الحق ان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ترتعد فرائسه, وكذلك حكومته منذ امتد لهيب المظاهرات والاحتجاجات الي الجامعة, فذكريات مظاهرات عام8691 التي اطاحت بشيخ اليمين في فرنسا الجنرال ديجول وحكمت عليه ان يموت في قريته النائية عن باريس كما تموت الابل, ماتزال شاخصة في الأذهان. والثابت ان نيكولا ساركوزي قد استهان بكل شيء واسقط ورقة المهاجرين وذوي الاقدام السوداء من حساباته رغم انه مهاجر جاء والده الي فرنسا واستوطنها وخالط اهل باريس, لكن الشعب الفرنسي لم ينس ذلك, وظل حتي اليوم يتعامل معه كمهاجر قادم الي فرنسا وبالتالي لم ينس له مجموعة اخطائه وعدم احترامه لقواعد اللعب السياسي كما يعرفها الغرب. فقد اعتاد الفكر الغربي علي محاكمة أي رئيس بعد مرور مائة يوم الا ان ساركوزي رفض ذلك وذهب الي ان المحاكمة يجب ان تكون في نهاية الفترة الرئاسية وليس بعد مرور عشرة اسابيع ونيف ولم يشأ ساركوزي ان يتعلم من اخطاء اليمين واليسار علي السواء واستهان كثيرا بموقف سلفه جاك شيراك عندما ضحي الأخير برئيس وزرائه قربانا للجماهير التي كانت تتلمظ وتخلي عن اصراره الخاص بقانون الوظيفة الواحدة, والمعروف ان ساركوزي اعطي نفسه الحق في ان يفكر بطريقة اخري ويري انه مثل الجيل الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية وبالتالي لايحمل ذات القيم التي يحملها جاك شيراك ومعاونوه.. وتركهم يخرجون من الباب الخلفي لقصر الاليزيه! واعجابه الشديد بامريكا بوش الابن لم يلق هوي عند الجماهير الذين لم ينسوا انه عندما كان مرشحا رئاسيا وجه لوما رئاسيا في واشنطن لسلفه الرئيس جاك شيراك لانه لم يساعد الرئيس الامريكي جوج بوش الابن في احتلاله العراق, كما اسبغ علي الرئيس الامريكي آنذاك الصفات الحميدة, ورأي ان العالم كل العالم في حاجة الي تقليد امريكا اقتصاديا وسياسيا, كما اوسع مكانا رحبا للامريكان في اوروبا وغاب عن باله ان شريحة ليست يسيرة ضمن الفرنسيين لا تؤمن بالأفكار التوسعية لبوش الابن, ونسي ان مؤامرة11 سبتمبر1002 قد فضحها كاتب فرنسي الاصل اسمه تيري ميسان في كتابه الشهير الخديعة الكبري وذهب ساركوزي رغم ذلك الي مسعي ان تكون فرنسا صورة اخري لأمريكا, وقد ظل افتنانه لها مستترا حتي بعد وصول اوباما.. وعلي خريطة اوروبا لم تنس له الجماهير انه اعاد صياغة معاهدة برشلونة وذهب الي ان اوروبا بدورها ليست الا تابعا لامريكا تأتمر بأمرها والدليل علي ذلك ان الخط الساخن بين اوروبا وامريكا مشتعل وانه لا توجد فروق خطيرة بين الموقف الاوروبي والموقف الامريكي ازاء قضايا العالم ومنها قضية الشرق الاوسط.. وقد ظن ساركوزي ان عودة الانخراط الاستعماري في الامارات العربية عن طريق القاعدة العسكرية التي بناها هناك او اطلاق سراح الممرضات البلغاريات قد اسعد الجماهير لكن هيهات! فالعقل الجمعي الفرنسي لم ينس انه عجز عن ان يسوس امر منزله وترك زوجته الاولي تتزوج من صديقها المغربي, وعندما قرر ان يتزوج, جاء بساكنة قصر الاليزيه من ايطاليا( اقصد زوجته الثانية) ولقد غاب عن باله انه صدم الجماهير الفرنسية مثني وثلاث ورباع, وتدثر بموافقة الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ والنقابات وترك المظاهرات يمتد لهيبها الي الجامعة وهي قدس الأقداس الذي يعمل له اي رئيس الف حساب واستمر ساركوزي في عناده ونسي ان سلفه الذي نفي انه ليس شبيها له وان فرنسا لا تورث! استجاب في ظروف مماثلة ولم يركب عناده, والحق ان ساركوزي لايحترم قواعد اللعبة السياسية ورغم انه يميني حتي النخاع الا انه لم يحترم اليمينيين واطاح بهم من كل المناصب واستعان بكوشنير وهو من عتاة الاشتراكيين في منصب وزير الخارجية! ثم لم يلق بالا لجموع الاشتراكيين الذين يقودون المظاهرات ضده ورفعوا شعار: ان رجلا عجز عن ادارة شئون نسائه كيف له ان يدير فرنسا بيمينها ويسارها علي السواء, وقد ألب جموع المهاجرين ضده فلم ينس سكان الضواحي, وهم بالملايين اهماله المتعمد لهم منذ كان وزيرا للداخلية ووصفه لهم بالحثالة. ..وجرأته في التعامل معهم داخل اقسام الشرطة لذلك كانوا الاكثر بين المتظاهرين والمحتجين, الطريف ان العرب ينظرون الي ساركوزي الذي يبدو انه فوق صفيح ساخن هذه الايام وكأنه البديل عن اوباما الذي تنكر لكل كلمة قالها في جامعة القاهرة وجورج بوش الابن الذي كان يتعامل معهم وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. الغريب ان العرب قد أدمنوا النظر الي فرنسا مطلقة شعار: حرية اخاء مساواة مع ان واقع الحال يقول ان فرنسا اليوم ليست فرنسا الامس. اقول ان العرب قد ادمنوا النظر الي الغير الا ذواتهم مع او رفعتهم وانحطاطهم لا تأتي الامن خلال الذات وليس الآخر.. يكفي اخيرا ان نعلم ان ساركوزي في احط الدرجات بحسب استطلاعات الرأي, وان الجماهير الغاضبة تري انه قد يكون المثال للرئيس الذي لم يجلس الا مدة واحدة خصوصا ان الانتخابات الرئاسية لا يفصلنا عنها الا عام ونصف العام.