تصاعد الحديث حول حرب عملات بين الدول الكبري في الوقت الراهن بالذات, بعد ضخ الولاياتالمتحدة لسيولة جديدة قيمتها600 مليار دولار, بما يوازي نحو4.1% من الناتج القومي الأمريكي دفعة واحدة, وبصورة مفاجئة لاستخدامها في شراء الديون الحكومية الأمريكية المتمثلة في أذون وسندات الخزانة. وتلك الخطوة الأمريكية تؤدي إلي غمر العالم بالمزيد من الدولارات, وتؤدي إلي تخفيض أسعار صرفه مقابل العملات الحرة الرئيسية مثل اليورو, والين, والاسترليني, والفرنك السويسري, بما يؤدي إلي تخفيض أسعار الصادرات الأمريكية علي أمل زيادة قدرتها التنافسية في الأسواق التي تتعامل بتلك العملات, وهو مجرد أمل أمريكي لأن الولاياتالمتحدة جربت تلك السياسة عدة مرات, ولم تحقق النجاح المطلوب, لكن تلك السياسة الأمريكية سوف تحفز البنوك المركزية في الدول الكبري للتدخل في الأسواق لتحريك عملاتها في الاتجاه الذي يحقق مصالح بلدانها في حرب حقيقية للعملات. وفوق تأثير عملية الضخ الهائلة للسيولة الدولارية علي القدرة التنافسية للصادرات الأمريكية, وللسياحة في أمريكا والاستثمار فيها, فإنها تعني أيضا أن الولاياتالمتحدة مستمرة في نهب العالم بشكل لصوصي من خلال الإفراط في الإصدار النقدي بلا أي غطاء ذهبي, أو إنتاجي, لتحصل علي سلع وخدمات العالم مقابل مجرد أوراق نقدية لا تكلفها أكثر من الورق والطباعة!! وكان معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قد وصل إلي الصفر في عام2008, قبل أن يدخل في ركود عميق ويسجل نموا سلبيا بلغ 2.6% عام2009, مع تقديرات بأن نموه لن يتجاوز2.6% في العام الحالي, أي أن الناتج الأمريكي الحقيقي مازال أقل من مستواه عام2007, وبلد في مثل هذا الوضع لا يحق له إضافة أي سيولة نقدية جديدة, لكن الولاياتالمتحدة فعلت ذلك أخيرا وتفعله منذ أربعة عقود, مستغلة وضعية الدولار كعملة احتياط دولية تتم من خلالها تسوية غالبية التعاملات الاقتصادية الدولية, فتطلق دولاراتها وهي تعلم أنها ستهيم في أسواق العالم, ولن ترتد للسوق الأمريكية, هذا الارتداد الذي إن حدث في حالة التحول التدريجي أو السريع عن العملة الأمريكية في تسوية التعاملات الاقتصادية الدولية, فإنه سيشعل حالة من التضخم والاضطراب المالي والاقتصادي في الولاياتالمتحدة, ويوقع بها عقوبة اقتصادية هائلة جزاء نهبها المنظم للعالم لأربعة عقود من خلال وضعية عملتها كعملة احتياط دولية. وكان إنهاء وضعية الدولار كعملة احتياط دولية وإصدار عملة دولية جديدة يشرف صندوق النقد الدولي علي إصدارها, قد شكل مطلبا للعديد من الدول الكبري, وعلي رأسها الصين, وروسيا, والبرازيل في القمم الأخيرة لمجموعة العشرين, لكن لم تتم الاستجابة لذلك المطلب. وهكذا استمر الاعتماد علي العملة الأمريكية كعملة احتياط دولية, برغم أنها, ومنذ سنوات طويلة, لم تعد ملائمة للقيام بهذا الدور, بسبب تراجع حصة الناتج الأمريكي من الناتج العالمي من نحو45% بعد الحرب العالمية المباشرة, إلي أقل من خمس الناتج العالمي الحقيقي المحسوب طبقا لتعادل القوي الشرائية حاليا, وتراجع الولاياتالمتحدة كقوة تصديرية من المركز الأول بصادرات توازي نحو ثلث الصادرات العالمية بعد الحرب العالمية الثانية إلي المرتبة الثالثة بعد الصين وألمانيا, وبصادرات تبلغ نحو8.3% من الإجمالي العالمي حاليا, كما أن استمرار الدولار محتفظا بمكانة عملة الاحتياط الدولية لا يتسق مع العجز التجاري الأمريكي الهائل الذي بلغ نحو621.4 مليار دولار في العام المنتهي في أغسطس الماضي, كما بلغ عجز ميزان الحساب الجاري الأمريكي نحو430.9 مليار دولار في العام المنتهي في يونيو الماضي. وبالمقابل فإن هناك صعودا اقتصاديا كبيرا للصين والبرازيل والهند وروسيا وغيرها من الدول الناهضة, ليس من زاوية حصة كل منها في الناتج والتجارة العالمية وفقط, ولكن في حجم احتياطياتها الضخمة من العملات الحرة التي وصلت في الصين إلي قرابة ثلاثة تريليونات دولار, التي تتعزز بفعل استمرار الفوائض الضخمة في الميزان التجاري, وميزان الحساب الجاري, وقد بلغ الفائض التجاري في الصين نحو182.9 مليار دولار في العام المنتهي في سبتمبر الماضي, وبلغ فائض ميزان الحساب الجاري لها نحو289.1 مليار دولار في العام المنتهي في يونيو الماضي, وبلغ الفائض التجاري الروسي نحو149.8 مليار دولار, وبلغ فائض ميزان الحساب الجاري الروسي نحو77 مليار دولار في العام المنتهي في سبتمبر الماضي, حسب بيانات الإيكونوميست, وبالإضافة إلي هذه المجموعة فإن ألمانيا واليابان استمرتا في تحقيق فوائض تجارية هائلة وإزاء إصرار أمريكا علي الحفاظ علي الدولار كعملة احتياطي دولية, وإساءة استخدامه للإثراء علي حساب العالم, فإن إنهاء هذه الوضعية غير المنطقية للعملة الأمريكية سوف يتم تدريجيا, من خلال تنويع الصين وروسيا والهند والبرازيل وغيرها من الدول لسلة احتياطياتها في اتجاه تقليل حصة الدولار فيها, ومن خلال تسوية المعاملات الدولية بعملات حرة رئيسية أخري, أو بعملات الدول المتعاملة تجاريا مع بعضها بعضا, ومن الضروري لمصر والدول العربية التي تربط عملاتها بالدولار أن تنهي هذا الوضع وتربط عملاتها بصورة واضحة بسلة من العملات وليس بالدولار وحده, وأن تتخذ القرار الذي طال انتظاره بتسعير سلعة الصادرات العربية الرئيسية وهي النفط بسلة من العملات وليس بالدولار, وأن تنتبه إلي التغيرات العظمي في تراتب القوي الاقتصادية العالمية لتطوير العلاقات مع القوي الصاعدة بصورة متناسبة مع التزايد الكبير في وزنها الاقتصادي العالمي.