الفضيحة ليست أمريكية خالصة, الرائحة البريطانية تفوح من الوثائق الأمريكية المسربة إلي موقع ويكيليكس حول خفايا حرب العراق, فالقوات البريطانية كانت الشريك الرئيسي في غزو واحتلال العراق عام2003, ولم ينكر الجيش البريطاني( الذي نشر46 ألف جندي في بداية الغزو وانخفض العدد إلي150 الآن) أنه كان لقواته نقاط تفتيش ومعتقلات خاصة في البصرة, جنوبي العراق. ولم يبطل بيان لوزارة الدفاع, الصادر عقب المؤتمر الصحفي الذي عقده القائمون علي موقع ويكيليكس في لندن يوم السبت الماضي, التساؤلات حول مسئولية القوات البريطانية عن جرائم التعذيب والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان في العراق, ولم يكن تذكير البيان بأن الحكومة البريطانية( العمالية السابقة), شكلت فريقا خاصا يحقق في كل قضايا الانتهاكات التي ربما تكون القوات البريطانية قد مارستها في العراق, كافيا للإجابة عن السؤال: ماذا كان دورنا في الانتهاكات؟ وماذا فعلنا للدفاع عن حرمات حقوق الإنسان في العراق؟. لم يفعل البريطانيون, حتي الآن, سوي الإعلان من حين لآخر عن أنه لا تستر علي أي انتهاكات ربما تكون بعض قواتهم قد اقترفتها في العراق, ولم يحددوا فترة زمنية لانتهاء عمل فريق التحقيق المسمي ب فريق الإدعاءات التاريخية الخاصة بالعراق. وبفضل مشروع الحقيقة الذي يبدو أن موقع ويكيليكس مصر علي استمراره, بدأت الضغوط الداخلية تتصاعد علي الحكومة البريطانية, فالموقع الأمريكي لا يعمل بمفرده, فشريكه الرئيسي بريطاني, وهو مجموعة تطلق علي نفسها اسمIraqBodyCount( إحصاء جثث العراقيين), فهذه المجموعة حللت الوثائق الأمريكية وانتهت إلي أن عمليات القتل كانت شائعة في كل بلدة وقرية ومحافظة في العراق, وهذا يؤكد أن نطاق عمليات القوات البريطانية في جنوب العراق شهد عمليات قتل للمدنيين العراقيين, ولذلك فإن مؤسسي مجموعة إحصاء جثث العراقيين, هاميت دارداجان وجون سلوبدا, طالبا علي صفحات الحكومة البريطانية بأن تسرع بالكشف عما لديها هي الأخري من معلومات لو أرادت إثبات التزامها بالأخلاق والصدق في محاسبة منتهكي حقوق العراقيين الإنسانية. هذا الموقف شكل سندا قويا للمحامي البريطاني فيل شاينر الذي يتابع عشرات القضايا نيابة عن عائلات عراقية ضد القوات البريطانية, ويقول شاينر علنا من الخطأ تصور أن تسريب الوثائق الأمريكية ليس له علاقة بالمملكة المتحدة. وربما لأنه لم يعد الجنود البريطانيون علي الجبهة الآن, ولم تعد هناك حاجة لمزيد من الدلائل علي الانتهاكات في العراق, فقد شعر شاينر بأنه أكثر حرية في التأكيد أن هناك سجلا متزايدا من الأدلة عن قتل وإساءة معاملة وتعذيب العراقيين وهم رهن الاعتقال لدي القوات البريطانية. ووصل الأمر إلي حد اتهام شاينر وزارة الدفاع ب إخفاء التفاصيل حول سوء معاملة العراقيين, ودعا إلي لجنة تحقيق قضائية لإجراء تحقيق كامل في مسئولية المملكة المتحدة عن الضحايا المدنيين في العراق. لا مؤشرات بعد علي أن الحكومة الائتلافية الحالية سوف تستجيب لمثل هذا الطلب, لكن التطورات الأخيرة تضع لجنة شيلكوت, التي كلفها رئيس الوزراء العمالي الأسبق جوردن براون بالتحقيق في مشاركة بريطانيا في حرب العراق, في موقف بالغ الحرج. فالكشف عن الوثائق الأمريكية, جاء بعد أسبوعين من مهمة سرية قام بها أعضاء اللجنة, التي بدت وكأنها وسيلة للتطهر من ذنب المشاركة في الحرب, إلي العراق في الفترة بين26 سبتمبر الماضي, والأول من الشهر الحالي, وخلال الزيارة, أجرت اللجنة جلسات نقاش خاصة استهدفت الحصول علي تصور أوسع لمشاركة المملكة المتحدة في العراق بين عامي2003 و2009. غير أنه بخلاف جلسات الاستماع السابقة, فإن رئيس اللجنة استخدم حقه في عدم نشر نتائج زيارته للعراق, والتي شملت لقاءات مع عدد كبير من الشخصيات السياسية والعسكرية والأمنية العراقية. ومن بين هؤلاء أياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق( والمنافس الرئيسي الحالي علي رئاسة الحكومة العراقية), وموفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي, وكبار قادة وزارة الداخلية, وأحمد الجبلي زعيم المؤتمر الوطني العراقي, وطارق الهاشمي نائب رئيس العراق, وإبراهيم الجعفري رئيس الوزراء السابق, وزعماء القبائل وموظفون مدنيون محليون في بغداد والبصرة. أحد أهداف لجنة شيلكوت, حسب خطاب التكليف الحكومي, هو تحديد الدروس التي يمكن تعلمها, وأحد أهم وسائل التحقيق الوصول إلي المعلومات الرسمية, مع تعهد قطعه رئيس الوزراء بأنه لن تكون هناك وثيقة بريطانية أو شاهد بريطاني فوق سلطة لجنة التحقيق. وهذا يعني أن اللجنة, التي دللت بها بريطانيا علي حرصها علي كشف الحقيقة ومصارحة البريطانيين بما حدث في العراق, سيكون لها الحق في الحصول علي الوثائق والمعلومات الخاصة بطريقة تعامل الجيش البريطاني مع العراقيين خاصة في البصرة. حتي يحدث ذلك, شرعت وسائل الإعلام التي تبنت منذ البداية حملة المعارضة للحرب, في زيادة وعي البريطانيين بأن الحرب لم تكن فقط خطأ سياسيا استراتيجيا بل ذنب أخلاقي, يرقي لمستوي الكارثة, يجب أن تتطهر بريطانيا منه.