المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في أي مرحلة من مراحلها وعلي أي مستوي من مستوياتها, لم ولن تكون كأي مفاوضات بين إسرائيل وأي دولة عربية أخري كمصر أو الأردن والتي انتهت المفاوضات بين كل منها وبين إسرائيل بتسويات سياسية تم تضمينها معاهدات سلام تعاقدية, أعادت الأرض والحقوق والسيادة, وأعطت لإسرائيل اعترافا وضمانات أمنية متبادلة, كل ذلك جري في ظل ظروف تاريخية مختلفة, فعندما انخرطت إسرائيل في العملية السياسية مع مصر كانت هناك حرب أكتوبر73 بنتائجها العسكرية التي كانت لاتزال ماثلة علي مسارح العمليات, وما أحدثته الهزيمة العسكرية لإسرائيل من صدمة عنيفة علي مختلف المستويات, وكان هناك الموقف المصري الصلب الذي أصر علي إطار التفاوض, فلا تفاوض علي الأرض والحدود والسيادة, ولكن التفاوض علي الضمانات والترتيبات الأمنية المتبادلة, وعلي طبيعة العلاقات المستقبلية بين مصر وإسرائيل. وهو أيضا ما ركزت عليه إسرائيل, أي أنه لم يكن هناك تعارض جوهري أو تناقض رئيسي بين الموقفين بمعني أنه لم يكن لدي مصر علي سبيل المثال مشروع لتدمير إسرائيل, ولم يكن لدي إسرائيل مشروع يتعلق بأطماع في الأرض المصرية رغم أنها استخدمت هذه الورقة في محاولات للضغط خلال المفاوضات وانسحبت إسرائيل من الأرض, وأنهت مصر حالة الحرب معها, واعترفت بها واتفق الطرفان علي مجموعة من الضمانات والترتيبات الأمنية المتبادلة برعاية أمريكية وكان هذا هو الدور الأمريكي الرئيسي. أما الموقف اليوم بالنسبة لعملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية عبر المفاوضات غير المباشرة أو التقريبية أو المباشرة فإنه مختلف تماما, الطرف الفلسطيني لديه مشروع واضح هو التسوية العادلة التي تتم بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة, المتواصلة جغرافيا, والقابلة للحياة والتطور, وذلك علي كامل الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة طبقا لحدود الرابع من يونيو1967 مع إسرائيل. وفي المقابل يتخلي الفلسطينيون عن المشروع القومي بتحرير فلسطين من البحر الي النهر ويتم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود مع وضع حد للصراع التاريخي, كل ذلك في إطار ضمانات وترتيبات أمن متبادلة وتنظيم للعلاقات بين الدولتين والشعبين, وهو مايعني بالضرورة وضع الأماكن المقدسة وموارد المياه وأوضاع اللاجئين, وتنظيم حركة الأفراد والسلع والخدمات بين الدولتين, وتلك كلها هي النقاط محل التفاوض.. هذا هو المشروع الفلسطيني مشروع التسوية, في المقابل فإن المشروع الإسرائيلي متناقض تماما, فهو يسعي الي التصفية أي تصفية القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها الوطني.. فإسرائيل لن تنسحب من الأراضي الفلسطينيةالمحتلة, ولن تعود الي حدود4 يونيو1967, والقدس مدينة موحدة شرقية وغربية وعاصمة أبدية لإسرائيل, والمستوطنات والمستوطنون باقون علي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية, ويتم ضم تلك الأراضي الي حدود دولة إسرائيل, حتمية الوجود العسكري الإسرائيلي في منطقة غور الأردن علي نهر الأردن مع السيادة علي الأراضي والممرات المؤدية الي الأغوار, وعلي ضوء ذلك يتم ترسيم حدود جديدة للمناطق التي ستئول الي الفلسطينيين داخل الجدار العازل.. وهكذا تمتد إسرائيل من ساحل البحر الي شاطيء نهر الأردن, امتدادا متواصلا.. مع ترك قطاع غزةللفلسطينيين يفعلون ما يشاءون, والأهم أنه لن يكون للدولة الفلسطينية تلك سيادة علي الحدود أو المياه الإقليمية أو المجالات الجوية.. ولن يكون لها قوات مسلحة بأي حالة من الأحوال؟! وعلي الفلسطينيين أن يقبلوا بكل ذلك مسبقا.. ثم نبدأ العملية السلمية, وتبدأ المفاوضات المباشرة.. ولا أحد يعلم علي أي شيء بالضبط سيتم التفاوض؟ اللهم إلا مناقشة كيفية تدبير الاحتياجات الحياتية الضرورية للفلسطينيين من مأكل ومشرب, وغير ذلك من الأمور الإنسانية.. وبعض تسهيلات الحركة والتنقل, وهكذا نجد أنفسنا أمام مشروعين متناقضين تماما, مشروع التسوية الفلسطيني.. ومشروع التصفية الإسرائيلي.. ولعل هذا يفسر تعثر كل مفاوضات.. وفشل كل المشروعات التي تم طرحها للتسوية منذ اتفاق أوسلو الي مشروع كلينتون, الي خطة خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.. وغيرها.. فما تكاد المفاوضات بين الجانبين تبدأ حتي يصطدم المتفاوضون بتلك الحقيقة بعد جلسة أو جلستين.. فينفض الجمع.. وتتم العودة الي نقطة الصفر. الفلسطينيون يطالبون المجتمع الدولي بالتدخل.. وإسرائيل تدعي عدم رغبة الفلسطينيين في السلام, وتعود الي مشروعها الاستيطاني لاستكمال فرض الواقع الديموجرافي الجديد علي الأرض الفلسطينية. هذا بالضبط ما وصلت إليه الأمور بعد آخر مشروعات التفاوض التي تبناها وأطلقها الرئيس الأمريكي أوباما, ودعمها الرئيس مبارك والملك عبدالله الثاني في الثاني من سبتمبر2010, والتي توقفت بعد أقل من أربعة أسابيع.. عندما انكشف أمام المفاوض الفلسطيني من جديد المشروع الإسرائيلي للتصفية. اذن ماهي البدائل؟ هذا هو التساؤل المطروح بإلحاح علي الساحتين الفلسطينية والعربية؟ البديل المطروح فلسطينيا وعربيا وبعد استنفاد آخر الفرص لممارسة أمريكا ضغوطها علي إسرائيل, وهو ما لن يؤدي قطعا الي تخلي إسرائيل عن مشروعها يكون البديل هو العودة الي الأممالمتحدة ومجلس الأمن لطرح القضية برمتها من جديد, وطلب الاعتراف بدولة فلسطين علي حدود الرابع من يونيو.1967 وبفرض حدوث ذلك والنجاح في استصدار مثل هذا القرار الدولي.. فإنه سيبقي قرارا نظريا غير قابل للتنفيذ علي أرض الواقع في ظل الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان واسع المدي علي الأراضي الفلسطينية والحصار المحكم.. ولن يتعدي الأمر صدور قرار جديد يضاف الي ترسانة القرارات الدولية السابقة.. ولكن يبقي الأمل قائما.. مادام الشعب الفلسطيني قائما.. فلا مانع من اللجوء الي تلك الخطوة, ولكن ليس باعتبارها بديلا وحلا للقضية الفلسطينية.. ولكن لاتخاذها سندا قانونيا أمام العالم للبديل العملي الذي لابد أن يلجأ إليه الشعب الفلسطيني بكل قواه وفصائله في الداخل والخارج إذا كان حقا يريد الحياة, لابد للشعب الفلسطيني من التوحد خلف مشروع وطني واحد للتحرر والاستقلال وليعلن الدخول في حالة من مقاومة الاحتلال والتمرد علي سلطاته والعصيان طويل المدي, وهو أمر ليس بالمستحيل, عند ذلك وفقط سيجد الشعب الفلسطيني دعما حقيقيا من الشعوب العربية, ومن كل الشعوب الحرة في العالم.