اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا اللهم من الراشدين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن أوحال الشهوات إلى جنات القُربات الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فإن طريق العبد في هذه الدنيا طريق مسافر طريقك في الدنيا طريق مسافر * ولابد من زاد لكل مسافر ولابد للإنسان من حمل عدة * لاسيما إن خاف صولة قاهر فالمسافر لابد له من زاد , ومن لم يتزود فهو أحمق يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : } إن لكل سفر زاداً لا محالة , فتزودوا من الدنيا للآخرة , وكونوا كمن عاين ما أعد الله تعالى من ثوابه وعقابه , ترغبون وترهبون ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم , وتنقادوا لعدوكم , فإنه والله ما بسط أمل من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه , ولا يمسي بعد صباحه وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا , فكم رأينا ورأيتم من كان بالدنيا مغترا ,وإنما تقر عين من وثق بالنجاة من عذاب الله , وإنما يفرح من أمن من أهوال القيامة { ويزيد رحمه الله الأمر وضوحاً فيقول }إن الدنيا ليست بدار قرار , دار كتب الله عليها الفناء , وكتب على أهلها منها الظعن , فكم عامر موثق عما قليل يخرب , وكم مقيم مغتبط عما قليل يظعن , فأحسنوا رحمكم الله فيها الرحلة بأحسن ما يحضركم من النقلة , وتزودوا فإن خير الزاد التقوى . إنما الدنيا كفيئ ظلال قلص فذهب بينا ابن آدم في الدنيا منافس ,إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر , إنها تسر قليلاً وتجر حزناً طويلاً { عزيزي المسافر , إن سألت عن الزاد فهو أنواع : 1. الإخلاص: فهو أول الزاد ومبتدؤه لأن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فهو باطل , والإخلاص يقتضي أن يخرج الداعي من قلبه رواسب التعلق بآثار الجاهلية , فلا يقدم إلا ما قدمه الله عز وجل , ولا يؤخر إلا ما أخره الله سبحانه وتعالى , ولا يزن الأمور بميزان الهوى أو موازين الحمقى والدهماء , بل لابد من التجرد المطلق لله عز وجل , والفرار إليه سبحانه وتعالى دون سواه ( ففروا إلى الله ) , والولاء له ولشرعه والبراء مما سواه . ومن مقتضى الإخلاص : أن لا تكون الدعوة مما يراد بها الدنيا , فترى حماسة الداعية ملتهبة مادام مرتاحاً في بلده آمناً في سربه , فإن أصابته فتنة أو أذى بسبب دعوته أو لم يجد مطمعاً مالياً أو جاهاً تنكر للدعوة وأصحابها , واختلطت عليه الرايات , وتبدلت أمامه المواقف !!! ( ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ) فالمخلص لا ينتظر رفاهية الطريق ومدخول النية يتنكر الطريق إذا تقلصت رفاهيته! فينبغي للداعية إذاً أن ينظر لهذا الأمر الجلل ليعرف مدى الإخلاص الحقيقي ويحذر من الاستدراج , فقد تجلب له صحبة الدعاة مغنماً أو مركزاً في قافلة الدعوة , وتنصرف إلى ذلك وجهته فيجعل الله عزوجل له الثواب في الدنيا , ويمنع عنه أجر الآخرة وهو يحسب أنه يحسن صنعاً ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون ) ومن هنا فعلى المؤمن الداعية استشعارالوجل والخوف من عدم قبول العمل , فقد تُعجل له طيباته فى الحياة الدنيا من ثناء ومدح وشهرة ومركز ووظيفة وسمعة ولذة عيش ورفاهية سكن ومركب ومال ممدود , ثم بعد ذلك كله يحرم من أجر الآخرة ( والآخرة خير وأبقى ) وأيضاً على الداعية الوجل من عاقبة ما يصيبه من الأذى والمحن , فإما مزيد في الدرجات العلى والنعيم المقيم إذا ثبت واستقام , وإما السقوط في الفتنة ومجافاة الركب , فبالمحن أيضاً يتميز معدن الإخلاص . ولا شك أن الانقلاب والانتكاس مراتب على قدر النقص في الإيمان , والضعف في واليقين , وأحط المراتب يحوزها المنافقون . 2. العلم : الذي يصحح المسار , وينير الطريق , ويكشف المجرمين وتدليسهم , ويورث الخشية , وإلا فليس بزاد . يقول ابن القيم رحمه الله : " فإن قلت : قد أشرت إلى سفر عظيم وأمر جسيم فما زاد هذا السفر ؟ وما طريقه ؟ وما مركبه ؟ " قلتُ : زاده العلم الموروث من خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم , ولا زاد له سواه , فمن لم يحصل له هذا الزاد فلا يخرج من بيته , وليقعد مع الخالفين ( ا ه من الرسالة التبوكية ) وتزداد أهمية العلم في هذا العصر مع كثرة المتحدثين في الدين وغثائية الصحافة والإعلاميين, فالتخبط كثير ,و( كل حزب بما لديهم فرحون) ثم اعلم أن أعظم العلم العلم بالله عز وجل وبما له من الجلال والحق وبما أعده لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب . 3. التقوى : التي وصفها الله تعالى بأنها خير الزاد فقال عز وجل ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) فالإنسان له سفران سفر في الدنيا , وسفر من الدنيا , فسفر الدنيا زاده الطعام والشراب والمركب والمال , والسفر من الدنيا زاده تقوى الله . فإذا تأملنا الفرق بين الزادين قطعنا بأن زاد الآخرة خير وأبقى من زاد الدنيا من وجوه كثيرة كما يلي : الأول : أن زاد الدنيا يخلصك من عذاب موهوم , وزاد الآخرة يخلصك من عذاب متيقن . الثاني : أن زاد الدنيا يخلصك من عذاب منقطع , وزاد الآخرة يخلصك من عذاب دائم . الثالث : أن زاد الدنيا يوصلك إلى لذة ممزوجة بالآلام والأسقام, وزاد الآخرة يوصلك إلى لذات خالصة من شوائب المضرة ,آمنة من الانقطاع والزوال. الرابع : أن زاد الدنيا تتحرك معه الشهوات وقد تقسو القلوب , وزاد الآخرة يوصلك إلى جوار الرحيم الرحمن , ونعيم الروح ومشاهد الجلال . ومن هنا كان خير الزاد التقوى . وأكثر ما تتجلى فيه التقوى حفظ اللسان والفرج , إذ هما أكثر ما يدخل الناس النار فمن أراد وقاية نفسه من النار حفظ لسانه وفرجه , فإذا به وقد لبس لباس التقوى ولاحت عليه علائمها .. وإلا أكبه الله عز وجل في النار . قال عبد الله المرداوي الحنبلي في منظومة الآداب : يكبُ الفتى في النارِ حصدُ لسانهِ وإرسالُ طرفِ المرءِ أنكى فَقَيِّدِ وطرفُ الفتى ياصاحِ رائدُ فرجهِ ومتعبه فاغْضضه تهتدِ وقد أشار بذلك إلى حديث معاذ رضى الله عنه حين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ( ثكِلتك أمُك , وهل يكب الناسَ في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم ) , وظاهر حديث معاذ أن أكثر ما يدخل به الناسُ النارَ النطقُ بألسنتهم .