لاشك أن قضية الأسعار من منظورها الاقتصادي تشكل أحد المؤشرات المهمة التي يمكن عن طريقها تقييم الاقتصاد لاي دولة ومدي الاستقرار الذي يتمتع به هذا الاقتصاد فاستقرار الاسعار يرتبط ارتباط وثيقا بقوة عملة الدولة وثبات استقرارها بصورة يمكن الاعتماد عليها في اجراء اية حسابات مستقبلية وان كان ذلك علي المدي القريب علي الاقل. كما يرتبط مؤشر الأسعار من ناحية اخري باستقرار الاسواق من حيث القوة الشرائية التي تحتاجها الاسواق التجارية والقطاعات الصناعية لادارة منظومته الاستراتيجية انتاجا واستيرادا وتسويقا, كما انه يعني في ذات الوقت الاستقرار للمدخلات الصناعية ممثلا في خاماتها وأسعار الطاقة وباقي الخدمات من نقل وتأمين علي البضائع وهو امر لايتأتي في حالة التذبذب في توافر السلع والخدمات للأسواق بمجرد طلبها اي بمجرد الحاجة اليها. ولايستطيع اي باحث اقتصادي يقيم دراساته علي السوق المصرية إلا ان يستشعر الثقة في الاقتصاد المصري في هذه المرحلة الممتدة عبر السنوات القليلة الماضية استشرافا لما بعدها حيث تم احتواء التذبذب في اسعار البترول والخامات والمنتجات التي تدور في فلكه من حديد وأسمنت وبتروكيماويات ومواد بناء, وهو أمر لم يكن احتواؤه بنفس القدر في فترات سابقة رغم تشابه تذبذب اسعار البترول في الفترتين موضوع المقارنة. إلا ان لي توجها في تناول الاسعار من مبحث آخر لما له من حساسية وان كانت محدودة في حجمها ولكنها خطيرة الأثر في مدلولها لارتباط ذلك بمعايير محلية داخلية لا يوجد شبيها لها في الاقتصاديات العالمية, مثال ذلك: ان اسعار السلع في ريف مصر وصعيدها تتعرض لزيادات مجحفة رغم وحدة الدولة وانتماء المحافظات للدولة ذاتها وامتداد المستهلك كشعب واحد عبر جميع أرجاء الوطن الذي نحيا جميعا تحت مظلته ولانملك إلا الحفاظ علي سيادته ووحدته المادية والمعنوية والتي تبدأ وتصب في حق المواطن في الحصول علي معاملة عادلة لا تتأثر بالقرب او البعد المكاني عن عاصمة المعز. فلم يعد مقبولا ان ترتفع اسعار كثير من السلع الاساسية من أرز وسكر وسجائر وشاي كلما بعدنا عن العاصمة. فعلي سبيل المثال فان علبة السجائر تباع بأسعار تزيد علي اسعارها الرسمية كلما بعدت المسافة عن القاهرة كما لو انه يؤدي عنها رسوما جمركية كلما عبرت من محافظة الي المحافظة التي تليها. وقد تختلف السبل في زيادة الاسعار مابين الزيادة الصريحة في سعر الكيلو او العبوة او تعبئة ذلك في عبوات غير معيارية صغيرة مثل قراطيس الشاي والسكر وغيرها علي الجانب الآخر كيف يستقر مفهوم وحدة الدولة في ظل تعليمات تحظر نقل اسماك من بحيرة السد شمالا او سجائر وحاصلات زراعية او منتجات بعينها من محافظة الي اخري, ومع غرابة هذا الامر إلا ان احدا لايسأل كيف تقوم اجهزة سيادية تابعة للدولة بتنفيذ هذه التعليمات وهي غير المسبوقة بسائر الدول الأخري. خطورة هذا الامر انه يمس سيادة الدولة كما يمس حرية انسياب السلع والخدمات وهو ماتنادي به دوليا فما بالنا به محليا. يمتد بنا الامر عمقا في الغرابة عندما نري ان القائمين علي تسعير غرف الفنادق يفرقون بين السعر المعمول به للمواطن المصري عنه للمواطن الاجنبي بفروق تصل في متوسطاتها الي05% زيادة في الاسعار للنزيل الاجنبي, وقد يبرر البعض ذلك بأن جهة الادارة التي تعتمد الاسعار تخص المواطن المصري بمزايا لها مبرراتها السطحية من نقص الدخل وغير ذلك متناسين ان هذا الامر في حد ذاته يمس سيادة الدولة من الحرص علي استقرار الاسعار دون تمييز او تفرقة بين مصري وغير مصري. وليس المقصود من هذا المثال ان يفهمه البعض علي انه دعوة لزيادة الاسعار علي المصريين بل هو في الواقع دعوة لتوحيد الأسعار عند حدها المخفض وكفي الاجنبي انه تجشم مشقة القدوم الي بلادنا الجميلة عن طريق البر او البحر او الجو ليشعر بعد ذلك ان جميع الابواب مفتوحة للترحيب به دون مغبة شبهة الاستغلال مدام قد اقام عندنا محترما قوانين الدولة وأعرافها. وعكس هذا يطبق فعلا حيث تتمتع الرحلات السياحية او الوفود الاجنبية بأسعار تصل الي01 51 دولارا في الليلة بفنادق الدرجة الاولي بمنتجعات البحر الاحمر وهي ميزة لايحصل عليها المواطن المصري. والأمد ليس ببعيد عندما كانت اسعار العملات الاجنبية في بلادي تقيم بثلاث فئات للتحويل بحيث كان يقيم الدولار بثلاثة اسعار في ذات الوقت الاول منها هو السعر الرسمي والثاني هو سعر السوق والثالث هو السعر الجمركي والذي يستخدم في تقييم سعر الواردات, ورغم غرابة هذا الامر وكثرة التندر به محليا وعالميا فإن الأمر احتاج الي02 عاما قبل ان تتمكن الحكومة في عصر الرئيس مبارك من تغيير ذلك بجرة قلم وشجاعة قلب, وإذا كان هناك ما لايجوز ان ننساه كعبرة من هذا الموقف فهو ان الاجراء إذا سار مسارا خاطئا فان الأمر قد يحتاج الي عشرات السنين لتصحيحه. أما الاوكازيونات, فحدث ولا حرج حيث يستغل البعض موسم الاوكازيون ليطرح سلعا من الذي اتفق علي تسميتها فرز ثان او تلك التي شابها عيوب في الانتاج مقابل تلك الاسعار المخفضة حيث يشمل هذا السلوك المعيب كل السلع باستثناءات محدودة, كما لو كان الانسان لايستطيع ضميره المهني ان يخفض الاسعار دون ان ينتقص منها بحسابات جودة المنتج متناسيا ان منظومة الجودة المستقرة في الدول الصناعية والتي نعمل علي اللحاق بها ترفض طرح اي انتاج معيب بالأسواق اذ ان الصانع ينظر له علي انه خبير الجودة الاول المتخصص والذي يعمل لصالح المستهلك دون شبهة تلاعب من اي نوع. سأتوقف عند هذا الحد منتهيا الي ان مثل هذه السلوكيات التي ليس لها مسمي آخر آلا اضافة عشوائيات جديدة لحياتنا في وقت لايسمح فيه المجال لاي عشوائيات اضافية خاصة ان هذا المسلك الذي ننفرد به ليس له مثال يشابهه في اي من الدول ذات الاقتصاديات الناهضة والمستقرة والتي نسعي للتعاون معها من واقع المساواة والندية في المفاهيم والجدية وأيضا في حرصها علي استقرار الأسواق. كل الأمثلة التي أوردتها في المقال تمثل تشوهات في نظام التسعير في بلدنا, وهي تشوهات طاردة في بعض الأحيان, الامر الذي يستلزم استئصالها والقضاء عليها تماما.