كتب نابليون في مذكرات حملته المعروفة أن مصر أهم بلد في العالم,لم يقل أقوي, أو أغني بلد, ولم تكن أمريكا أو ما وراء المحيط الأطلسي قد عرف بعد, ولا أسرف إذا قلت إن نابليون كان صادقا الصدق كله, حين سجل للتاريخ هذه العبارة... ولك أن تنظر إلي مشهد العالم اليوم, لتري أن مصر هي قلب العالم الإسلامي بلا جدال أو مكابرة, كما كانت علي مر التاريخ الإسلامي, وأن مصر هي قلب العالم المسيحي الشرقي بلا منافسة, هذا علي المستوي الديني, وقل الأمر ذاته علي المستوي السياسي والاجتماعي بل والاقتصادي, قد يسخر من هذا القول من يحكم علي مصر من خلال أزمات تمر بها غالبية دول العالم وينسي موقع مصر في السياسة الدولية برغم أنها لا تملك سلاحا ذريا, فالدول الكبري كافة تعرف قيمة مصر وأثرها في حاضر ومستقبل العالم, وفي عالمنا العربي لا أظن أن عربيا واحدا يتنكر لرسالة مصر في المنطقة العربية, ودورها في المجالات المتنوعة, تلك هبة خاصة وهبها الخالق لهذه الأرض التي تدعي مصر, موقع جغرافي فريد, تاريخ حضاري لامثيل له, إيمان كشفوحدانية الخالق قبل نزول الوحي الإلهي, إنها أمة متفردة بين الأمم, عرفت التنوع والتعدد وجمال التعايش وقيمة السلام, لم تحدث فيها حرب أهلية خلال سبعة آلاف سنة منذ أن وحد مينا القطرين الشمالي والجنوبي تحت سلطانه وتاجه. من ذلك كله ندرك مصر لماذا شاركت مصر في مؤتمر الشرق الأوسط( من01 42 أكتوبر) الذي ضم رؤساء الكنيسة الكاثوليكية من ثمانين دولة, ومعروف أن الكاثوليكية هي المذهب الأكبر في العالم الذي يضم أكثر من مليار من البشر رئيسهم واحد هو بابا روما وبطاركتهم وأساقفتهم من الجنسيات كافة يعاون البابا مستشارون من هذه الدول. والكنيسة الكاثوليكية عضو في الأممالمتحدة, تكاد تكون أصغر دولة في العالم, ليس لها جيش أو سلاح, بل مجموعة من الحرس البابوي بزيهم اللافت للنظر وهم من أبناء سويسرا. وقد دعي بطريرك الكنيسة المصرية الكاثوليكية ومعه كل الأساقفة الكاثوليك بمصر وعددهم41 أسقفا, وبالرغم من قلة عدد الكاثوليك المصريين الذين لايتعدون ثلاثمائه ألف, إلا أنهم يعملون في المجال التعليمي(071مدرسة) والمجال الاجتماعي والصحي وخدمة المسنين والمعاقين وملاجيء الأيتام. ماالذي دفع بابا روما إلي الدعوة لهذا المؤتمر أو إلي هذا السنودس وهو لفظ يواني من مقطعين(SYN) ومعناه معا و(HODOS) ومعناه الطريق وأول من نادي بعقد هذه السنودسات هو بابا روما بولس السادس يوم51 سبتمبر5691 بعد إلحاح من المشتركين في مجمع الفاتيكان الثاني, ولعل الفكرة انبثقت من مصر حيث ناشد سفير الفاتيكان بها آنذاك المدعو سيلفيو اودي بابا روما سنة9591 بعقد مثل هذه المؤتمرات ولعله استوحاها من مصر ومن الشرق حيث تعقد مجالس للعشائر وللعائلات وتقام السرادقات في المناسبات المختلفة, وتحققت الفكرة في عقد مؤتمرات عدة منها سنودس افريقيا العام الماضي والخاص بالشرق الأوسط هذا العام, والهدف مراجعة الذات في داخل الكنيسة وكيفية مواجهة الحضارة الحديثة وتعميق روح التعايش بين الأديان وذلك لتصبح رؤية الكنيسة الكاثوليكية للعالم وللمستقبل واحدة ويسهم رجالها من مختلف الجنسيات في قراراتها ومواقفها, ومن ثم يتحمل المسئولون في الكنيسة مع البابا المسئولية واتخاذ القرار. ما الهاجس وراء عقد هذا المؤتمر, أزعم وهذا اجتهاد شخصي بعد مشاركتي في المؤتمر أن وراءه نقاطا خمسا هي: تغير المناخ الديني في العالم وهجرة المسيحيين الشرقيين من بلادهم. و أثر القضية الفلسطينية في مستقبل المنطقة والتعايش بين المسلمين وبين المسيحيين. و العلمنة التي تغزو الكنيسة من الداخل. وفي العقيدة الكاثوليكية بابا روما هو نائب المسيح وخليفة الحواري بطرس وأسقف روما, هو المرجعية الأخيرة لأكثر من مليار من البشر موزعين في كل أنحاء الأرض, يساعده مجموعة من الكرادلة ولفظ كاردينال(CARDO) من اللغة اللاتينية ومعناه السند أو الدعامة, وللبابا وحده حق اختيارهم, وهم بمثابة وزراء في أصغر دولة في العالم وهي الفاتيكان عضو في الأممالمتحدة لما لها من مكانة عالمية ودور أساسي في مسيرة الإنسانية بمؤسساتها الضخمة وجامعاتها المئات ومعاهدها ومراكز نشاطها الثقافي والصحي والاجتماعي وهم الذين ينتخبون البابا بشرط ألا يتخطي عمرهم الثمانين عاما وهم موزعون كالآتي:26 من أوروبا من تسع عشرة دولة,51 من أمريكا الشمالية وكندا,12 من أمريكا اللاتينية من ثلاث عشرة دولة,21 من إفريقيا من إحدي عشرة دولة,51 من سبع دول آسيوية وواحد من أستراليا, لذلك نفهم لماذا يأتي البابا من جنسيات مختلفة فالحالي ألماني والبابا الذي رحل كان بولنديا ومن يدري لعل إفريقيا أو آسيا تقدم بابا في زمن آت, أما اختيار بطريرك مصري وهو الأنبا أنطونيوس نجيب كاردينالا وهو الذي يتقن خمس لغات ويعد نموذجا للإنسان المصري في ثقافته ورقيه, فلا يمكن أن ننكر فضل مصر ورئيسها محمد حسني مبارك في هذا الاختيار, هذا الرئيس الذي كشف للعالم عن وجه مصر الحضاري وعن عالمها وثقافتها الإسلامية المتسامحة التي تعايشت قرونا طويلة مع التنوع والتعددية, إن الرئيس ملأ قلب العالم بالثقة في مصر وأبنائها وأعاد لها كرامتها ودورها الإنساني, لذلك تثق الأمم في كفاءة المصريين علي جميع الأصعدة. وأزعم أن المؤتمر بكل توجهاته مجمع علي أن التعايش بين المسلمين والمسيحيين لم يعد ترفا أو رفاهية, بل هو قانون للحياة وللمستقبل إن شئنا أن تتصل الحياة في أمن وسلام.