بعقل واع متفتح.. وقلب ينبض بحب مصر وشعبها.. حدثني الدكتور برهم صالح رئيس وزراء إقليم كردستان العراق في ختام زيارة استغرقت خمسة أيام رأس خلالها وفدا رفيع المستوي. والتقي مع كل من الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء والسيد أحمد أبو الغيط وزير الخارجية والوزير عمر سليمان والمهندس رشيد محمد وزير التجارة والصناعة والقائم بأعمال وزارة الاستثمار.. والسيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية. سألته عن انطباعاته ونتائج لقاءاته خلال الزيارة ومستقبل العلاقات المصرية- الكردستانية خاصة علي المستوي التجاري والاقتصادي.. وطلبت منه تقييما لمجريات العملية السياسية في العراق وأزمة تشكيل الحكومة ومبادرة الرئيس مسعود برزاني وخادم الحرمين للخروج من هذه الأزمة.. واستفسرت عن أبعاد وانعكاسات العمليات الإرهابية المتتالية التي شهدها العراق خلال الأيام القليلة الماضية.. وواجهته كيف تتمسكون بعقد القمة العربية المقبلة في بغداد في ظل هذا التذبذب الأمني والسياسي المتمثل في الانفجارات الأخيرة وأزمة تشكيل الحكومة ؟!. وأجابني بصبر وحكمة وحنكة قائلا إن مصر دولة كبيرة لم نر منها غير الحرص علي مصلحة العراق, دون أن يكون لها أجندة سياسية تحكم توجهاتها.. ونحن بحاجة ماسة إلي الدور المصري والعربي, مؤكدا رفضه لمفاهيم الهيمنة والوصاية والتدخلات الخارجية. ووصف الدكتور برهم صالح الوضع في العراق بأنه معقد وشائك خاصة بعد مرور ما يقرب من ثمانية أشهر دون تشكيل الحكومة والجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبت في الأيام الماضية. وأشاد بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لجمع القادة العراقيين في جدة, ووصفها بأنها رسالة محبة وحرص علي العراق, مؤكدا عدم وجود تعارض بينها وبين دعوة الرئيس مسعود برزاني لجمع الفرقاء العراقيين حول مائدة مستديرة لإنهاء هذه الدوامة. وعلق علي التفجيرات الأخيرة التي شهدتها بلاده بتأكيده أن الوضع الأمني مثير للقلق.. وأكد أن غياب التوافق الوطني هو الثغرة التي ينفذ من خلالها الإرهابيون. وفي ختام حديثه أعرب عن أمله في أن تكون بغداد هي مكان عقد القمة العربية المقبلة رغم كل الصعوبات السابقة.. لكنه اقترح- إذا تعذر عقدها في العاصمة- أن يكون إقليم كردستان هو مكان عقد القمة.. قائلا: لقد أبدينا استعدادنا كإقليم لبذل كافة الجهود من أجل دعم بغداد لاستضافة القمة..وفيما يلي نص الحديث: * سألته في البداية عن هدف زيارته للقاهرة ونتائج لقاءاته مع المسئولين المصريين ؟ { الزيارة تأتي تأكيدا لعمق العلاقات مع مصر في مختلف المجالات واستئنافا للزيارة الأخيرة لرئيس الاقليم مسعود برزاني إلي مصر, وقد تم خلال الزيارة استعراض الأوضاع السياسية في العراق مع المسئولين المصريين كما تم الاتفاق مع رئيس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف علي تفعيل التعاون الاقتصادي بين الجانبين وذلك في إطار الجهود الدؤوبة الرامية لتعزيز العلاقات بين العراق ومصر والعالم العربي. وأضاف: تم أيضا الاتفاق علي إقامة مركز تجاري مصري في أربيل قريبا وتبادل الزيارات بين مسئولي الجانبين خلال الفترة المقبلة لاسيما زيارات رجال الأعمال المصريين للاطلاع علي فرص الاستثمار القائمة في اقليم كردستان. طفرة اقتصادية * بماذا تصف نتائج زيارتك للقاهرة ومستقبل العلاقات مع مصروما هي أهم الاتفاقات والمشاريع التي اتفقتم عليها؟ { الزيارة ناجحة بكافة المقاييس وهناك قرار سياسي بدفع العلاقات بين اقليم كردستان ومصر الي آفاق جديدة, ووجدت توافقا كبيرا في الرؤي ووجهات النظر حول الاوضاع في العراق والمنطقة العربية والتأكيد علي ضرورة تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية. وأنا متفائل بناءا علي التفاهمات التي توصلنا اليها خلال هذه الزيارة بأن تتمخض عن مشاريع حقيقة علي الارض خلال المستقبل القريب وأن تكون تجسيدا للنوايا الطيبة المتبادلة بين الجانبين. والحقيقة أن إقليم كردستان يشهد حاليا استقرارا ملحوظا كما أن هناك طفرة اقتصادية وتطورا ليبراليا كبيرا, وربما كانت الظروف لا تزال غير مهيأة في بغداد وغيرها من مناطق العراق غير أننا نؤكد باستمرار علي ضرورة التعاطي مع خصوصية إقليم كردستان جنبا إلي جنب مع التعاطي مع الاقليم في فضائه العراقي والعربي. * وزير البترول والطاقة المصري المهندس سامح فهمي موجود في بغداد حاليا, هل سيكون لإقليم كردستان نصيب من هذه الزيارة؟ { هناك خبرات واسعة ومتراكمة لمصر في مجال استخراج ونقل النفط والصناعات النفطية والبتروكيماوية, ونحن نرحب بتعزيز التعاون مع مصر في هذه المجالات لاسيما أن شبكة الطاقة ونقل الطاقة من القضايا التي تهم العراق عامة واقليم كردستان خاصة. بدون مجاملة * الدور المصري مختلف عن كثير من تدخلات قوي إقليمية لها مصالحها الخاصة في بلادكم.. كيف تنظرون إلي هذه المعادلة ؟ { بعيدا عن المجاملات لم نر من مصر غير الحرص علي مصلحة العراق ولا نري أن لمصر أجندة سياسية تحكم توجهاتها بهذا الصدد, وعلاقاتنا منذ القدم مع الجانب المصري كان يحكمها التأكيد علي حل مشاكل العراق ودعم خيار العراقيين وجهودهم. أضاف: مصر دولة كبيرة في المنطقة وفي تقديري فإن العراق بحاجة إلي احتضان وتعمير أراضيه, هناك تغييرات طرأت علي العراق والمنطقة وغياب الدور العربي مثل مشكلة حقيقية للعراق والمنطقة, ومن ثم فإن تفعيل هذا الدور العربي والمصري باعتبار مصر دولة عربية محورية في المنطقة سيسهم بلا شك في تمكين العراق من تجاوز مشاكله السياسية, ونود أن نؤكد لجيراننا أن العراق الجديد يريد أن يعيش في وئام وسلام مع نفسه ومع جيرانه, كفانا حروب وخلافات ولنستثمر جهودنا ومواردنا لإعمار بلدنا والمضي به الي شاطئ الأمان. وأضاف بقوة وحزم: أما أي تدخلات خارجية فمن شأنها خلق عقبات أمام وحدة العراق, ومن ثم ينبغي التأكيد علي الخيار الوطني العراقي, ونقول لدول جوارنا وللعالم أجمع إن عراق صدم حسين كان مدخلا للمشاكل والكوارث التي يعانيها العراق حاليا, والأحري بالجميع أن يساندوا الخيار الوطني العراقي, وأن يحترموا إرادة الشعب العراقي المستقلة, ورفض مفاهيم الهيمنة والوصاية والسيطرة الخارجية لأن ذلك من شأنه خلق مشاكل ليس للعراقيين وحسب, وإنما للمنطقة كلها. أوضاع شائكة.. ورسالة محبة * ولكن الوضع السياسي في العراق صعب.. كيف تقيمون الأمور هناك في ظل عدم تشكيل الحكومة حتي الآن؟ { لاشك أن الوضع بالعراق معقد وشائك, فما يقارب الثمانية أشهر مضت دون تشكيل حكومة يشكل حالة حرج للنخبة السياسية بالعراق وحالة محرجة للعراق كدولة, وفي تقديري فإن الدرس الأكبر من الأزمة الراهنة هو أنه لا يمكن إقصاء أي طرف أساسي من المعادلة العراقية, ويجب أن نعمل علي إشراك كافة المكونات العراقية في العملية السياسية. * وماذا عن دعوة الرئيس مسعود البرزاني للقاء القادة السياسيين العراقيين في أربيل, ودعوة خادم الحرمين للاجتماع بجدة عقب موسم الحج, هل ترون ثمة تعارضا بين هاتين الدعوتين لاسيما أنكم تحفظتم في البداية علي هذه المبادرة؟ { لا يوجد تعارض بين دعوة الرئيس البرزاني ومبادرة خادم الحرمين, فقراءتنا لمبادرة العاهل السعودي هي أنها رسالة محبة وحرص علي العراق وتأكيد علي استعداد المملكة والعالم العربي تحت مظلة الجامعة العربية علي مساعدة العراق للخروج من أزمته الراهنة, وتأكيدا للمساندة العربية للخيار الوطني العراقي الحر. ولا شك أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين بهذا الصدد تأتي تعزيزا للخيار الوطني العراقي الحر والبعيد عن أية وصاية وتجسيدا للدور العربي المنشود لمساعدة العراق في هذه الأزمة. كما أننا الآن بصدد متابعة مبادرة الرئيس البرزاني لجمع الفرقاء العراقيين باقليم كردستان حول مائدة مستديرة في محاولة مخلصة لانهاء هذه الدوامة أو الأزمة السياسية الراهنة بتشكيل حكومة شراكة وطنية تتمثل فيها المكونات الأساسية العراقية. ثغرة للإرهابيين * نأتي للنقطة الساخنة حول الأوضاع الأمنية الراهنة.. لقد شهد العراق خلال الأيام القليلة الماضية سلسلة عمليات إرهابية عكست تراجعا في السيطرة الأمنية هناك.. كيف تقيمون الوضع الأمني بالبلاد؟ { لا شك أن الوضع مثير للقلق, وأرجو ألا تستخف به القيادة العراقية, فما يحدث حاليا من اختراقات أمنية خطيرة يؤكد أن غياب التوافق الوطني في مواجهة الإرهاب هو الثغرة التي يتحرك من خلالها الارهابيون. والهجوم الشنيع والجريمة النكراء بحق كنيسة سيدة النجاة في الكرادة قبل أيام يشكل تجسيدا للتحديات التي تواجه العراق وفي مقدمتها التحدي الأمني والاستباحة الأمنية للعراق. مكان القمة * وبالرغم من ذلك فلا يزال العراق متمسكا بحقه في عقد القمة العربية المقبلة بعد أربعة أشهر علي ارضه وتحت رئاسته, هل ترون أن ذلك ممكن في ظل الوضع الراهن أمنيا وسياسيا ؟ { القمة العربية المقبلة بالعراق ستكون تدشينا لمرحلة جديدة من التعاطي العربي مع العراق, من وجهة نظري فإن القرار بعقد القمة ببغداد يجب أن يظل قائما, وتوفير كافة الظروف الملائمة لإقامة قمة عربية ناجحة هناك. ونأمل في استتباب الظروف الأمنية ببغداد قبيل استضافة القمة, وإن لم يتوافر ذلك فيمكن لبقعة أخري من العراق استضافة القمة وهي إقليم كردستان ولكن الأمل الحقيقي أن تكون القمة ببغداد, وقد أبدينا استعدادنا كإقليم لبذل كافة الجهود من أجل دعم بغداد لاستضافة القمة لتكون بمثابة رسالة للعراق والمنطقة بأن العراق يستعيد عافيته ويسترد وضعه الإقليمي ويندمج في محيطيه العربي والإقليمي.