برغم مرور أكثر من ثلاثين عاما علي ابرام معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية في عام1979 والانسحاب الاسرائيلي من سيناء طبقا لتلك المعاهدة في25 ابريل1982. فإن جميع المؤشرات والشواهد تؤكد ان المطامع الاسرائيلية في أرض الفيروز مازالت قوية وأن هناك تحفزا من جانب قطاع كبير في المجتمع الاسرائيلي خاصة اليميني منه لاغتنام اللحظة المناسبة لإعادة احتلال سيناء بوصفها جزءا من أرض الأجداد كما تحكي الأساطير التوراتية, وتأخذ الاطماع الاسرائيلية شكلين: أولهما مباشر لايخجل من الدعوة العلنية لاحتلال سيناء سواء بالكامل أو جزئيا, وثانيهما غير مباشر يعتبر ان سيناء أرض بلا سكان وبالتالي يمكن توطين اللاجئين الفلسطينيين بها أو علي الأقل اقتطاع جانب منها وضمه لقطاع غزة. ففي مارس من العام الماضي, كشفت نتائج استطلاع أجراه المعهد الديمقراطي التابع للكنيست الإسرائيلي بالتزامن مع الذكري ال30 لتوقيع معاهدة' السلام' المصرية الإسرائيلية عام1979, أن89% من الإسرائيليين يؤيدون إعادة احتلال سيناء. وطبقا للنتائج التفصيلية للاستطلاع فإن33% من الإسرائيليين يرون أن علي إسرائيل إعادة احتلال شبه جزيرة سيناء بالكامل, و19% يؤيدون إعادة احتلال معظمها, و29% يؤيدون احتلال جزء منها, و8% يؤيدون احتلال جزء صغير, و11% فقط يرفضون احتلال أي جزء ولو صغيرا منها. والحقيقة أن هذا التوجه الشعبي الاسرائيلي نحو إعادة احتلال سيناء ليس فجائيا بل هو نتيجة جهود حثيثة يقوم بها ساسة يمينيون ورجال دين متشددون لخلق رأي عام مؤيد لإعادة احتلال سيناء بوصفها جزءا من أرض الاجداد, وبدأ هذا التوجه فور الانسحاب الاسرائيلي عام1982 عندما تأسست حركة جماهيرية تحمل اسم حركة العودة لسيناء, و راحت تنشر بيانات موقعة من كوادر حزبية وسياسية وثقافية وعسكرية, تعلن أن سيناء هي جزء من أرض إسرائيل التاريخية وأن الانسحاب منها بموجب معاهدة السلام مع مصر يمثل خيانة للمبادئ الصهيونية, ونشطت الحركة في العمل علي غرس فكرة العودة إلي سيناء لدي الأجيال الإسرائيلية, حتي تأتي اللحظة المناسبة لشن عدوان جديد علي مصر. ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تنجح أجهزة الأمن المصرية في الكشف عن العديد من الشبكات التي تقوم بشراء مساحات كبيرة من الأراضي في سيناء خاصة في المناطق القريبة من الحدود فيها سواء شمالا أو جنوبا لصالح رجال أعمال اسرائيليين لأن هذا هو نفس الأسلوب الذي اتخذته الحركة اليهودية الدولية في فلسطين قبل عام1948, وعندما جري طرد المواطنين الفلسطينيين العرب من منازلهم وقراهم كانت الحجة الجاهزة هي أن المنازل والأراضي الت للسكان اليهود عن طريق الشراء, ولذلك اصدرت الحكومة المصرية منذ عدة سنوات قرارا تاريخيا بحظر تملك الاجانب في سيناء. وبعيدا عن أطماع اليمين الاسرائيلي بالعودة المباشرة لسيناء فإن هناك صورة أخري من صور الأطماع الاسرائيلية في سيناء تتمثل في اعتبارها وطنا بديلا للفلسطينيين سواء اللاجئين في الخارج أو سكان غزة الذين يعانون من ضيق مساحة القطاع, ولم تكن تصريحات المستشار السابق للأمن القومي الاسرائيلي الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند عن أن حل القضية الفلسطينية يأتي بتوسيع قطاع غزة ليصل إلي حدود العريش مقابل منح مصر أراضي في النقب الا خير تعبير عن تلك الأطماع, ففي السادس من مايو عام2004 نشرت صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية للمرة الأولي ماسمي ب خطة التسوية الإسرائيلية الدائمة التي وضعها رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي جيورا آيلاند والتي تتضمن تسوية إقليمية, وتوسيع قطاع غزة نحو سيناء والضفة الغربية تجاه غور الأردن مقابل ضم11% من أراضي الضفة إلي إسرائيل. واستمدت الخطة اهميتها آنذاك من أنها جاءت في خضم الجدل الذي كان دائرا حول قرار رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون بالانسحاب الإسرائيلي احادي الجانب من قطاع غزة فبدا واضحا أن هذا الانسحاب الذي كان من المفترض أن يكتمل في سبتمبر2005 وهو ماحدث بالفعل ماهو الا مقدمة لحل للصراع مع الفلسطينيين علي حساب الدول المجاورة سواء مصروالأردن بتبادل أراض معها مقابل الأراضي التي اقتطعتها إسرائيل أو بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في البلاد التي يقيمون بها مثل لبنان والإمارات. وتقول مصادر اسرائيلية إن خطة الجنرال المتقاعد جيورا ايلاند كانت جزءا من خطة الفصل التي طرحها شارون, ومن أهم ما جاء فيها: انسحاب إسرائيل من قطاع غزة وإخلاء مستوطنات القطاع, علي أن تخصص مصر للفلسطينيين منطقة تبلغ مساحتها600 كيلو متر مربع بطول30 كيلو مترا علي طول الحدود المصرية الإسرائيلية وبعرض20 كيلوامترا مربعا داخل سيناء مما يضاعف مساحة القطاع ثلاث مرات, وفي المقابل تحصل مصر علي أراض بديلة بمساحة200 كيلومتر مربع, في منطقة وادي فيران في النقب, إضافة إلي نفق يربط مصر بالأردن ربطا بريا, وأن يكون هذا النفق تحت السيادة المصرية. ومنذ طرح الخطة لأول مرة في عام2004 وبرغم كافة المتغيرات العالمية فلا يكاد يمر مؤتمر لبحث استراتيجيات اسرائيل المستقبلية دون مناقشة خطة الجنرال جيورا ايلاند أوخطط شبيهة لها, ففي مؤتمر هرتسليا الثامن والذي عقد في يناير2008 قدم البروفسير عوزي أراد والبروفسير جدعون بيجر اقتراحا بتبادل الأراضي في إطار تسويات سياسية, بإبقاء جزء من الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية, مقابل نقل مناطق في النقب إلي الفلسطينيين وتسمح بجولة من التبادل الإقليمي تضمن المصالح الحيوية لجميع المشاركين, وقد شددا علي أن خطوط الحدود في المنطقة, رسمتها القوتان الاستعماريتان فرنسا وبريطانيا, دون مراعاة احتياجات سكان المنطقة وفيما يخص سيناء من هذا المخطط تنقل اسرائيل أراضي في منطقة وادي فيران بالنقب إلي مصر, ومنطقة أخري تسمح بالعبور الحر بين مصر والأردن, علي أن ينقل المصريون للفلسطينيين أراضي في محور رفح العريش كتواصل لقطاع غزة. والمحصلة هي أن معاهدة السلام بين الحكومتين المصرية والاسرائيلية لم تنجح في محو أطماع الاسرائيليين في سيناء فمازالوا يحلمون بالعودة اليها سواء بالغش والتدليس كشراء العقارات والأراضي أو العدوان والاحتلال, خاصة ان كنوز شبه الجزيرة وشواطئها الخلابة تلهب خيالاتهم, ولكن الشيء المؤكد أن الأمر لن يخرج أبدا عن إطار الخيال لأن مخططاتهم مكشوفة للجميع ومن الطبيعي أن يكون الرد جاهزا.