1 في الليل, توجهت والصديق سعيد الكفراوي الي قاعة العزاء بمسجد رابعة العدوية بمدينة نصر, صعدت عدة درجات وصافحت الدكتور حسين عبدالقادر أستاذ علم النفس, والناقد السينمائي كمال رمزي, وجلست جوارهما في انتظار أن يأتي أحد, بينما دخل الكفراوي وانضم الي المعزين. 2 مضي الوقت ونحن جلوس والقارئ يقرأ القرآن, بينما لاحظت بمدخل قاعة السيدات الكاتبات هالة البدري وسهام بيومي ومني برنس التي جاءت ووقفت أسفل الدرجات, وشبت تنظر الي الداخل, حيث الجمع المكون من الأصدقاء بهاء طاهر وخيري شلبي ومحمد سلماوي وعماد أبوغازي والكفراوي وفهمي عبدالسلام وصلاح فضل وأسامة الرحيمي وأحمد إسماعيل وأسامة عرابي وأحمد اللباد ولا أحد آخر, وهي بعدما نظرت تساءلت: إيه ده؟ أمال فين بقية الناس؟ طلبت منها أن تهدأ, وهي لم تنصرف. 3 الدكتور حسين عبدالقادر وكمال رمزي حضرا عملية الدفن التي جرت, والدكتور يقول إنه بعد الوعكة الأولي التي اصابته, كان حدد له موعدا مع الطبيب, وأن فاروق كان يتكاسل ولا يذهب, يتصور الدكتور أنه في أيامه كان كمن لم يعد راغبا في الاستمرار. هذا الكلام جعلني أفكر في بعض الأمور التي لم تستوقفني في حينها, كان فاروق قبل مرضه قد توقف تماما عن الكتابة, وهو أمر غريب من الرجل الذي لا يفعل كل يوم سوي قراءة الكتب والكتابة عنها, وعندما سألته قال: عاوز ارتاح شوية, بعد ذلك كنت قضيت فترة حرجة بالمستشفي وصرت أقرب الي الموت الذي بدا محتوما, كنا نتحدث ونتضاحك عندما قال يطمئنني: علي العموم كده حلو قوي يا أبوخليل. انت عملت اللي عليك وتركت بصمتك, كده معقول قوي. فكرت وقتها بيني وبين نفسي وقلت بصمة إيه يا خويا وهباب إيه؟ لأنني في الحقيقة لم يكن لدي استعداد لأن أموت في ذلك الوقت بل كنت أفضل, ومازلت, أن أظل حيا لعدد آخر من السنين, أقول الآن هل كان لدي فاروق قلب جامد؟ أم أنه كان رجلا عمليا وأنا الذي لم يلحظ, أم أنه كان, يا تري, يعتقد أن هذا الزمن الوغد كما كان يطلق عليه لم يعد يستحق أن يعيش فيه, لا هو ولا أي من أصدقائه المقربين؟ وهل معني ذلك أنه وقد اصابته جلطة المخ الخفيفة تركها عامدا حتي تفاقمت وجعلته يقع علي رأسه وينتهي الي الغيبوبة الكاملة, أم أن ما أفكر فيه الآن أشياء عارية من الصحة. 4 عندما وصلوا إلي المقابر في منطقة أبي زعبل, ذهب ابن شقيقه( وهو يدرس لا أعرف بأي جامعة) واستفتي شيخه أن فاروق لم يكن يصلي, والشيخ أفتي بعدم جواز دفنه في مقبرة واحدة مع المؤمنين من أفراد العائلة, حينئذ حملوا الجثمان واتجهوا الي منطقة زرائب مهجورة, بها عدة نتوءات متناثرة من دون شواهد كل نتوء منها يستوعب جثمانا واحدا, وهم فتحوا واحدة ووضعوا فاروق وأغلقوا عليه وانصرفوا, يقول من كانوا هناك إن الجن الأزرق نفسه لا يمكن أن يستدل علي هذه الحفرة أو يعرف المنطقة أصلا. 5 كان الصديق الدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة قد وافق علي تخصيص قاعة في قصر ثقافة روض الفرج تحمل اسم فاروق عبدالقادر توضع بها مكتبته, أخبرني الشاعر جرجس شكري أن هذا تم فعلا, وأمامنا كان ابن شقيق فاروق الذي جاء بالفتوي ينصحنا ألا نذهب غدا لأخذ الكتب لأن الشقة سوف تكون مشغولة بالعمال الذين سيخلونها من الأدوات الكهربائية والعفش, ويقترح علينا أن نذهب بعد غد حتي لا يزعجنا أحد. فيما بعد تم التجاوز عن مسألة عدم الصلاة واستحل هو والآخرون مبلغ المائة ألف جنيه قيمة الجائزة التي فاز بها فاروق وهو في غيبوبته الكاملة. 6 بين يوم وآخر, أتناول إفطاري والعلاج, وأعد كوب الشاي وأتجه الي التليفون كي ما نواصل أحاديثنا الصباحية, إلا أنني أنتبه, حينئذ أترك السماعة, وأمسك الريموت, وأتفرج.