لم تكن تصريحات المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند عن أن حل القضية الفلسطينية يأتي بتوسيع قطاع غزة ليصل إلي حدود العريش مقابل منح مصر أراضي في النقب وفعل الشيء نفسه مع الأردن. إلا أعترافا صريحا من اسرائيل بأن أزمة ماسمي بالجدار الفولاذي في شمال سيناء كانت مفتعلة هدفها منع مصر من تأمين حدودها تمهيدا لتغيير هذه الحدود. ففي السادس من مايو عام2004 نشرت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية للمرة الأولي ماسمي ب خطة التسوية الإسرائيلية الدائمة التي وضعها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي جيورا آيلاند والتي تتضمن تسوية إقليمية وتوسيع قطاع غزة نحو سيناء والضفة الغربية تجاه غور الأردن مقابل ضم11% من أراضي الضفة إلي إسرائيل. واستمدت الخطة اهميتها انذاك من أنها جاءت في خضم الجدل الذي كان دائرا حول قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بالانسحاب الإسرائيلي احادي الجانب من قطاع غزة فبدا واضحا أن هذا الانسحاب الذي كان من المفترض أن يكتمل في سبتمبر2005- وهو ماحدث بالفعل. ماهو الا مقدمة لحل للصراع مع الفلسطينيين علي حساب الدول المجاورة سواء مصر أو الأردن. وتقول مصادر اسرائيلية إن خطة الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند كانت جزءا من خطة الفصل التي طرحها شارون ومن أهم ما جاء فيها: انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وإخلاء مستوطنات القطاع, علي أن تخصص مصر للفلسطينيين منطقة تبلغ مساحتها600 كيلو متر مربع بطول30 كيلو مترا علي طول الحدود المصرية الإسرائيلية وبعرض20 كيلومتر مربع داخل سيناء مما يضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات وفي المقابل تحصل مصر علي أراض بديلة بمساحة200 كيلومتر مربع في منطقة وادي فيران في النقب إضافة إلي نفق يربط مصر بالأردن ربطا بريا وأن يكون هذا النفق تحت السيادة المصرية, أما الأردن فإن الخطة تعطيه إمكانية الوصول بحرية إلي البحر الأبيض المتوسط عبر نفس النفق إلي ميناء غزة بعد استكماله وتشغيله كما تحصل السعودية والعراق علي مخرج للبحر الأبيض بنفس الطريقة, من جهة أخري إقامة ميناء كبير وعميق للفلسطينيين في غزة باستثمار دولي إضافة إلي إعادة تشغيل المطار المدمر في منطقة رفح علي أن تتولي مصر والأردن والولايات المتحدة صلاحيات الرعاية في المناطق الفلسطينية. ومنذ طرح الخطة لأول مرة في عام2004 ورغم كل المتغيرات العالمية فلا يكاد يمر مؤتمر لبحث استرتيجيات اسرائيل المستقبلية دون مناقشة خطة الجنرال جيورا ايلاند أوخطط شبيهة لها ففي مؤتمر هرتسليا الثامن والذي عقد في يناير2008 قدم البروفسير عوزي أراد والبروفسير جدعون بيجر اقتراحا بتبادل الأراضي في إطار تسويات سياسية بإبقاء جزء من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية مقابل نقل مناطق في النقب إلي الفلسطينيين وتسمح بجولة من التبادل الإقليمي تضمن ما يعتقدان أنه المصالح الحيوية لجميع المشاركين وقد شددا علي أن خطوط الحدود في المنطقة رسمتها القوتان الاستعماريتان فرنسا وبريطانيا دون مراعاة احتياجات سكان المنطقة وفي إطار هذا الاقتراح تضم' إسرائيل'200 كيلومتر من الضفة الغربية لسيادتها تشكل3% من مساحة الضفة لتشمل الكتل الاستيطانية وأراض في غور الأردن وصحراء الضفة وبالمقابل يحصل الفلسطينيون علي أراض علي طول الخط الأخضر مع أو دون سكانها من عرب1948 والمقصود هنا في منطقة وادي عارة أما فيما يتعلق بالشأن السوري تحتفظ إسرائيل ب12% من هضبة الجولان لضم معظم المستوطنات وخط الجرف المسيطر علي بحيرة طبريا علي أن تحصل سوريا بالمقابل علي أراض من لبنان الذي سيحصل من إسرائيل علي50 كيلو مترا مربعا علي طول الحدود الشمالية وفي الجانب المصري تنقل اسرائيل أراضي في منطقة وادي فيران بالنقب إلي مصر ومنطقة أخري تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن علي أن ينقل المصريون للفلسطينيين أراضي في محور رفح العريش كتواصل لقطاع غزة وتنقل إسرائيل إلي الأردن أرضا في وادي عربة لإقامة المعبر مع مصر وتنقل إلي سورية أرضا من الأردن قرب حدودهما المشتركة. وللأسف الشديد فإن مثل هذه الخطط تجد لها بعض الصدي والتأييد داخل قطاع غزة حيث يعتقد البعض أن الحدود الطبيعية والتاريخية للقطاع تصل إلي العريش وأن المصريين ضموها اليهم في زمن الاستعمار الانجليزي متناسين أن غزة بكاملها بل وفلسطين كانتا في احيان كثيرة تحت الحكم المصري والأثار الفرعونية في غزة وجنوب فلسطين خير شاهد علي ذلك. ومن المفارقات المحزنة أنه ما أن انهي مؤتمر هرتسليا الثامن أعماله في20 يناير2008 حتي اقتحم الفلسطينيون الحدود المصرية بحجة كسر الحصار والحصول علي الطعام ولكن البعض كشف عن نواياه عندما لم يتورع عن رفع العلم الفلسطيني فوق مكتب بريد الشيخ زويد بشمال سيناء ودخل البعض الأراضي المصرية مدججين بالسلاح. وليس معني ماسبق أن قيادة حركة حماس المسيطرة علي غزة تؤيد فكرة توسيع القطاع علي حساب مصر فللحركة حسابات أخري ولكن ذلك لايمنع وجود فئة غير قليلة بالقطاع ومنها السلفيون المتشددون والجهلاء بالتاريخ والجغرافية وتجار الأنفاق يؤمنون بأن الحل يجب أن يأتي علي حساب مصر. ويعد الجدل الدائر حاليا حول مايسمي بالجدار الفولاذي في سيناء أكبر دليل علي استمرار تزاوج المصالح بين اسرائيل وتجار الأنفاق والجهلاء في غزة من اجل الوصول إلي هدف توسع القطاع جنوبا في اتجاه العريش, فأول من تحدث عن قيام مصر ببناء هذا الجدار هو الاعلام الاسرائيلي وخاصة موقع تيك ديبكا المرتبط بالموساد وأجهزة الأمن الاسرائيلية ولو كان الجدار المزعوم في مصلحة اسرائيل ما سمح الرقيب العسكري الاسرائيلي بكتابة حرف واحد عنه. والمحزن ان الكثيرين في مصر والعالم العربي تأثروا بالحملة المشبوهة ضد مصر من جانب جنرالات الفضائيات دون أن يحاولوا استيضاح الأمور من المختصين لأن المخطط الاسرائيلي لتبادل الأراضي قديم ومعروف ولايحتمل التأويل كما أن ميل بعض الفلسطينيين له واضح وضوح الشمس ولأن أهداف الحملة مشبوهة فقد تجاهل الاعلام الذي يتبناها مقالا خطيرا نشرته صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية في13 يناير الحالي للسياسي الاسرائيلي اليساري البارز يوسي بيلين أحد مهندسي اتفاق اوسلو أكد فيه أن الجدار ليس في مصلحة اسرائيل لأنه سيبطل حججها بأنها تحاصر غزة لمنع تهريب السلاح لها ويجبرها علي فتح المعابر ورفع الحصار تطبيقا للقانون الدولي والا سينظر لها العالم علي أنها تقوم بتجويع الفلسطينيين.