هناك قاعدة لم تخطئ حتي الآن وهي أن الحزب الحاكم في الولاياتالمتحدة دائما ما يخسر حصة من مقاعده في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس, ولكن الفرق هذه المرة أن الاستطلاعات تشير إلي أن الحزب الديمقراطي سيتلقي هزيمة قاسية تعيد له مرارة الهزيمة الثقيلة التي مني بها عام1994. خلال فترة حكم الرئيس الأسبق بيل كلينتون أو الساحر كما اعتاد الأمريكيون علي وصفه. وكما لم ينجح سحر كلينتون في إنقاذ الديمقراطيين من هزيمة التجديد النصفي, يبدو الأمر مشابها عام2010 مع الرئيس الديمقراطي الحالي باراك أوباما الذي تبدو قدرته اللغوية ومهاراته الخطابية عاجزة عن حماية حزبه من تكرار كابوس.1994 فالانتخابات النصفية لهذا العام تأتي في ظل مجموعة من المتغيرات تجعلها مختلفة عن سابقتها, أول هذه المتغيرات تصاعد التيار اليميني المتشدد داخل الولاياتالمتحدة بشكل غير مسبوق وهو الأمر الذي جاء كنتيجة لنجاح الأمريكيين عام2008 في التخلص من إرثهم العنصري وتجاوز كافة الحواجز العرقية والنفسية والتاريخية ليقوموا بانتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة.ولم يكن انتخاب أوباما ناتج فقط عن تجاوز الأمريكيين لكافة هذه العقبات فقط, ولكنه أيضا جاء كثمرة طيبة لحملة انتخابية أدارها المرشح الديمقراطي حينها بنجاح باهر أمام خصمه الجمهوري المخضرم جون ماكين الذي اتصفت حملته بالتخبط والعجز عن الوصول للناخبين. أما ثاني عناصر الاختلاف السباق التشريعي الحالي عن سابقيه, فهو خروج تيار حفلة الشاي تي بارتي من عباءة الحزب الجمهوري لينقلب عليه بعد أن أثبت فشلا ذريعا خلال سباق2008 الرئاسي, وكرد فعل لانتخاب أوباما وفشل وضعف الحزب الجمهوري في تمثيل التيارات المحافظة والمتشددة لدي الأمريكيين ظهرت حركة حفلات الشاي وكان ذلك بداية2009 وبدت وكأنها مجرد رد فعل لحظي سرعان ما يزول تأثيره. لكن هذه الحركة التي أخذت اسمها من واقعة حفلة شاي بوسطن عام1773 حين تظاهر سكان المستعمرات ضد فرض بريطانيا ضرائب علي واردات الشاي- ما زالت مستمرة, وظهرت آلاف المجموعات التي تنتمي إليها في مختلف أنحاء الولاياتالمتحدة, وكان لناشطيها تأثير عميق في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري حيث حقق مبتدئون يتبعون لتيار حفلة الشاي انتصارات مدوية علي المخضرمين الجمهوريين في عدد من الولايات أبرزها ولايتا ديلاور, ونيفادا.وبينما تظاهر المنتمون لحركة حفلة شاي بوسطن ضد الضرائب البريطانية عام1773 فإن المنتمين الجدد لتيار الشاي2010 يشعرون بالغضب تجاه استخدام أموال الضرائب في عمليات الإنقاذ الاقتصادي التي شملت البنوك وشركات السيارات والمقترضين, فضلا عن الإنفاق الهائل علي الحوافز في بداية الأزمة المالية. فكان الاقتصاد هو أحد الأسباب الرئيسية في خروج هذا التيار المتشدد إلي النور كشكل سياسي مستقل بعدما كان منضما للواء الحزب الجمهوري ويوفر له الدعم الإعلامي والمادي من خلال التبرعات التي يحصل عليها من الشركات ورجال الأعمال فاحشي الثراء أما ثالث العناصر التي تجعل من انتخابات التجديد النصفي لهذا العام مختلفة عن سابقتها فهو أنها تاتي والأمريكيون يشعرون بقدر غير مسبوق من السخط والقلق من المستقبل في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة وقد ادت الشكوك حول مستقبل الاقتصاد والشعور بالضجر من الادارة الامريكية الي تفشي مشاعر مناهضة لأوباما وحزبه. وهكذا أصبح الاقتصاد هو سيد الموقف في السباق التشريعي الحالي, فبينما كانت السياسة الخارجية( الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان) هي الحصان الرابح في سباق التجديد النصفي لانتخابات2006, غابت القضايا الخارجية وأصبحت القضايا الاقتصادية هي الورقة الفاصلة في سباق الكونجرس الجديد بعد أن تحولت أزمة البطالة المرتفعة المحورالذي يوجه دفة هذه الانتخابات حسب ما جاء علي لسان داريل ويست مدير دراسات الحكومة الرشيدة بمعهد بروكينجز. وفي سياق تعاملهم مع هذه القضية سعي كل من الجمهوريين والديمقراطيين الي وضع السباق الانتخابي في اطارين مختلفين, ففي الوقت الذي صور فيه استراتيجيو الحزب الجمهوري هذه الانتخابات علي أنها ستكون استفتاء وطنيا علي أوباما وحزبه, سعي الديمقراطيون بقوة إلي التقليل من هذا الاتجاه وحصر الانتخابات في أطرها المحلية فالجمهوريون قاموا بطرح برنامجهم الانتخابي تحت أسم تعهد لأمريكا والذي تضمن أفكارا تتعارض معظمها مع السياسات التي اعتمدها أوباما لمواجهة الأزمة الاقتصادية حيث أكد تمديد خصم الضرائب الذي امر به الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش, والغاء واستبدال عملية اصلاح نظام الرعاية الصحية. كما تعهدت خطة الجمهوريين بتقليص عجز الانفاق من خلال ترشيد الانفاق واصلاح الكونجرس أما الديمقراطيين فقد سعوا خلال حملاتهم الانتخابية إلي تحاشي القضايا الوطنية وتمسكوا بدوائرهم المحلية فقط في مسعي لفصل أنفسهم عن سياسات واشنطن وإدارة أوباما الذي تراجعت شعبيته إلي47%. والرسالة المشتركة التي حملها المرشحون هي حض دوائرهم علي عدم العودة الي سياسات الادارة السابقة, التي وصفها أوباما بأنها السبب في الازمة الاقتصادية الحالية. فبينما يري معظم الأمريكيين أن أوباما ورث الركود الاقتصادي عن سلفه بوش, إلا أن الكثيرين منهم يرون أن سياساته في مواجهة الركود كانت سببا في تفاقم الأزمة وارتفاع معدلات البطالة بشكل مطرد. ورغم ذلك فإن الديمقراطيين لا تزال بأيديهم ورقة رابحة وهي قانون الاصلاح المالي الذي تم تمريره في يوليو الماضي, والذي يمثل القضية الوطنية الوحيدة التي يتحدثون عنها. ولكن هذا القانون رغم أهميته إلا أنه- وفقا لما أكده الخبراء واستطلاعات الرأي- لن يدفع الناخبين إلي العودة لصفوف الديمقراطيين. لقد حذر أوباما من أن الحزب الديمقراطي سيواجه ما وصفه بانه تصويت عقابي في انتخابات الكونجرس إذا تحولت الي استفتاء علي أداء الاقتصاد. فهل تصدق نبوءة الرئيس ويتكرر سيناريو كابوس1994 مرة أخري؟.