحل الله لهم إلي ما حرم عليهم, ويضربوا عرض الحائط بآخرتهم.. إنهم إذن لظالمون.. والله يقول فيهم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون( البقرة57) والإنسان ملول بطبعه.. يمل الشيء حتي لو كان جميلا أو محببا إليه, وفي قصة قوم موسي إشارة إلي ذلك, حينما أنزل الله عليهم المن والسلوي وإذا قلتم يا موسي لن نصبر علي طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال اتستبدلون الذي هو أدني بالذي هو خير( البقرة61). الملل ترف زائد علي الحد في طبائع نفر من الناس, يقول الواحد منهم لو دخلت الجنة فسوف أملها بعد حين(!) وأقول: وماذا لو دخلت النار؟! هم لا يستمتعون بشيء إلا لفترة وجيزة ثم يملون!! كالطفل حينما تأتيه بلعبة يحبها, فإنه ما يلبث أن يملها ويلقي بها جانبا وقد يحطمها!! هم يزهدون أيضا فيما لديهم ويتحول اهتمامهم إلي ما ليس لديهم أو ما ليس في حوزتهم.. فإذا ما أصبح في حوزتهم زهدوه ولم يعد يثير اهتمامهم!!. ومن هؤلاء من يزهد في زوجته الجميلة.. المهذبة.. المثقفة.. الذكية.. ويرنو ببصره إلي سكرتيرته أو حتي إلي ما دونها.. فقط من أجل التغيير.. لابد للإنسان إن كان يريد أن يرتقي بنفسه أن يتحكم فيها, وأن يجعل لعقله نصيبا في تصرفاته, وألا يدع أهواءه ونزواته تتحكم فيه وتملي عليه.. العجلة آفة.. والملل آفة أخري.. وهما معا يدفعان الإنسان إلي تصرفات غاية في الغرابة واللامعقولية.. وربما الاستهجان من الجميع.. بل قد يصل إلي الحد الذي يصبح فيه عبرة لمن يعتبر. وهناك حالات يستغرب الواحد منهم فيها نفسه إذا اختلي بها, ولا يعود يعرف من هو, ولا كيف يعود أدراجه, لأنه يكون عندها قد فقد كل شيء.. احترامه لنفسه واحترام غيره له.. ولن يتبقي إلا البكاء علي اللبن المسكوب.