مرة اخري عادت الأصوات القديمة تعلو, لتحاول إقناعنا بأهمية وجود رقابة دولية علي الانتخابات, وكأن مصر تحتاج لشهادات دولية علي حسن ادارة شئونها الداخلية! يبدو أن بعض هذه الأصوات قد خلط عمدا بين المصطلحات والمفاهيم. ولم يفرق بين الظروف السياسية والتاريخية الطبيعية لكل دولة, فهناك فرق كبير بين مصطلحات, الرقابة والاشراف, وبين الرصد والمتابعة, وهناك فرق أيضا بين قيام منظمات ولجان وطنية بهذا الدور, وبين قيام منظمات وهيئات اجنبية به. وتعبير الرقابة علي الانتخابات وتعيين مراقبين دوليين, يعني مباشرة إدارة العملية الانتخابية من بدايتها وحتي إعلان النتائج, وهو يعني بوضوح أن الدولة الوطنية لاتتمتع بالسيادة, ولاتستطيع ادارة شأنها الانتخابي, وهي دولة حديثة العهد, او مستقلة حديثا, او خاضعة للانتداب, او محتلة ولاتوجد بها سلطة محلية تدير شئونها, او تعاني من صراعات قبلية وعرقية او دينية وسياسية, ولا تبسط نفوذها علي كامل أراضيها, وبالتالي تحتاج في هذه الظروف او في هذه الفترة الانتقالية, لإشراف دولي من منظمات وهيئات دولية كالأمم المتحدة, ورقابة دولية علي سير عملية اختيار النظام الجديد فيها. كما حدث في جنوب افريقيا وعدد من دول القارة الإفريقية, وفي العراق بعد الغزو الأمريكي, وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا الوضع بالتأكيد لا ينطبق علي مصر, التي تعتبر من أقدم دول العالم, التي لديها نظام راسخ ودستور وقانون, وهي دولة كاملة السيادة لاتقبل التدخل في شأن داخلي بها ولديها نظمها ومؤسساتها وهيئاتها التي تستطيع ان تؤدي هذا الدور بشكل كامل, فالاشراف علي الانتخابات تختص به فقط, وبحكم القانون لجنة مصرية مستقلة تتمتع بصلاحيات واسعة, هي اللجنة العليا للاشراف علي الانتخابات, أما الرصد والمتابعة وحتي الرقابة فهي مهمة منظمات وهيئات المجتمع المدني المصرية, ومعها التغطية والمتابعة الاعلامية, لجميع وسائل الاعلام المصرية والعربية والاجنبية. وقد يقول قائل, ما هو الخوف من وجود مراقبين دوليين علي الانتخابات المصرية, فالولاياتالمتحدةالامريكية سمحت بوجودهم في انتخاباتها..؟ وأقول ان سماح الولاياتالمتحدةالامريكية بذلك كان نوعا من التدريب الامريكي علي مراقبة انتخابات اخري ولم نقرأ او نسمع عن تقرير واحد يصف لنا أحوال الانتخابات في ولاية امريكية واحدة. وأقول أيضا, ان لا أحد يعلم من اين يأتي هؤلاء المراقبون الدوليون, ومن الذي يمولهم, وبأي معايير سوف يراقبون الانتخابات؟ ثم هل ستكون شهاداتهم وتقاريرهم حول انتخاباتنا هي صك البراءة النهائي علي نزاهتها.. أم ماذا؟ دائما ما نقول ان ضمان نزاهة وشفافية الانتخابات مرهون بالإرادة السياسية المصرية, ومرهون بالمشاركة الشعبية الواسعة للمواطنين, وتفعيل القوانين المنظمة للانتخابات, وعلي رأسها قانون إنشاء اللجنة العليا للانتخابات, والمنوط بها الإشراف الكامل علي العملية الانتخابية من بدايتها وحتي إعلان نتائجها, فهي الجهة الوحيدة المنوط بها بصلاحيات كاملة واستقلالية تامة إدارة العملية الانتخابية بما في ذلك وضع القواعد التفصيلية التي تنظم سيرالانتخابات ومعايير اختيار أعضاء اللجان الفرعية وإصدار توكيلات مندوبي ووكلاء المرشحين والقواعد المنظمة للدعاية الانتخابية والحد الأقصي للإنفاق عليها, وإعطاء حقوق متساوية للأحزاب في عرض برامجها الانتخابية من خلال وسائل الإعلام, الي جانب تنقية الجداول وتسهيل عملية التوصيت للناخبين وحفظ الأمن والنظام أثناء العملية الانتخابية, وتنظيم دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام في متابعة الانتخابات. لقد توافقت الأحزاب, أغلبية ومعارضة علي موقف وطني واحد, لرفض الرقابة الدولية علي الانتخابات, باعتبارها شأنا مصريا داخليا. وكان تصريح السيد صفوت الشريف الأمين العام للحزب الوطني قويا وواضحا, عندما أكد أن العمل السياسي المصري داخل البلاد لا تحركه أبدا إرادة خارجية, كذلك كان موقف حزب الوفد واضحا عندما أكد رئيسه د. السيد البدوي أن دعاوي الإشراف الدولي تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية, والأمر نفسه فعله د. رفعت السعيد رئيس حزب التجمع, إذن هناك توافق وطني بين القوي والأحزاب السياسية المصرية علي رفض أي تدخل أجنبي تحت أي مسمي, مع توافق وطني علي أهمية قيام منظمات المجتمع المدني المصري بمتابعة الانتخابات وإفساح المجال أمامها للقيام بدورها مع التشديد علي أهمية قيام اللجنة العليا للانتخابات بدورها وفقا للقانون. ومن المؤكد أن هذا التوافق الوطني حول رفض ما يسمي بالرقابة الدولية سيقطع الطريق علي مثل هذه الأصوات التي تطالب بهذه الدعاوي, ولكنه أيضا يلقي علي الجميع مسئولية وطنية وقانونية وهي إتاحة الفرصة وتسهيل عمل ودور هذه المنظمات المصرية لأداء دورها في متابعة ورصد العملية الانتخابية بحياد موضوعي يهدف الي تصحيح أية أخطاء أو تجاوزات في عمليات التصويت, إن تفعيل دور اللجنة العليا للانتخابات ومتابعتها الدقيقة لسير العملية الانتخابية واستخدام صلاحيتها القانونية في وقف أي أخطاء في سير العملية الانتخابية مع متابعة منظمات المجتمع المدني الوطنية لهذه العملية وتغطية واسعة للإعلام بكل أنواعه للانتخابات هو ما نحتاجه, فنحن أقدر علي إدارة شئوننا الداخلية, ونستطيع أن نحقق انتخابات نزيهة وحرة في إطار المؤسسات واللجان المصرية, انتخابات تحترم السيادة والتاريخ المصري وتحترم إرادة الناخب والمواطن. لنؤكد للعالم أننا لا نحتاج لشهادات دولية علي أننا شعب حضاري وديمقراطي ودولة مستقلة لا تقبل التدخل في شئونها, تملك من المؤسسات والهيئات والكوادر الوطنية ما تستطيع به إتمام انتخاباتها بالشكل الديمقراطي الذي يليق بمصر وشعبها, وعلينا جميعا عدم خلط المفاهيم والالتزام بالدستور والقانون وبقواعد العمل السياسي الديمقراطي في إطار السيادة المصرية والوطن المصري الذي ضحي كل المصريين من أجله طوال تاريخهم. المزيد من مقالات مجدي الدقاق